الخدمات واقتصاد الرعاية في مجتمع السوق النابض بالحياة
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
أصبحت أعمال الرعاية من أجل التكاثر الاجتماعي أكثر وضوحاً مع المتغيرات الطارئة على الأسرة ومكان العمل. إذ أصبحت الآن أعمال الرعاية مثل التعليم ورعاية الأطفال والمسنين جزءاً من الاقتصاد الرسمي، على الرغم من أنها في الكثير من الأحيان تُنظّم كجزء من القطاع العام الذي تسيطر عليه الحكومة وليس من خلال الأسواق. ومع ذلك، أصبحت أعمال الرعاية واضحة بشكل متزايد في الاقتصاد المُربح أيضاً، وذلك بسبب النمو في وظائف قطاع الخدمات.
يستخدم عالم الاجتماع آرلي هوشيلد (Arlie Hochschild) (1983) مصطلح "العمل العاطفي" (Emotional Labour) لوصف كيف أنّ العديد من العاملين في مجال الخدمات، ولا سيما النساء، يتطلّب عملهم إظهار عواطفهم الخاصة. على سبيل المثال، بعيداً عن تنفيذ المهام الروتينية، يُطلب من المضيفات الإناث أن يتحليّنَ بروحٍ ممتعة ويهتممن بتلبية حاجات الركاب. على عكس الأسواق التي تحتوي على السلع المادية، غالباً ما تتطلّب الخدمات وجود علاقة مباشرة بين المنتج والمستهلك. هذه العلاقة تخلق توتراً بين علاقة تبادل الأسواق والعلاقة العاطفية جراء التفاعل البشري حيث يرغب الأشخاص بأن يشعروا بنوع من التقدير والرابط، وهذا يتجاوز مسألة المال.
يُعتبر العمل العاطفي جانباً هاماً من أعمال الرعاية للتكاثر الاجتماعي إلا أنّ لديه آثاراً كبيرة على "اقتصاديات الرعاية". فمن الصعب المُتاجرة بهذا النوع من العمل لأن جزءاً من قيمته يرتبط بالعلاقة المبنية على الرعاية والتي تفقد قيمتها إذا ما قوبلت بأجر أو اعتُبرت كسلعة. كما ويشكّل تحدياً لمفهوم "السوق المثالي" لأنّ قرارات المستهلكين لا تستند إلى السعر وحسب، بل أيضاً على العلاقات الشخصية التي قد تكون بمثابة عائق أمام دخول منتجين جدد. يمكن لتنظيم الرعاية عبر آلية السعر، أن يشكّل مشكلة بالنسبة لمفهومنا للعدالة عندما يُمنع الناس من الحصول على الرعاية – الصحية أو رعاية المسنين – لعدم قدرتهم على الدفع.
وتُؤثر الطبيعة الجندرية للرعاية على هيكل سوق العمل أيضاً. فالعديد من العاملين في مجال الرعاية هم من النساء مما يعكس أدواراً جندرية ما زالت تُحدّد من يقوم بأعمال الرعاية حتى ولو أُدرجت إلى السوق. فالمعايير المتعلّقة بالرعاية – سواء المعايير بين الجنسين والمعايير التوزيعية التي تعزز فرص متساوية للوصول – تؤثّر على الطريقة التي يتم عبرها تقديم الرعاية وتشرح السبب وراء الأجور الزهيدة لقاء تأدية أعمال الرعاية، على الرغم من أنّ هذه الأنشطة تُعتبر ذات قيمة على المستوى الاجتماعي. ويمكن لهذه المعايير أن تثني العمال عن اتخاذ إجراءات صناعية قد تضرّ بالمستفيدين من الرعاية، أو من اعتبار عملهم يستحقّ زيادةً في الأجر.
بالإضافة إلى ذلك، سلّطت تغييرات أخرى الضوء على الرعاية غير المدفوعة الأجر وأبرزت التجاذب ما بين التزامات الرعاية غير المدفوعة الأجر والعمل المأجور. وقد تطوّرت الرعاية الأسرية لذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال والشركاء والآباء والأمهات مع التقدم الطبي وزيادة متوسط العمر المتوقّع وتصويب القيم الاجتماعية نحو الرعاية المؤسسية. وفي حين أنّ الأسرة النواة قد حدّت هذا الأمر، وهي التي تهتم بتوزيع مهام الرعاية والدخل بين الزوج والزوجة، وهناك الآن انتشار أكبر للأسر ذات المُعيل الواحد. إذ نلاحظ زيادةً في عدم المساواة المنزلية ومصدرين للدخل العائلي كما أنّ غالبية الأسر لديها مسؤوليات كبيرة في مجال الرعاية ودخل محدود جداً في السوق.
يُعزز المسنون هذه الاتجاهات، ما يضع صنّاع السياسات أمام أولويات متضاربة من شأنها زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل المدفوع الأجر ورفع معدلات الخصوبة وأعمال الرعاية في سوق العمل غير مدفوع الأجر. وفي الديمقراطيات الاجتماعية لدى الدول الاسكندنافية، تم تمديد المهام التنظيمية لحالة الرفاه للحصول على رعاية أفضل (راجع (Korpi 2000)). وقد تم تنظيم العمل على نحوٍ يسمح بتلاقي أفراد العائلة، وتعزيز فرص ترقية الموظفين الذين يعملون بدوام جزئي، وزيادة الإجازة السنوية للأهل وتحسين أحكام رعاية الأطفال. وتهدف هذه التدابير إلى ضمان إدراج أعمال الرعاية من التكاثر الاجتماعي في اقتصاد السوق الرسمي.
ويثير ذلك جدلاً حول مسألة الإنتاجية والنمو الاقتصادي في المستقبل. فخدمات الرعاية تتطلب عملاً مكثّفاً ولكن لا تؤمن إنتاجية عالية بوقتٍ قصير في الصناعات ذات الرأسمال الضخم مثل الصناعات التحويلية (Iversen & Wren 1998). حتى الآن، ونظراً لتقدّم السكان بالسن وارتفاع ثروتهم وانخفاض السعر النسبي للسلع المصنعة بسبب المكاسب الناتجة من الإنتاجية في الماضي، زاد الطلب على الخدمات مثل التعليم والصحة والرعاية. ومن المرجح أن تقوم الدولة بتمويل هذه الخدمات وليس شركات القطاع الخاص، ما يزيد حجم القطاع العام نسبةً إلى القطاع الخاص ويزيد الضغط على الإنفاق الحكومي في سياق نموٍ متباطئ بشكلٍ عام. فمن غير المستغرب أن تدعو الهيئات الدولية مثل البنك الدولي (1994) القطاع الخاص إلى توفير قدر أكبر من معاشات التقاعد والخدمات الاجتماعية.
ومع ذلك، يشكّل تزايد خدمات الرعاية في السوق الدولي مصدر قلق. فالحركة الدولية للأشخاص الذين يبحثون عن العمل تولّد نُظم الرعاية الدولية التي يُطلق عليها علماء الاجتماع تسمية "سلاسل الرعاية العالمية" (Global Care Chains) (راجع (Hochschild & Ehrenreich 2002)). وفيما انخرطت المرأة في سوق العمل في البلدان الثرية، يتكفّل العمال المهاجرون من البلدان الأكثر فقراً بأعمال الرعاية على نحو متزايد. وفي المقابل، تعتمد النساء المهاجرات على أقاربهنّ من الإناث ليزوّدن أفراد عائلاتهن بالرعاية الضرورية. وبالتالي، يتم توفير سلسلة من أعمال الرعاية في جميع أنحاء العالم، بمساعدة نساء من مختلف البلدان والأعمار مما يعزز الروابط الموجودة في السلسلة. ولكنّ النساء يتلقين أجوراً متفاوتة ما يعكس عدم المساواة الجنسية والعرقية (راجع الفصل4 ).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]