الفيزياء

التفسيرات العلمية لكيفية حدوث ظاهرة الصدى

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

ظاهرة الصدى التفسير العلمي لظاهرة الصدى الفيزياء

هَلْ جَرَّبْتَ مَرَّةً أَنْ تَصيحَ بِصَوْتٍ عالٍ في قاعَةٍ كَبيرَةٍ خالِيةٍ مِنَ الأَثاثِ، أَو أَمامَ مَبْنًى مُرْتَفِعٍ بَعيدٍ عَنْك، فسَمِعْتَ صَوْتَكَ يَرْتَدُّ إِلَيك؟

هَذِهِ هِيَ ظاهِرَةُ الصَّدَى، وتَعْني تَكْرارَ الصَّوْتِ الأَصْلِيِّ نَتِيجَةً لانْعِكاسِ المَوْجاتِ الصَّوتِيَّةِ عِنْدَما يَعْتَرِضُ مَسارَها عائِقٌ، فَتُحْدِثُ في ارْتِدادِها رَجْعًا يُشْبِهُ الصَّوْتَ الأَصْلِيَّ، ويُسْمَعُ بِوُضوحٍ بَعْدَ زَوَالِ التَّأثيرِ الّذي يُحْدِثُهُ الصَّوْتُ الأَصْلِيُّ عَلَى الأُذُنِ.

والتَّفْسيرُ العِلْمِيُّ لِظاهِرَةِ الصَّدَى يَعْتَمِدُ عَلَى حَقيقَةِ أَنَّ الإحْساسَ بالصَّوتِ في الأُذُنِ البَشَرِيَّةِ يَسْتَمِرُّ لِمُدَّة 1/10 ثانِيَةٍ بَعْدَ وُصولِ الصَّوتِ إلَى طَبْلَةِ الأُذُنِ.

 

فإذا وَصَلَ الصَّوتُ المُنْعَكِسُ إلَى الأُذُنِ قَبْلَ مُضِيِّ 1/10 ثانِيَةٍ عَلَى وُصولِ الصَّوتِ الأَصْلِيِّ إِلَيْها، يَتَداخَلُ الصَّوتانِ مَعًا ولا تَسْتَطيعُ الأُذُنُ أَنْ تُمَيِّزَ بَيْنَهُما.

أمَّا إِذا وَصَلَتْ الأَمْواجُ الصَّوْتِيَّةُ المُنْعَكِسَةُ إلَى الأُذُنِ بَعْدَ مُضِـيِّ 1/10 ثانِيَةٍ عَلَى وُصولِ الصَّوتِ الأَصْلِيِّ إلَيْها، فإنَّ تأثيرَ الصَّوتِ الأَصْلِيِّ يكونُ قَدْ زَالَ مِنَ الأُذُنِ، ويُسْمَعُ رَجْعُ الصَّوتِ مُنْفَصِلاً عَنْ الصَّوْتِ الأَصْلِيِّ.

ويَعْتَمِدُ البُعْدُ اللاَّزِمُ لِسَماعِ الصَّدَى عَلَى سُرْعَةِ الصَّوْتِ، فإذا كانَتْ سُرْعَةُ الصَّوْتِ في دَرَجَةِ الحَرَارَةِ العَادِيَّةِ تَبْلُغُ حَوَالَيْ 330 مِترًا في الثَّانِيَةِ، فإنَّ المَسافَةَ الّتي يَقْطَعُها الصَّوْتُ خِلالَ 1/10 ثانِيَةٍ تُساوِي 330×0.1= 33 مترًا، وهِيَ المَسافَةُ الّتي يَقْطَعُها الصَّوْتُ ذَهابًا وإِيابًا بَيْنَ السَّامِعِ وسَطْحٍ عاكِسٍ عَلَى بُعْدِ 16.5 متر.

 

أمَّا إِذا كانَ بُعْدُ السَّطْحِ العاكِسِ عَنْ السَّامِعِ أَقَلَّ من 16.5 متر، فإنَّ الصَّوْتَ المُنْعَكِسَ يَصِلُ إلَى أُذُنِ السَّامِعِ قَبْلَ زَوالِ تَأثيرِ الصَّوْتِ الأَصْلِيِّ، ولا يُسْمَعُ الصَّدَى.

وكُلَّمَا نَقَصَتْ المَسافَةُ زادَ اختلاطُ المَقاطِعِ الصَّوتِيَّةِ الأَخِيرَةِ للصَّوْتِ الأَصْلِيِّ مَعَ صدَى المقاطِعِ الأُولَى، مِمَّا يُحْدِثُ «تَرْدادًا» أو تَشْوِيشًا.

لِذَلِكَ عِنْدَ تَصْميمِ القَاعاتِ الكَبيرَةِ يَضَعُ المُهَنْدِسونَ المِعْمارِيُّونَ في حِسابِهِمْ الأَبْعادَ اللاَّزِمَةَ للحدِّ مِنْ الدَّوِيِّ الّذي يُسَبِّبُ عَدَمَ وُضوحِ الصَّوتِ، أو للتَّخَلُّصِ مِنْ هَذا الدَّوِيِّ في أَحْوالٍ خاصَّةٍ، كما في استودْيوهَاتِ الإذَاعَةِ والتَّسْجيلِ، أو في أَماكِنِ فَحْصِ السَّمَّاعاتِ الدَّقيقَةِ والمَيْكروفونَاتِ الحَسَّاسَةِ.

 

وتَجْدُرُ الإِشَارَةُ إلَى أَنَّ عُلَمَاءَ الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ أَجْمَعوا عَلَى تَفْسيرٍ جَيِّدٍ لحُدوثِ الصَّدَى. فقدْ أَوْضَحَ بَهْمَنيارُ بنُ المرَزَبانِ في كِتابِه «تَحْصيلُ بَهْمَنيار» أنَّ الصَّوْتَ المُنْعَكِسَ «يكونُ شَكْلُهُ شَكْلَ الأَوَّلِ وعَلَى هَيْئَتِهِ»، ويَجوزُ أَنْ يكونَ لِكِلِّ صَوْتٍ صَدًى ولكنْ لا يُسْمَعُ، كما أَنَّ لِكُلِّ ضَوءٍ عَكْسًا.

والسَّبَبُ في أَلاَّ يُسْمَعَ الصَّدَى في البُيوتِ أنَّه إذا كانَتْ المسافَةُ بَيْنَ مَصْدَر الصَّوتِ وعاكِسِهِ صَغيرةً، سُمِعَا معًا في وقتٍ واحدٍ أَو قريبٍ من وقتٍ واحدٍ.

وأَكدَ الجَلْدَكِيُّ في كتابِهِ «أَسْرارُ المِيزانِ» أَنَّ الصَّدَى يَحْدُثُ عَنْ انْعِكاسِ الهَواءِ المُتَمَوِّجِ بِنَفْسِ شَكْلِهِ وهَيْئَتِهِ مِنْ مُصادَمَةِ جِسْمٍ عالٍ كجبلٍ أو حائِطٍ، ويَجوزُ ألاَّ يَقَع الشُّعورُ بالانْعِكاسِ (أَيْ الصَّدَى) لِقُرْبِ المَسافَةِ فَلاَ يُحَسُّ بِتَفاوُتِ زَمانَيْ الصَّوْتِ وعَكْسِه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى