السطوح الأصغرية كسقوف وخيم
2000 الرياضيات والشكل الأمثل
ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
باتت الإنشاءات الأنيقة التي صممها المهندس المعماري .F>أوتو <Otto ومعاونوه في السنوات الثلاثين الأخيرة ذائعة الصيت. وليست هذه الإنشاءات مباني بالمفهوم التقليدي لفن العمارة، إذ إنها أشبه ما تكون بنسق من الخيام، وعلى سبيل المثال، فإن الجناح الألماني الذي صممه أوتو و .R> كوتبرود <Gutbrod، الذي أقيم في معرض مونتريال الدولي عام 1967 كان يشبه منظراً طبيعياً رائعاً لا ينتمي إلى كرتنا الأرضية ومكوناً من غطاء واحد متغير الارتفاع. وقد كانت محيطاته في أعلى نقاطها محمولة بدعامات تشبه صواري السفن الشراعية. كما كانت النقاط المنخفضة من السماط مثبتة رأسًا في الأرض. وكان السماط مصنوعاً من مادة شفافة ومقوى بشبكة من الأسلاك الفولاذية تتصل برؤوس الدعامات والنقاط المثبتة في الأرض بوساطة منظومة من الحبال والسلاسل والعرى العينية eye loops. وكانت هذه "العرى العينية" (التي سنشرح أهميتها فيما بعد) مملوءة بالبلاستيك الشفاف.
وثمة تصميم شهير آخر هو سقف المدرج الأولمبي في مدينة ميونخ. وهذا السقف الشبيه بالخيمة أيضاً مكون من شبكات شبيهه بالسروج وله نقطتا تعليق ودعامتان حاملتان، وعدة نقاط مثبتة رأساً في الأرض، وكبل جبهي- حافي frontal- edge cable طوله 1443 قدماً.
والشبكة مغطاة بكسوةٍ من مادة الأكريليك نصف الشفاف. أما طول الدعامتين الفولاذيتين فهو 190 قدماً، كما أن أكبر امتداد للسقف هو 213 قدماً. هذا ويوجد سقفان آخران مصممان بالنمط نفسه، هما سقف الساحة الرياضية الأولمبية وسقف أحواض السباحة الأولمبية.
إن الشبه بين الخيمة وسقف F>. أوتو< ليس أمراً حدث مصادفة، إذ إن هناك مبادئ إنشائية عديدة مشتركة بينهما، فأولاً، يوجد لكل منهما بنية خفيفة الوزن. وهما مصممان كي يكونا اقتصاديين وذلك باستعمالها أقل قدر ممكن من مواد البناء. ثانياً، لقد صمما كي تجري إقامتهما وتفكيكهما ونقلهما بسهولة. ثالثاً، إن القوة الرئيسية المؤثرة في السقف هي إجهاد الشد tensile stress؛ ولا يتعرض إلى الانضغاط compression سوى أجزاء قليلة مثل الدعائم والأقواس الحاملة.
وهكذا فإن الخيم والأسقف الخفيفة الوزن تختلف بصورة جوهرية عن المباني التقليدية التي لا تتناسب فيها كمية المواد المستعملة بوجه عام مع متطلبات الحمل الفعلي للبناء. كذلك، فلا يمكن نقل الأبنية العادية إلى مواقع أخرى دون مجابهة صعويات كبيرة، فضلاً على ذلك، فإن معظم المواد المستخدمة فيها، كالأحجار والطوب، يمكن أن تتعرض لقوى الانضغاط وليس للإجهاد، هذا وتجري عادة معالجة قوى الحني bending والانبعاج bukling في هذه الأبنية باستعمال كمية كبيرة من المواد الإضافية، وهذا يؤدي إلى هدر محتم وتكلفة لا لزوم لها.
وكما سبق ورأينا، فإن الطبيعة توفر أداة طيعة لتعرف السطوح والأشكال الأمثلية داخل محيط مفروض، إذ أننا لن نحتاج إلى أكثر من إفساح المجال لغشاء صابوني أن يمتد على نموذج للحدود المرغوب فيها.
فإذا لم يكن سهل التصدع، فسيكون في توازن مستقر؛ وهو سطح أصغري ذو مساحة أصغرية. وتجدر الإشارة إلى أن أوتو ومعاونيه استعملوا أغشية صابونية كأداة رئيسية لتصميماتهم المعمارية، وقد نفذوا عدة تجارب بغية العثور على أشكال أنيقة يمكن تحويلها إلى مبان حقيقية. وكانت معظم هذه التجارب معروفة من قبل پلاتو وباحثين آخرين. لكن التغييرات الأصلية التي أجراها أوتو على التصميم الهندسي للحدود الداعمة للأغشية الصابونية أدت إلى أشكال جديدة أخاذة لم يكن يتصورها أحد من قبل.
كان أحد أنماط المواد التي استعملها أوتو في هذه التجارب مؤلفاً من خيط رفيع كالشعرة مربوط بنهايات إبر أو عصي رفيعة كانت بدورها مثبتة في ثقوب محفورة في صفيحة من مادة الپلكيكلاس البلاستيكية (انظر الصورة العليا). فإذا غمرنا هذا الهيكل في محلول صابوني ثم أخرجناه منه، فإن الغشاء الصابوني يسحب الخيوط كي يتخذ وضع سطح أصغري المساحة، وبتثبيت الخيوط بإبر ذات ارتفاعات مختلفة، يمكن الحصول على شكل رائع شبيه بالخيمة.
وبغية تحويل هذه النماذج من الأغشية الصابونية إلى أشكال معمارية، من الضروري تصويرها وقياسها بدقة. وبعد ذلك، تصنع نماذج مجسمة ويجري اختبارها في أنفاق هوائية. وهناك أدوات قياس تزود الذين يقومون بهذه التجارب بمعلومات عن الإجهاد الذي قد يحدث تحت تأثير الرياح والثلوج. ولدى القيام بالإنشاء الحقيقي، يستعاض عن الخيط الرفيع المستخدم في نماذج الأغشية الصابونية بكبلات فولاذية رفيعة ذات قوة عالية، وتصنع الأسمطة (الأغطية) الحقيقية عادة من مواد تركيبية synthetic.
ويمكن الحصول على أشكال جمالية مهمة جداً بالإجراء التالي الذي بمقدورك القيام به بنفسك. خذ سلكاً له شكل منحن مستوٍ، صله بمقبض واغمره بمحلول صابوني، ثم اسحبه كي يتكون غشاء صابوني (مستوٍ). ضع بعد ذلك عروة من خيط رفيع على الغشاء حيث تستند إليه متجعدة وبدون توتر.
ويمكنك بالاستعانة بأداة غير حادة وبتأن أن تحطم الصابون داخل العروة دون المساس بالغشاء خارج العروة. عندئذ يسعى الغشاء الصابوني إلى تقليل مساحته، لذا فإنه يشد الخيط بإحكام ليجعل العروة على شكل دائرة (انظر الشكلين في أعلى الصفحة). ونبين في الشكل الأسفل دائرة تتكون بهذه الطريقة. وهنا لا يكون الخيط موصولاً بالمنحني الخارجي بأوتار كما هو مبين في الأعلى، إنما تكون إحدى نقاطه p مربوطة بإبرة مثبتة في الأرض. فإذا خفضنا الإبرة، كما في الصورة الموجودة في الصفحة التالية، فإن الخيط يغدو منحنياً غير مستوٍ (بعد أن كان في مستو واحد) شديد الملاسة وإذا تقوس ثابت، باستثناء النقطة p وأي أجزاء من العروة قد تلتصق ببعضها. إن الغشاء الصابوني المحدود بمحيطه الخارجي و"بالعروة العينية" هو الآن سطح غير مستوٍ، ويوفر انحناؤه شكلاً مستقراً يصلح للاستعمالات المعمارية. وعلى سبيل المثال، فإن الصور في الصفحة 136 تبين كيف جرى تخيل معهد F>. أوتو< في مدينة شتوتكارت. وفي هذا النموذج، جرى تشكيل محيط خارجي بخيطان وصلت بإبر غرزت في صفيحة.
فضلاً على ذلك، فقد دعمت إبرة علوية شبيهة بالمشنقة عروة وصل بها الغشاء الصابوني. أما في المبنى فقد استعيض عن الخيوط بكبلات فولاذية، وملئ داخل العروة بمادة بلاستيكية شفافة تقوم، هي والنوافذ الموجودة في الطابق الأرضي، بتزويد داخل المبنى بالضوء خلال النهار.
وباستطاعتك أن تفهم بسهولة مبادئ التصميم والإنشاء التي استخدمها أوتو في بناء المدرج الأولمبي في ميونخ والجناح الألماني في مونتريال. ونجد هنا نظاماً كاملاً من الدعائم الحاملة (بدلاً من دعامة وحيدة). ومن ثم، فإننا نقابل هنا عدة عرى عينية. وتكون النتيجة سقوفاً شبيهة بالخيمة بالغة الأناقة. هذا، وفضلاً على العرى العينية الحاملة، تستعمل أيضاً عناصر حاملة أخرى، مثل السلاسل والحدبات humps والحبال (انظر الأشكال في أعلى الصفحة 137).
هناك حقيقة معروفة جيداً، ويمكن التوثق منها بسهولة، هي أنه يمكنك دفع غشاء صابوني باداة غير حادة، كأصبعك مثلاً، في حين أنك لا تتمكن من ذلك باستعمال إبرة لأنها تمزق الغشاء.
معهد البنى الخفيفة الوزن في شتوتكارت: (أعلى اليسار) نموذج: (أعلى اليمين) شبكة: (أسفل اليسار) المبنى الجاهز.
ومن جهة أخرى، يمكنك باستعمال حافة سكين حادة أو خيط رفيع جداً أن ترفع غشاء صابونياً. وهذا يثير أسئلة حول الأداة التي يمكن استعمالها لرفع غشاء صابوني، وكيف تبدو "مجموعة التصادف" set of coincidence (وهي مجموعة النقاط التي تلامس فيها الأداة الغشاء الصابوني.)
إن المسائل من هذا النمط، التي تسمى مسائل العوائق obstacle problems، وتشكل حقلاً مهماً وغنياً للبحوث الرياضياتية، وقد أدت إلى تطوير تقنيات جديدة عديدة ومثيرة للاهتمام في علم حسبان التغيرات. ومن الواضح أن دراسة هذه المسائل أمر مفيد. فلو افترضنا، مثلاً، أنك تخطط لوصل عدة مدن بشبكة من الطرق لها طول كلي أصغري، شريطة أن تتجنب هذه الطرق بعض البحيرات والمناطق الجبلية والمتنزهات العامة، فإنك تواجه بمسألة شتاينر المعممة التي يجب أن تدخل في اعتبارها هذه العوائق (انظر الشكل السفلي). ويمثل حل مسائل الأمثليات التي يجب أن تراعى فيها مثل هذه الشروط الإضافية، واحداً من أهم الموضوعات في الرياضيات التطبيقية. هذا وقد سبق أن قابلنا نمطاً آخر من مسائل العوائق حين درسنا السطوح الأصغرية ذات الحدود الحرة.
وقد حل العديد من المسائل المتصلة بتجارب أوتو، أو التجارب "الخيطية"، تجريبياً وليس رياضياتياً.
سطوح أصغرية فيها عدة عرى عينية موصولة بنقطة واحدة.
وعلى سبيل المثال، ما أعلى ارتفاع يمكن أن يبلغه غشاء صابوني إذا رفع من محيط مستو بوساطة عروة عينية (انظر الشكل العلوي الأيسر)؟ لقد وجدنا أنه لا يمكن لمنحنيين C1 و C2 أن يكونا حدود غشاء صابوني مترابط إذا كانا بعيدين جداً أحدهما عن الآخر. وفي الحقيقة، لا يمكن أن يحد C1 و C2 مثل هذا السطح الأصغري إذا أمكن فصل المنحنيين (كما في الشكل الأوسط يساراً) بمخروط دوراني يولد بتدوير مستقيمين متقاطعين بزاوية قائمة حول محور للتناظر. فإذا أعطينا طول العروة العينية وموضع المحيط الخارجي C، فإنه يمكننا أن نتوصل بسهولة إلى تعيين حد أعلى للارتفاع فوق الأرض للسطح الأصغري في الشكل العلوي يساراً، لكن من المثير للاهتمام إيجاد الشكل المضبوط.
ويمكننا أيضاً أن نصل بالنقطة مفسها عدة عرىً (انظر الشكل في أعلى يمين هذه الصفحة)، أو أن نثبت خيطاً بنهايتي قوس مفروض.
وعندئذ سيمتد غشاء صابوني على الخيط بطريقة تكون فيها المساحة أصغرية، وسيشكل الخيط منحنياً ذا تقوس ثابت حيثما لا يتصل بالمنحني C وتبين الصورة الفوتوغرافية في الصفحة السابقة غشاء صابونياً محدوداً في جزء منه بسلك له شكل اللولب، وفي جزء آخر بخيط مربوط ببعض نقاط اللولب.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]