الحقوق الصحية الواجب توافرها للمريض والعوامل المؤثرة على دور الطبيب المعالج
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
الحقوق الصحية ونقل المعلومات عبر الحدود الثقافية
تبلغ تحديات الاتصال والمشاركة الوجدانية لحقوق الإنسان أقصاها حينما يكون المريض والطبيب المعالج أو المتحكم في التكنولوجيا من جهة والجمهور الذي يجري عليه الكشف أو الدراسة من جهة أخرى ذوي خلفيات مختلفة عرفيا أو ثقافيا أو اقتصاديا واجتماعيا.
ثم أن مسئولية المهني هي أن يحاول فهم هذه الخلفيات المتفاوتة، بما في ذلك وسائل العلاج وغيرها من النظم المساعدة. وإذا اقتضت الضرورة فلا بد من استخدام معالجين من ذوي الثقافة المزدوجة لأخذ مشورتهم أو تكليفهم بالعمل الفعلي في المشكلة المطروحة.
وهذا هو الأسلوب المقبول حاليا في معظم مراكز الولايات المتحدة التي تتعامل مع اللاجئين وغيرهم من المهاجرين. وفي بعض الأحيان قد لا يحتاج المساعد المزدوج الثقافة أن يكون مهنيا مدربا، ولكن قد يكون من الأشخاص الموثوق فيهم في مجتمع المرض.
أما في إطار نفس الثقافة، فيحسن أن يكون الشخص المريض نفسه أو نفسها أو الشخص الذي خضع للإجراءات موضع البحث هو ذاته الذي تؤخذ عنه الشمورة.
والجهد الذي يبذل دائما يكون لتقوية المريض ودفعه على أن يشارك في اتخاذ القرار الصعب عن استخدام التكنولوجيا المحرمة والعالية التكاليف التي يوصي بها الطبيب المعالج.
ودفع المريض أو المجتمع أمر صعب ومهم للغاية حينما تكون التكنولوجيا المستخدمة منقولة من منطقة صناعية إلى منطقة أقل تقدما. وفي هذه الظروف يعتبر تقدير المجتمع وكذلك الحقوق الثقافية للفرد أمرا ضروريا.
وبدون تحليل دقيق يسبق نقل هذه التكنولوجيا. يصبح المجتمع في خطر التعرض لآثار غير متعمدة وغير ذات فائدة نتيجة لتواجد هذه التكنولوجيا الجديدة به. وبعيدا عن القضايا العامة المتعلقة بالاتصالات بين الناس وبين الثقافات فمن البديهي أن يختلف تحديد المرض وسير وظائف الجسم والعقل، وكيفية علاجه (إن وجد العلاج) من شعب لآخر.
ولا يمكن النظر في الوظائف المتنوعة نظرة موحدة على أنها أمراض تحتاج إلى (علاج) طبي. فالأشخاص يرون أنفسهم وكيانهم الداخلي بطرق لا يكون لها تأثيرها فقط على تقريرهم الذاتي بل أيضاً على خبرتهم مع المرض. وربما أدى نقل التكنولوجيا إلى اضطرابات عادية أو إعاقة تحدد ثانية بأنها أمراض أو أسقام تحتاج إلى فحوص وعلاج.
ولا يمكن أن يؤدي إدخال تقنيات طب بيولوجية جديدة وممارسيها المدربين الآتين من ثقافة فردية معقدة إلى ثقافة جماعية أقل تعقيدا، إلى ترك المجتمع بلا تغيير.
وأن يتغير ذلك السياق الرمزي للحياة والتفاعل بين الناس الذي يزيد إحساس الفرد بالمعنى وبالقيمة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الذين يقدمون التكنولوجيا ويديرون شئونها أشخاص أقوياء، غالبا ما ينظر إليهم على أنهم يحاولون انتزاع مهام المعالجين المحليين.
وقد يؤدي ذلك إلى تعريض كل حقوق المجتمع وامتيازاته والتزاماته للخطر. وفي ظل هذه الظروف إما أن يكون هناك نوع من الإجماع الواعي الاصيل للعلاج بالأجهزة الجديدة أو قد يصبح الإجراء مستحيلا.
ويعتبر الإجماع الواعي من الصعوبة بمكان في ظل الظروف العادية حينما يكون الفاحص أو المعالج، على عكس المريض أو الفرد المفحوص، في صحة جيدة ومتعلما، وله مكانة اجتماعية قوية، ومزودا باسرار المعرفة.
فحتى مع المريض المتعلم الحساس فإن الكشف الكامل الذي يقوم به الطبيب المعالج سوف يتسم بالروتينية، والتسليم من جانب المريض، وغالبا ما يكون انعكاسا تحت ضغط الخوف والرغبة في أن يصبح سليما معافي.
وحينما يكشف الطبيب عن هويته التي اكتسبها في ثقافة مختلفة عن ثقافة المريض الذي يعتبره ذا ثقافة غريبة (أو أخلاق غريبة على حد قول إنجلهاردت) ويكون الوقت محدودا، فإن العلاج يصبح في أغلب الاحيان مستحيلا.
ويزداد ذلك إذا كانت العلاقة والخبرة بين الطبيب والمريض علاقة جديدة، فلا بد أن يستخدم فيها المترجمون لاجتياز الحاجز اللغوي.. وفي كل الأحوال يعتبر التاريخ الشخصي للطبيب المعالج (أو لصانع القرار التكنولوجي) من المؤثرات القوية، وغير المعروفة على التعامل الذي تتولد عنه البيانات اللازمة.
ولا يتضمن هذا التاريخ فقط مجرد السيرة الشخصية الخارجة عن المألوف، بل يتضمن أيضا التنشئة في المهنة ومعنى الدور المهني في سياق أصول المجتمع وثقافة الطبيب أو الفاحص وكذلك افكاره عن المجتمع والثقافة التي يعمل فيها حاليا.
وغالبا ما يكون لهذه العوامل أثرها على تقبل الطبيب المعالج لاشكال الاستجابات في الثقافة الجديدة مثل المواربة أو النفاق أو الغش أو الاستحواذ التلقائي على السلطة.
ومن الواضح أن الدعوة إلى إجراءات المحافظة على الصحة المقبولة في ديمقراطيات الغرب الصناعية، قد يكون لها مدلول آخر في العالم النامي (برودي Brody، 1981 أ)، فليس من شك في أن الحوافز التي تمنح لفقراء تلك البلاد.
مثل توزيع أجهزة مذياح ترانزستور على شباب الهند لحفزهم على إجراء عملية قطع القناة المنوية فيها نوع من الإجبار الخفي (برودي، 1976). ولقد بدأ الباحثون، الذين يأتون من الدول الصناعية للعمل في مناطق العالم الثالث التي تعاني من الفقر المدقع، يواجهون قضايا مماثلة.
وهم يودون، لو أن نظم القيم المختلفة قد عوقت ظنونهم السابقة بأن القواعد الأخلاقية للعاملين في البحوث من الدول الصناعية كانت بالضرورة قابلة للتطبيق في البحوث المشتركة التي تجري في ظل ثقافات مختلفة أو في الدول الاقل تقدما في الصناعة (انجل Angell، 1988).
لقد طرح على سبيل المثال سؤال: هل يمكن أن يطبق الإجماع أو القبول الواعي، خاصة بالنسبة للإجراءات التي يستخدمها الأطباء والعلماء المدربون الغربيون، بمصداقية على شعوب من الأميين في بلاد ليس فيها تقاليد ديمقراطية؟ (باري Barry، 1988). في تناول هذه المشكلة ذكر ايجيلسمويدن Ijesselmuiden وفادن Faden (1992):
أن الدوافع المعقدة من وراء تقرير القيام ببحوث في دول العالم النامي بدلا من القايم بها في دول الغرب تتضمن بعض العوامل المطروحة للتساؤل مثل كونها أقل تكلفة، وأقل تعرضا لأخطار التقاضي، وأقل تعرضا للمساءلة الاخلاقية، ومثل توافر السكان المستعدين للتعاون مع اي دراسة تبدو شافية في طبيعتها، وتوقع عدم المطالبة بتقارير عن الآثار الجانبية بسبب انخفاض وعي المستهلكين، والرغبة الشخصية لدى البعض في ان يتقدموا، والرغبة في إيجاد أسواق جديدة لوكالات الدواء وغيرها من المتجات (ص833).
ويستخلص الكاتبان من ذلك أنه رغم المشاكل العارضة المتعلقة بالاتصالات وميل الأشخاص المعرضين للتجارب العلاجية إلى إرضاء وموافقة أي شخص في السلطة، وإلى التعهد بقبول أو القيام بأي إجراء له قيمة علاجية محتملة، رغم كل ذلك، فلا يمكن أن يكون هناك بديل يغني عن الموافقة الواعية للشخص الأول.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]