الدروس الرئيسية المستفادة من مبادارات استئصال الأمراض
2013 استئصال الأمراض في القرن الواحد والعشرين
والتر ر.دودل ستيفن ل.كوشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
تقدم المراحل المتأخرة من استئصال شلل الأطفال عالمياً خمسة دروس رئيسية لدراستها عند إجراء مبادرات استئصال أمراض في المستقبل
– الإمكانية التنفيذية: بناء البرهان المقنع منذ البداية في سلسلة من الأوضاع الصعبة
عادة ما تذكر ثلاثة معايير في تقييم إمكانية استئصال الجرثومة الممرضة للإنسان (Dowdle وHopkins 1998؛ و Goodman et al. 1998a).
أولها هو الإمكانية البيولوجية: فالبشر يجب أن يكونوا ملازمين بالنسبة لدورة حياة العامل الممرض، ولا يجب أن تتواجد حالة ناقل مزمن للمرض، كما يجب أن تظهر أدوات / أو استراتيجية الاستئصال فعالية في تشخيص العدوى وإيقاف انتقالها على نطاق جغرافي واسع وثانيها هو معيار " الكلفة والفائدة ": فيجب أن يكون بالإمكان حسم جزء من الأكلاف الهامشية للانتقال من السيطرة إلى الاستئصال ضمن فترة زمنية محددة ومعقولة (على سبيل المثل 20 عاماً).
ومع أن مجموعة المعايير الثالثة هي أقلها استيعاباً وخضوعاً للقياس فإنها " اجتماعية وسياسية ": والدعم هنا يجب أن يكون كافياً للحفاظ على الجهد المكثف والثمين على مدى فترة العشر حتى عشرين عاماً التي غالباً ما سيحتاج لها لتحقيق والتأكد من إتمام الاستئصال.
تظهر المراحل المتأخرة من استئصال شلل الأطفال عالمياً أن البرهان على الإمكانية التقنية في نصف الكرة الغربي (أو في أي منطقة متجانسة مفردة) لا تتساوى بالضرورة مع الإمكانية التنفيذية في جميع الأوضاع والظروف المحتملة التي يستلزم ضمنها تطبيق استراتيجيات الاستئصال.
فعلى العكس، فبينما يعد البرهان على المبدأ في الأميركيتين ضرورياً قطعاً قبل الشروع في استئصال العامل الممرض على المستوى العالمي، فإنه ربما لا يعود كافياً لإرشاد وتنظيم الالتزامات اللازمة لإطلاق مبادرات استئصال جديدة، كما يشاهد جزئياً بالصمت والتحفظ بدءاً من 2010 من قبل هيئات التطوير الرئيسية في تبنيها استئصال الحصبة (Obadairo 2010).
إن وجود الدليل لمبادرة استئصال جديدة قد لبت معياراً إضافياً صريحاً على "الإمكانية التنفيذية" يجب أن يعزز آمالها بالنجاح والدعم. وتختلف المواصفات لاستنتاج ما إذا كانت الإمكانية التنفيذية Operation Feasibility قد أثبتت باختلاف العامل الممرض.
فبالنسبة للعوامل الممرضة الشديدة العدوى والواسعة الانتشار كشلل الأطفال، فإن استئصال شلل الأطفال عالمياً تفيد بأن الإمكانية التنفيذية قد تثبت أنها أكثر اقناعاً إذا أُجريت في مناطق ذات أنظمة صحية ضعيفة بشكل خاص، وبلدان هشة أو فاشلة، ومناطق ذات كثافة سكانية عالية، وجمهوريات اتحادية واسعة، وبشكل ذهني مثلي، في أماكن تضم كل هذه المواصفات.
فبالنسبة للأمراض التي يمكن تجنبها باللقاح، يمكن تصور ذلك على أنها المناطق التي تكون عتبة المناعة لوقف الانتشار فيها هي الأعلى، وفي المناطق التي يكون الفرق بين عتبتها ومستويات السكان الحالية هي الأعلى توضح في (الشكل 3.2).
– القادة الوطنيون الفرعيون: إنشاء آليات قوية لإفهامهم وإشراكهم
تحتاج تلبية التحديات اللوجستية للحملات الجماعية لـتلقيح جماعية بفيروس شلل الأطفال عن طريق الفم التي تغطي البلاد بأكملها في فترة قصيرة جداً من الزمن إلى الموارد (مثل، قوة بشرية ونقل، واتصالات) أكثر مما يحتاجها قطاع الصحة.
وبالتالي فإن جهود تأييد استئصال شلل الأطفال عالمياً تتركز في البدء على التعامل مع قادة البلدان، خاصة في الأقطار ذات الأنظمة الصحية الضعيفة، للوصول إلى الأنظمة المكملة وضمان المسؤولية اللازمة للوصول إلى معظم الأطفال خلال كل حملة اجماعية لـفيروس شلل الأطفال عن طريق الفم.
ففي الوقت الذي كانت هذه الاستراتيجية ناجحة إلى حد كبير، كانت بكل بساطة غير ملائمة في الجمهوريات الاتحادية الواسعة، حيث القياديين الوطنيين الفرعيين، يسيطرون على مثل هذه الموارد (مثل، نيجيريا وباكستان والهند).
ولسوء الحظ فإن التعامل مباشرة مع القياديين الوطنيين الفرعيين بأكثر من المواضيع التقنية والعملانية يمكن أن تؤدي إلى المشاكل بالنسبة للهيئات التي يتم معاملاتها الرسمية على مستوى القيادات الوطنية. ولذلك فإن هؤلاء القياديين قد يسيطرون في النهاية على مصير جهود الاستئصال، كما ظهر جلياً بإيقاف لقاح شلل الأطفال لمدة طويلة في إحدى ولايات شمال نيجيريا في عام 2003 (Kaufmann and Feldbaum 2009).
وبإدراك هذه الحقيقة، فإن مبادرات الاستئصال في المستقبل ستستفيد كثيراً مع بداية استراتيجياتها ومؤيديها وطرائقها من الانفتاح وبشكل دائم، والتعاون مع القياديين الوطنيين الفرعيين في البلدان الرئيسية. وفي استئصال شلل الأطفال عالمياً فقد سهل هذا العمل كثيراً بقرار منظمة الروتاري العالميةRotary International، وهي إحدى الشركاء الأربعة المترأسة إنشاء "لجان قومية تحت اسم بوليوبلس National Polioplus Committees" في معظم البلدان المصابة بشلل الأطفال.
ومع تعداد أعضائها البالغ 1,2 مليون شخص منتشرين في أنحاء العالم، وهم غالباً من الشخصيات القيادية في مجتمعاتهم، لعب هؤلاء الروتاريون دوراً محورياً في التأييد الهام لاستئصال شلل الأطفال عالمياً، وذلك بالتعاون عن قرب مع أقرانهم التقنيين في منظمة الصحة العالمية واليونيسف (حالة رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة).
– البحث العلمي: حافظ على برنامج عمل مكثف خلال المبادرة
خلافاً لإحدى أكثر الخرافات عسراً حول استئصال شلل الأطفال عالمياً، فإن المبادرة قد تابعت منذ نشأتها أول مرة أجندة بحث علمي نشط عبر سلسلة من المواضيع، رغم اختلاف التركيز والتكثيف بين واحد وآخر طبقاً للتحديات التي واجهها أو توقعها في أي ظرف من الزمن.
ومن الغريب أن تجد استئصال شلل الأطفال عالمياً نفسها غالباً مضطرة للدفاع عن هذه الاستثمارات لأن بعض المتحمسين قد رأوا بأن برهانها على المبدأ قد تم منذ زمن طويل، وأن نجاحها كان بكل بساطة يتم بتطبيق استراتيجيات معروفة.
مثل هذا الموقف أخطأ في تقدير الحاجة إلى استمرار البحث العلمي، مما يمكن شرحه وبيانه من بعض الأمثلة التي مر بها استئصال شلل الأطفال عالمياً – أولاً، وبكل بساطة لا يمكن أن تتوقع العقبات التي يمكن مصادفتها عندما تطبق استراتيجيات أُنشئت في إحدى المناطق الجغرافية في العالم على سياقات عالمية وحضارات مختلفة.
فالبحث العلمي ضروري للوصول إلى التطبيق الأفضل (مثل، مشكلة أدنى فعالية للقاح فيروس شلل الأطفال عن طريق الفم في شمال الهند) (Grassly et al. 2006). وثانياً، مع علمنا بأن مبادرة الاستئصال قد يستغرق إتمامها عقوداً من الزمن، فإن أجندة البحث العلمي النشطة هي أساسية لنضمن الاستفادة من التطورات الرئيسية في المناطق مثل التشخيص، وعلوم التلقيح وتكنولوجيا سلسلة التبريد لتعزيز فعالية البرنامج وخفض الكلفة (مثل، مراقبي زجاجات اللقاح، وتفاعل التكوثر المتسلسل في الوقت الحقيقي).
وثالثاً، تسمح أجندة البحث العلمي النشطة لبرنامج الاستئصال بأن يتحرى ويتلاءم مع مظاهر الجرثومة الممرضة أو السيطرة عليها مما لم تكن تلحظ في البداية (مثل، تداول فيروسات شلل الأطفال المأخوذة من اللقاح) (Kew et al. 2005).
وقد تسهلت قدرة استئصال شلل الأطفال عالمياً في المحافظة على برنامج بحوث علمية نشطة كثيراً بمساعدة مراكز الولايات المتحدة لمنع والسيطرة على الأمراض (CDC)، وهي الشريك الآخر بين الأربعة الرؤساء التي أدخلت خبراتها في علم الأوبئة والفيروسات إلى البرنامج.
وقد لعبت المنح من مؤسسة بيل ومليندا غيتس (BMGF) والاتحاد العالمي للقاحات والمناعة (GAVI) كليهما أدواراً هامة في تمويل برامج البحوث العلمية الرئيسية، خاصة في مناطق تطوير واختبار اللقاحات الجديدة (El-Sayed et al. 2008؛ Sutter et al. 2010).
وربما كان الأكثر أهمية هو إقامة فريق للبحوث وتطوير المنتجات ضمن مبادرة استئصال شلل الأطفال في المركز الرئيسي ﻠمنظمة الصحة العالمية في جنيف.
وكان لهذا الفريق دوره الأساسي في التنسيق الناجح بين مجموعات صانعي اللقاحات ومعاهد البحوث الأكاديمية التي لا تبغي الربح، ومختبرات الصحة العامة والهيئات التنظيمية في أنحاء العالم التي سهلت التطوير السريع واختبار وترخيص اللقاحات الجديدة، والتشخيصات والتقنيات المتعلقة بها والبحوث العملانية. وبعدما ذكرنا كل ذلك، فإن مربعاً رئيسياً للبحث الذي يجب أن نتفاءل به هو بحوث العلوم الاجتماعية: إذ يجب على المبادرات المقبلة في المستقبل أن تلحظ منذ انطلاقها الحاجة إلى المقدرة الكاملة على إدارة مثل هذا العمل بسرعة أو التكليف معه.
– عدم الاستقرار الأمني والنزاعات: تأكد من قدرة البرنامج على الدراسة والتلاؤم في كل وضع
غالباً من يشهد لاستئصال شلل الأطفال عالمياً بنجاحها في تنفيذ استراتيجيات في مناطق تعج بالنزاعات (Hall 2007؛Bush 2000 ). وفي الحقيقة فإن هذه الخبرة كثيراً ما تؤخذ كدليل على أن "شلل الأطفال يمكن استئصاله أينما كان"، مع الميل إلى فنون التحرك مثل "أيام الهدوء" التي تسيطر على خيال مؤيديها.
وفي الوقت الذي يصح ذلك بشكل عام، فإن مثل هذه الأقوال لا تلحظ تعقيدات النزاعات والحاجة المستمرة لملاءمة التحركات لتعمل مع درجة ما على الأقل من الأمان في مثل هذه الأوضاع.
فعلى سبيل المثل، فإن التحديات التي يواجهها استئصال شلل الأطفال عالمياً في جنوب أفغانستان ومناطق القبائل تحت الإدارة الاتحادية في باكستان في المراحل الأخيرة من مبادرتها العالمية تختلف كثيراً عن تلك التي كان عليها مواجهتها في مناطق مثل الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية (Tangermann et al. 2000).
وفي الواقع فإن النجاح في استئصال شلل الأطفال من منطقة غير آمنة تعج بالنزاعات لم تبرهن الجدوى الشاملة للمهمة عالمياً؛ ولكنها قد قدمت خبرة قيمة يمكن توظيفها في تحد لاحق لها.
فالمبادئ العامة موجودة في العالم خاصة بأن الناس الذين يعيشون في المناطق التي تكتنفها النزاعات يتجهون إلى تحسين مستقبل أولادهم، فهم مستعدون للقيام بإيصال الخدمات الصحية والأساسية لهم. وكذلك فإن العاملين الرئيسيين في المجال الإنساني (مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر) يمكنها أن تقدم مساعدة قيمة في المفاوضة على إيصال وتطبيب المتعاونين من السكان المحليين إن وجدوا.
وبالعمل وفق هذه الأسس، نشأت عدة إجراءات وتحركات استخدمت في الوصول إلى الأطفال لتوفير المناعة لهم في هذه المناطق بصورة أسرع، بما فيها أثناء أيام الهدوء و"مفاوضات الوصول" و"الجرعة الإضافية في الفاصل الزمني القصير"لحملات التلقيح عن طريق الفم لشلل الأطفال للاستفادة من نوافذ الفرص القصيرة.
ولا تقل أهمية تلك الدروس الميدانية التي اكتسبت حول الإقامة والحفاظ على الطرائق في الإدارة لتأمين الخدمات وتحريك مواد الموارد في مثل هذه الأوضاع.
الاعتراف بانعدام الأمن والاستقرار ووجود النزاعات كتحديين دائمين في المستقبل، فإن المبادرات الجديدة للاستئصال يجب ومنذ انطلاقها أن:
– تطوع الأفراد ذوي الخبرة في النزاعات ورسم المواقع السياسية والمهارات بها .
– إيجاد المقدرة على دعم فرق العمل والعاملين في مناطق النزاعات.
– تحديد التعامل مع شركاء غير تقليديين وأصحاب القرار.
– تشذيب وتحسين خطوات العمل والتقنيات لتبسيط العمل في مثل هذه الأوضاع (مثل، خراطيم الحواقن التي تمسك بالأيدي لإخراج وإعطاء اللقاح).
وبدأ من نهاية عام 2010 لا يوجد دليل، مع الاستثمار والانتباه المناسب، على أن النزاعات ستشكل حاجزاً لا يمكن تجاوزه في تحقيق هدف الاستئصال.
– الأنظمة الصحية الضعيفة: الحفاظ على المكاسب من خلال معالجة نقاط الضعف في الأنظمة
لقد أدى توقف برامج استئصال شلل الأطفال في الفترة بين 2004-2008 في آخر أربعة أقطار " مستوطن فيها " إلى مشكلة كبرى ثانية أمام استئصال شلل الأطفال عالمياً: عودة الإصابات إلى المناطق التي كانت سابقاً خالية منه (الشكل 4.2) (WHO 2010f).
ومع أن حملات التلقيح عن طريق الفم لشلل الأطفال الجماعية استطاعت منع فيروس شلل الأطفال المستوطن في المناطق ذات الأنظمة الصحية الضعيفة جداً، فإن تلك الحملات كانت أقل تأثيراً في منع ظهورها مجدداً عقب إدخال الفيروس.
وقد شارك العديد من العوامل في قيام هذه المشكلة، خاصة التردي في مواصفات حملة التلقيح عن طريق الفم لشلل الأطفال الذي كثيراً ما لوحظ بمجرد توقف الانتشار.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن وقع الحملات الأصلية الأولى في هذه الأماكن ربما تضخم بالقول أن انتشار الفيروسات المستوطنة قد قصد لإيجاد المناعة عند السكان.
نتيجة لذلك فإن الأقطار ذات الأنظمة الصحية الضعيفة والعلاقات التجارية والثقافية والروابط الأخرى مع المناطق التي يستوطن فيها شلل الأطفال، قد عانت عدداً لا يتناسب مع عدد سكانها من حالات دخول وظهور شلل الأطفال، خاصة في غرب ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي (WHO 2010f؛ O’Reilly et al.، المقدمان).
أما الأكلاف الإنسانية والمالية اللاحقة فكانت هائلة بإصابة آلاف الأطفال بالشلل ومئات الملايين من الدولارات أنفقت عند قيام أنشطة استجابة لذلك. ومن الواضح أن أهم الدروس المستخلصة من هذه الخبرة هي أهمية التنسيق بين جهود استئصال شلل الأطفال في العالم للحد من مخاطر إعادة الإصابة في المناطق الخالية من العوامل الممرضة.
وعلى كل حال، وبما أنه سيكون هناك دائماً تأخير في بعض الأقطار، فمن الضروري (آ) وضع ميزانية لأنشطة مكثفة مستمرة (مثل، حملات التلقيح عن طريق الفم لشلل الأطفال) في المناطق ذات الأنظمة الصحية الضعيفة والخطر الكبير لعودة الإصابة بشلل الأطفال بسبب العلاقات القوية مع مناطق استيطانه (O’Reilly et al.، المقدم).
و(ب) إنشاء خطوط خاصة ومسؤوليات ومراجع منذ بدء الشروع بالمبادرات لتعزيز الأنظمة الصحية الداخلة فيها، بدأً من الأقطار والمناطق الأكثر تعرضاً لأخطارها.
ومع إدراكنا بأن تقوية الأنظمة الصحية يحتاج إلى أجندة عمل على المدى البعيد فإن برامج الاستئصال تحتاج إلى رسم خارطة وإدخال جميع الأنظمة المحلية (مثل، التربوية والدفاعية والمواصلات والإعلامية) التي يمكن استخدامها للوصول إلى السكان في البلدان ذات الأنظمة الصحية الضعيفة والخطر المحدق بعودة الإصابة بشلل الأطفال.
وفي بعض الأحيان يتطلب ذلك تحولاً في الموقف إلى الدور المتمم الجوهري لهذه الأنظمة، وإعادة تركيز النظام الصح على تعبئة وإدارة تلك الأنظمة المكملة لتسهيل إيصال الخدمات، أكثر من الاعتماد فقط على البنية التحتية للنظام الصحي (Aylward and Linkins 2005).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]