الدول والشرعية والعملية الاقتصادية في تنظيم مجتمع السوق
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
تتألف الدولة الحديثة من مجموعة مؤسسات. وتضم الدولة، إلى جانب الحكومة والبرلمان، القوى المسلحة والشرطة والمحاكم والبيروقراطية والسلطات مثل المصرف المركزي وغالباً ما تشمل المؤسسات التي تؤمن مجموعة مختلفة من الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية. وتتشارك جميع هذه المؤسسات وظائف مهمة في تنظيم حياتنا. وبما أن وجود الدولة يسبق وجود مجتمعات السوق، تغيرت الدولة مع بروز المجتمع الاقتصادي. ويعتبر فهم هذه التحولات مهماً لفهم الدور الاقتصادي للدولة.
تأسيس الدولة الرأسمالية
كان من المهم إجراء تغييرات تتعلق بطبيعة الدولة من أجل تسهيل بروز مجتمع السوق. ومنذ حوالي القرن السادس عشر، انتشرت افكار جديدة تتعلق بالسلطة السياسية وحدودها وكيفية ممارستها. وقد حوّلت هذه الأفكار مفاهيم السيادة السائدة في القرون الوسطى بعيداً عن الحكم الشخصي للملوك باتجاه الدولة ككيان مؤسساتي غير شخصي 1997, p. 30) (Wood & Wood.
تقاطعت هذه التغييرات في التفكير مع الأفكار المتعلقة بالحقوق القانونية والحريات التي منحت "الإنسان الحر" الحماية وحق مطالبة الدولة(Hilton 1985 p. 152) . وقد أبعدت النزاعات السياسية الدولة عن السلطة المطلقة والقانون التعسفي الذي كان نموذجا سارياً في الأنظمة الاجتماعية الإقطاعية في القرون الوسطى. ففي إنجلترا، وبحلول العام 1688، عززت ما يسمى "بالثورة المجيدة" (Glorious Revolution) سلطة البرلمان، وأنهت بذلك "الحق الإلهي" (Dining Right) للملوك، لصالح الدولة الدستورية التي يشرف عليها برلمان منتخب وتدعمها مجموعة من القواعد والقوانين.
لم تمنح الدولة الدستورية في إنجلترا فوراً الحقوق السياسية لكامل المواطنين. ففي بادئ الامر، اقتصر حق التمثيل البرلماني وحقوق التصويت على الطبقة الأرستقراطية وملّاك الأراضي المقتدرين. وبالرغم من ذلك، فقد كان ذلك مهماً لتطوير مجتمع السوق، فقد أدّى إلى نشوء حقوق الملكية الخاصة. وكان لهذا الأمر فوائد فورية على الذين يسيطرون على البرلمان. فبالمصادقة على التسييج، مثلاً، مأسست النخب السياسية الملكية الخاصة وحمتها بواسطة حكم القانون وبالتالي عززت مصالح أفرادها بصفتهم ملّاك أراضٍ وعززت أهمية الأسواق في الاقتصاد الإنجليزي.
وفيما بعد، ربط ماكس فيبر بروز الدولة بعملية العقلنة التاريخية الأوسع ويشمل ذلك سلطاتها الإدارية والقانونية والبيروقراطية (1978 (1922)). وكان هذا الأمر محورياً للسلطة غير الشخصية للدولة والنابعة من الالتزام بمجموعة من القواعد بدلاً من أوامر فرد واحد، كالملك، مثلاً. وبالتالي، فإن الانتقال من الحكم الملكي "الشخصي" (Personal) إلى الدولة "غير الشخصية" (Impersonal) القائمة على القوانين يعكس في كثير من الطرق الانتقال من الأسواق المركزية والفردية والمباشرة لمدن القرون الوسطى إلى الأسواق غير الشخصية للرأسمالية.
قد أدّى نشوء الدولة الرأسمالية إلى طرح العديد من التساؤلات حول من يستفيد من الحريات السياسية والاقتصادية الجديدة وما هو دور الدولة في توزيع الموارد الاقتصادية، مما أدّى، بالمقابل، إلى بروز أسئلة حول شرعية الدولة. وقد تناول هذه الأسئلة الباحثون الأوائل في الاقتصاد السياسي.
الليبرالية وسياسة عدم التدخل
وضع المفكرون الليبراليون الأوائل، على غرار جون لوك وآدم سميث، الأسس المتعلقة بنظرية الحكومة المصغرة لليبرالية "الكلاسيكية" أو الاقتصادية حيث ترتكز شرعية الدولة على "حكومة محدودة"(Limited Government) وعلى موافقة شعبها. وعليه، فإن هدف الدولة هو حماية حقوق الملكية الخاصة وتعزيز الحرية الفردية عن طريق قواعد القانون. ويتوجب على الدولة تأمين الدفاع الوطني والمحافظة على الحقوق المدنية. وبالرغم من ذلك، من المتوقع مراعاة مبدأ عام يطلق عليه اسم "عدم التدخل" –(Laissez-faire) فيما يتعلق بالاقتصاد. ولا يمكن للدولة أن تؤمن البضاعة العامة إلا حيث تعجز الأسواق عن القيام بذلك (راجع المربع 1.5).
المربع 1.5 إخفاق السوق
عموماً، يتفق خبراء الاقتصاد التقليديون، على افتراض وجود المنافسة المثالية، أن آلية السوق هي الطريقة الفضلى لتخصيص الموارد. ويرتكز ذلك على فرضية أن سعر بضاعة ما يعكس جميع التكاليف والمنافع المرتبطة بإنتاجها وأن صاحب البضاعة يتمتع بالملكية الحصرية عليها. وبالرغم من ذلك، يقر مفهوم " إخفاق السوق" (Market Failure) بوجود بعض الحالات حيث تعجز الأسواق عن تأمين المخصصات الكافية.
وثمة ثلاثة أمثلة رئيسية على ذلك. والمثال الأول هو تأمين البضاعة العامة. وهي البضاعة أو الخدمات حيث يكون حافز ربح المؤسسات الخاصة بسيطاً أو غير موجود لأنه لا يمكنها استثناء من لا يدفعون من الاستخدام، وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يستفيد من المنارة فقط أولئك المستخدِمون الذين يدفعون. ثانياً، يمكن أن تؤدي المنافسة غير العادلة إلى بروز السلطة في السوق وذلك على شكل احتكارات مطلقة أو احتكارات القلة. وهذا ما يمنع الأسواق من تخصيص الموارد بشكل فعال في حال قامت الشركات بتخفيض الإنتاج وزيادة الأسعار.
وترتبط بهذه الفكرة التي تتعلق بتحريف السعر، فئة ثالثة من إخفاق السوق المعروفة باسم "العوامل الخارجية". فالتلوث، على سبيل المثال، يؤدي إلى إمكانية التنظيف. وتعجز الأسواق عندما يتحمل المجتمع بالإضافة إلى المنتج هذه التكلفة. ووفقاً لتقرير ستيرن ريفيو (Stern Review) الرفيع المستوى (2006) قد يعتبر التغير المناخي "أعظم عجز اقتصادي شهده العالم".
وتمثل العوامل الخارجية التكاليف (او المنافع) التي لا تنعكس في سعر السوق. وبناء على هذه الظروف، من المناسب للحكومات استعادة التوازن عن طريق الآليات القائمة على السعر مثل الضرائب (Pigou 1938 [1920] p.192)أو الآليات القائمة على الحقوق مثل اصدار الخطط التجارية.
وبالرغم من ذلك، يرفض بعض الاقتصاديين التقليديين أمثال ميلتون فريدمان التدخلات السياسية في عجز السوق معتبرا أن تدخل الحكومة يتسبب بمشاكل إضافية. ويقول واضعو نظريات الاختيار العام (راجع المعلومات أدناه) أن عجز الحكومة – أو عدم الكفاءة النابع من ضعف مستوى صنع السياسات- قد يكون أسوأ من المشاكل الاقتصادية التي يسعون إلى معالجتها (Tullock et al, 2002).
وبعيداً عن معناها الخاص في النظرية الاقتصادية، فقد استخدم الفكر الماركسي وغيره من النقاد مصطلح " إخفاق السوق" للإشارة إلى مشاكل الرأسمالية المتكررة. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، الحصيلة غير العادلة للتوزيع الاقتصادي والموارد غير المستثمرة (ويشمل ذلك العمال العاطلين عن العمل) التي تنشأ من الأزمات الاقتصادية الدورية.
وبتلخيص آدم سميث المبادىء المركزية لعدم التدخل الخاصة بالليبرالية الكلاسيكية أصبح يعتبر أباً (لكل) من العلوم الاقتصادية والليبرالية الجديدة (Screpanti & Zamagni 1993, p. 56). ويقول سميث (1904 [1776]) إنه عند السماح للأفراد أصحاب الأملاك بالتمتع بحرية العلاقة مع الصناعة ورأس المال الخاص بهم، يمكن تحقيق النظام الاجتماعي والرفاهية. وقد اقترح أنه ليس من الضروري للدولة أن توجه القرارات الاقتصادية في الأسواق المتنافسة حيث الأصول المنتجة مملوكة بصورة شخصية. وبالمقابل، يمكن للأفراد متابعة مصالحهم الخاصة مما يؤدي إلى توسيع فرص العمل ويساهم في تطور الأمة (Smith 1904 [1776]) وقد تم التقاط هذه الأفكار في استعارة "اليد الخفية"(Invisible Hand) التي ابتكرها سميث :
"مع قيام كلّ فرد… ببذل أقصى ما يمكنه… من أجل توظيف رأس المال في دعم الصناعة الوطنية… فإن كلّ فرد يعمل بالضرورة لجعل العائدات السنوية للمجتمع عظيمة بقدر الإمكان… وتقوده يد خفية من أجل تعزيز نهاية لم تكن جزءاً من نيته(Smith 1904 [1776], book 4, chapter 2).
وقد أصبحت هذه الفكرة عن العلاقة ما بين الدولة والاقتصاد مقبولة بشكل واسع بين نخب صانعي السياسات خلال القرن التاسع عشر، وخصوصاً في إنجلترا. أراد سميث الحد من تدخل الدول بالنشاطات التجارية الخاصة. إلا أنه اعتقد أيضاً أن المصالح الخاصة غير المنظمة يمكنها، "مثلها مثل الحكومات"، أن تتدخل في التطور الوطني 1976, p. 49) (Barber. وخصوصاً في حال نتج التواطؤ عن غياب النمو الاقتصادي والمنافسة.
وبذلك فقد أعطى العديد من الصفات لمبدأ عدم التدخل (Viner, 1958). وقد قال سميث أيضاً إن على الدولة أن تؤمن التعليم للعمال للتعويض عن التأثيرات السلبية للعمل الرتيب لأن انخفاض دخل العمال لن يبعث الشركات على تقديم مثل هذه الخدمات.
وقد غيّر جون ستيوارت ميل (1909 [1848]) الموقف الكلاسيكي من عدم التدخل مع توضّح فكرة أن النمو الاقتصادي لا يضمن النظام الاجتماعي أو الازدهار، وأن النمو وحده لا يمكن أن يقتلع الفقر أو المشقة التي تزيد سوءاً في خلال الأزمات الاقتصادية. وقد اقترح ميل بأن على الحكومات ألا توجه قرارات الاستثمار أو الإنتاج ولكنها يمكن أن تؤدي دوراً في تعزيز توزيعٍ أكثر إنصافاً للمداخيل عبر الضرائب (Barber 1967, p. 100). ولاحقاً في خلال القرن التاسع عشر دعمت أفكار ميل الإصلاحيين الاجتماعيين الذين دافعوا عن سياسات إعادة التوزيع عبر الضرائب.
في المقابل، يروّج فهم أكثر تطرّفاً للأفكار الليبرالية الكلاسيكية لفكرة الدولة الدنيا أو "الدولة الحارسة" (Night Watchmen State). ويرى هذا الموقف المتطرّف من مبدأ عدم تدخل الدولة بأن دور الدولة ينحصر في ضمان أن الأشخاص يملكون حرية الدخول في تبادلات طوعية. وتولي هذه الفكرة عناية كبيرة إلى عدم استخدام الدولة سلطاتها الأصلية للتدخل في مثل هذه التبادلات حتى عبر فرض الضرائب التي تعتبر، بحسب وجهة النظر هذه "سرقة". عادة ما تحضر هذه الفلسفة في عمل الليبرتاريين (مؤيدي حق الاختيار) مثل روبرت نوزيك (1947) كما أنها إحدى سمات المدرسة النمسوية للعلوم الاقتصادية. أما فيما يتعدى الليبرالية فثمة تحديات أخرى للدولة كان لها تأثير كبير في تطورها.
التشكيك بشرعية الدولة
على الرغم من التقدم الذي أحرزته الحكومة الدستورية وعملية إدخال الديمقراطية تدريجياً على حكم البرلمان فقد استمر معظم الأشخاص في العيش في ظروف رديئة في خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وفي إنجلترا وعلى الرغم من الإصلاحات الانتخابية وتوسيع حق الاقتراع في العام 1832. بقي العمال خارج النظام البرلماني (Thompson 1980, p. 11) وقد عانوا من الحرمان المضاعف لأن أرباب عملهم كانوا يمسكون بالسلطة في مكان العمل وأيضاً من خلال مشاركتهم السياسية بوضعهم القوانين التي تحكم الاقتصاد.
ويعتبر ماكس فيبر (1918, p. 78) أن "الجانب المحدِّد للدولة هو احتكارها للاستخدام الشرعي للقوة المادية ضمن أرض محددة". وعلى الرغم من أن هذه السلطة قليلاً ما تُستخدم بشكل علني فإنها تقف وراء سلطة الدولة في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وقد كانت أهمية السلطات القسرية والتنظيمية واضحة في أثناء نمو مجتمع السوق. وتقدمت الرأسمالية بالقمع الناشط للمعارضة التي قامت تجاه التغييرات الاجتماعية والاقتصادية وعبر سلطة البرلمان التشريعية على حد سواء.
مثلاً، إضافة إلى التسييج ووضع قوانين حقوق الملكية الخاصة، أدخل البرلمان الانجليزي قوانين أخرى تساعد على تأمين عمالة صناعية مستمرة وهادئة. وقد سن تشريعات ضد النقابات العمالية والمفاوضة الجماعية للعمال (قوانين الاجتماعات عامي 1800 و1825) وحظر البطالة والفقر الناتج من الكسل (قانون مكافحة التسوّل). كما أنه أدخل قوانين فقراء جديدة مبنية حول نظام بيوت العمل التي أنشئت لتكون رادعاً للبطالة (قانون تعديل قانون الفقراء).
فضلاً عن ذلك فإن الرواتب المنخفضة عنت أن العمال لم يملكوا فائضاً من الأموال للادخار، لذلك فقد عاشوا حياة متقلقلة للغاية. وكانت نتيجة تضخّم أسعار الغذاء وتخفيض الرواتب (أو فقدان الدخل برمّته بسبب البطالة) كارثية على الأسر التي لم تكن تملك مصادر دخل أخرى. وبذلك فقد تزامنت الظروف الاقتصادية الكاسدة المتكررة مع موجات من التظاهرات السياسية العنيفة.
وقد قادت هذه الظروف المتفجّرة العديد إلى التساؤل حول شرعية الدولة. وكان للآراء الأكثر راديكالية درجات متفاوتة من التأثير على صفوف حركة العمال التي اكتسبت زخماً في القرن التاسع عشر. وقد اعتبر البعض أن الدولة قد أصبحت مؤسسة غير شرعية وسعوا إلى تحويلها عبر الثورة المباشرة، والعنيفة إن لزم الأمر.
التحدي الماركسي
لقد كانت حركة العمال النشطة في القرن التاسع عشر المسرح الرئيسي لتطوير العديد من الأفكار الراديكالية ونشرها. وعلى الرغم من أن هذه الحركة كانت موحّدة في معارضتها الاستغلال فقد كانت أيضاً متنوعة وضمت العديد من التيارات الفكرية والسياسية المتمايزة. وقد كانت إحدى النواحي التي ظهرت فيها الاختلافات مسألة طبيعة الدولة وعلاقة الحركة بها. فقد رفض الفوضويون مثلاً شرعية كل من سلطة الحكومة والملكية الخاصة. وقد اختبر بعض الفوضويين مع مجتمعات محلية صغيرة حيث تمت إدارة أدوات الإنتاج بشكل جماعي. ورأى بيار جوزيف برودون(Pierre-Joseph Proudhon) وهو من أوائل فلاسفة الفوضوية أن الملكية الخاصة هي شكل من أشكال الحكم المطلق (Absolutism) (Nettlau 2000). وعلى الرغم من أن الفوضويين كانت تجمعهم علاقات متبادلة مع الماركسيين وغيرهم من الاشتراكيين فقد كان ثمة اختلافات ملحوظة ومهمة أيضاً.
قد اعتُبِر بعض الفوضويين "خياليين"(Utopian) في أفكارهم حول سيطرة العامل في مجتمعات لامركزية ولاتراتبية. وقد بدا هذا الأمر ساذجاً في عالم غيّر فيه التصنيع للأبد نطاق الإنتاج وطبيعته. اعتبر كثيرٌ من الماركسيين أن كل من يقف ضد هدف الإنتاج الاقتصادي المركزي أو سيطرة الدولة على هذا الإنتاج الاقتصادي لا يخدم إلا تقسيم حركة العمال. واعتبر ماركس نفسه (1871a) أن العمال يجب أن يصبحوا أعضاء في البرلمان وانتقد اعتراض الفوضويين على المشاركة السياسية ورأى بأن هدف حركة العمال أو الطبقة العاملة هو "الاستيلاء على السلطة السياسية من أجل الطبقة العاملة"Max (1871b) إذن، في حين يرفض الفوضويون الدولة والسلطة السياسية المنظمة بذاتها، فإن الماركسيين يميلون إلى أشكلة الطبيعة الرّأسمالية للدولة. وهم يرون بأن الدولة الحديثة يجب أن تُفهم في سياق تنظيم الإنتاج المرتكز على الطبقة (كما ناقشنا في الفصل الرابع). وفي حين برز فصل رسمي بين أولئك الذين يملكون رأس المال وبين أولئك الذين يسنون القوانين في البرلمان، فقد رأى ماركس وإنغلز في "المانيفستو الشيوعي" بأن "المجلس التنفيذي للدولة الحديثة ليس إلا لجنة لإدارة الشؤون العامة للبورجوازية برمتها (1977 [1848]) وهذا يعود إلى أن أولئك الذين يملكون رأس المال يسيطرون على الإنتاج الاقتصادي وهذا ما يمنحهم سلطة سياسية هائلة.
اعتبر الماركسيون أن الدلائل وافرة حول قيام الدولة بما فيه مصلحة الطبقة الرأسمالية. مؤخّراً مثلاً، حدّت الدول من حقوق العمال بالقيام بالإضرابات وخفّضت من نسب الضريبة على الشركات وأنفقت المليارات لإنقاذ القطاع المالي في خلال الأزمة المالية العالمية. بيد أنّ بعض الماركسيين يقولون أيضاً بأن الدولة هي قوة تماسك ضمن المجتمع الرأسمالي والصراع بين الطبقات هو أمر مدمّر على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ويرى فقهاء الماركسية أن الدولة، عبر التوسّط في مثل هذه الصراعات، تعزز مصالح الرأسماليين كجماعة عبر ضمان أن الإنتاج يجري بسلاسة. كما أنها تقوم بذلك أيضاً، مثلاً، عبر تأمين الحفاظ على البيئة والصحة ومعايير السلامة وتنظيم سوق العمل وتوفير الضمان الاجتماعي.
ولكن، بالنسبة للعديد من الماركسيين، لا يمكن لإصلاحات جزئية مشابهة أن تلغي الطابع الاستغلالي للرأسمالية ولا الطبيعة الرأسمالية للدولة التي يتوقّعون بأنها سوف "تضمحل"(Wither Away) مع الانتقال إلى الاشتراكية. وقد كان لهذا التفكير تأثير مباشر على تطوّر الدول حول العالم عبر إلهام الملايين بتغيير شرعية الدولة. فقد استخدم البولشفيك مثلاً أفكاراً مشابهة في خلال الثورة الروسية العام 1917 التي افتتحت مرحلة من الحكم الشيوعي استمرت 64 عاماً (راجع المربع 2.5).
وفي أماكن أخرى أيضاً اكتسبت الأفكار الماركسية نفوذاً في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبدا أن الماركسية توفر جواباً لأسباب تفاوت الظروف الاقتصادية وكيفية تحسين الأمور.
المربع 2.5 الثورة الروسية
في روسيا، ألهمت أفكار ماركس البولشفيك وهم مجموعة ثورية صغيرة استولت على السلطة السياسية في العام 1917. وقد تم هذا الأمر على الرغم من أن الرأسمالية الروسية كانت أقل تطوّراً بكثير من العديد من الدول الأوروبية الأخرى وهو ما يعني أن الشروط المسبقة التي توقعها ماركس للشيوعية (قدرة إنتاجية هائلة وبروليتاريا واسعة) لم تكن متوفّرة.
على الرغم من ذلك فقد ساعدت عوامل داخلية فريدة البولشيفيك على الإمساك برافعات السلطة السياسية والاقتصادية. وقد تضمنت تلك العوامل عدم قدرة نظام القيصر على حل مشاكل توزيع الأرض والغذاء واشتراك روسيا في الحرب العالمية الأولى. بغض النظر عن ذلك، عندما أمسك البولشفيك بزمام السلطة، واجهوا مشكلة الخطوة التالية لأن ماركس لم يكن قد أعطى الكثير من الخطط المفصّلة حول شكل المجتمع الشيوعي. بالإضافة إلى ذلك وللحفاظ على السلطة كان على البولشفيك أن يجابهوا اعتراضات عدد من القوى المسلّحة الموالية للنظام السياسي القديم. وفي حين وضع البولشفيك الأراضي والمصانع في أيدي الجماعة، فقد كان الإنتاج عملياً واقعاً تحت سيطرة البيروقراطية الجديدة. لقد كانت روسيا قادرة على الوصول إلى مرحلة التصنيع سريعاً ولكن، وبحلول الستينات بدأ النظام بالتدهور. لقد كانت قرارات تنسيق الإنتاج المركزية غير قادرة على تلبية حاجات سكان روسيا ذات الكثافة السكانية المرتفعة وجغرافيتها الواسعة. وقد أدّت تهديدات الدول الرأسمالية المستمرة لروسيا إلى تحويل الموارد من الإنتاج الاقتصادي إلى الإنتاج العسكري وقد جرى كلّ ذلك في ظلّ سلطة سلطوية وعنيفة لم تكن تتقبل أي معارضة ونظَّمت بشكل قاس السياسة والثقافة على حد سواء. وفي أوائل التسعينات، ساهمت هذه الظروف في انهيار الدولة الشيوعية في روسيا. وتشير الخبرة الروسية إلى العلاقة المعقدة بين النظرية الاقتصادية والناحية العملية. ومن الصعب تحديد درجة ماركسية روسيا الشيوعية فقد ادعى البولشفيك ومن أتى من بعدهم بأنهم كانوا يطبقون الرؤية التي وضعها ماركس وإنغلز وأنهم نجحوا إلى حد كبير في إلغاء الإنتاج من أجل الربح في روسيا لفترة طويلة من القرن العشرين ولكن هذا لم يؤد إلى توزيع الموارد الاقتصادية كما قال ماركس (1971 [1875]) "كلّ بحسب حاجاته ولم تؤدّ أيضاً إلى تلاشي الدولة لا بل العكس.
وقد حرّكت الأشكال الثورية من الاشتراكية الصراعات والحركات المناضلة في العديد من الدول المختلفة. وفي حين كان لهذا الأمر تبعات عميقة في روسيا ففي أماكن أخرى من العالم عمّت أشكال أقل راديكالية من الاشتراكية تهدف إلى تحقيق تغير اجتماعي تدريجي. وفي العديد من الدول أدّت الأوضاع المعيشية الرديئة للعمّال وافتقادهم للسلطة السياسة إلى إطلاق شرارة الاهتمام بالاشتراكية والاقتراع العام. إلا أن هذا قاد إلى الإصلاح لا إلى الثورة وفي النهاية إلى الوصول إلى تسوية دولة الرعاية التي تقع في صلب مجتمعات السوق المعاصرة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]