السياسات المتبعة في علاج المرضى عقلياً بالمستشفيات
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
يقدم العلاج الإجباري بطبيعته إلى المريض على أنه شيء، أكثر من كونه شخصا تحت الدراسة والعلاج متعاونا "كما هو الحال في العلاج النفساني".
ففضلا عن عزل المريض في حجرة منعزلة أو إجباره على حمامات أو كمادات معينة، فإن تقنيات الطب العقلي المتاحة ذات القيمة والأهمية العلاجية المقصودة محدودة.
وتميل اهدافها العلاجية أيضا إلى أن تكون قليلة للغاية، مثل التهدئة أو التنويم أو إزالة الاكتئاب او القلق أو إيقاف السلوك الذهاني "مضادات الذهان antipsychotic agents" ويشتمل هذا العلاج على الجراحة النفسية "أشكال متعددة من الجراحة الفصية للمخ Lobotomy" والعلاج بالصدمات الكهربية، والعقاقير ذات التأثير السيكولوجي التي يستخدمها على نطاق واسع كل من أطباء الأمراض العقلية وغيرهم من الأطباء غير المدربين عقليا ونفسيا.
وحتى هذا النوع الأخير من العلاج، على الرغم من وجود حركة مطردة في بحوثه، ما زال يستخدم على نطاق واسع على اساس تجريبي، وتختلف القدرة على التنبؤ بطبيقة النتائج، وتوقيتها واستمراريتها.
إذ يعتمد ذلك غالبا على المهارة العلاجية للمعالج العقلي النفساني في التعرف على تاريخ المريض المعني ودرجة استجابته العلاج كما تتوقف على مدى معرفته ومعلوماته التطبيقية عن العقار الذي يستعمله.
وبينما نجد المعرفة عن دور وتأثير بعض أدوية وكيماويات الأعصاب مثل عقار سيروتونين Serotonin ودوبامين Dopamine جدية إلا أنه لا توجد نظريات محددة ومعرفة عن مفعولها بصورة حاسمة.
ورأى الأطباء المعالجين عما يحدث في حالة معينة ما هو إلا مجرد توقعات غير مبنية على أساس مادي، حسب رأي سيلوف Silove 1990" تعتبر ما يسمى تبجحا "علم النفس البيولوجي" ما هو إلا "تعليل بيولوجي للاوضاع الاجتماعية" وما يسمى تجاوزا علميا في هذا المجال ما هو إلا اجتهاد علماء.
فمن المؤكد أن البحوث البيولوجية تعطينا أملا كبيرا في تفهم وظيفة الدماغ من حيث علاقتها بالسلوك.
ولكن تحديد المعنى أو الاتجاه البيولوجي في مجال العلاج النفسي والعقلي ما زال غير كامل النضج، فما زال يتطلب الكثير من الاساليب التشخيص والتصوير العصبي الباهظة التكاليف وغيرها من أساليب التشخيص، ولكنها تحرم المريض من الرعاية المناسبة نظرا لأنها تقدم القليل فقط مما له أهمية علاجية بخلاف العلاج بالعقاقير "برودي Brody، 1990/د".
وكلما زادت تشعبات التكنولوجيا تعقيدا كلما زادت صعوبة تعريف المريض أو أهله أو راعيه بمعانيها. وينطبق ذلك بصفة خاصة على الطبيب المعالج الذي يوصى بالعلاج دون أن يكون لديه فهم محدد وواضح عن معوله أو نتائجه.
وعلى ذلك فإن مثل هذه الإجراءات قد تطبق في ضوء قوانين معظم الديمقراطيات الصناعية على المرضى دون موافقتهم إذا كانت الحالة محددة كحالة عاجلة أو طارئة أو ملحة، وهو تحديد غالبا ما ينطوي على الحكم بأن الصحة العامة مهددة "فالأحوال الطارئة والملحة غالبا ما تتطلب إجراءات إجبارية تحفظّية مؤقتة". وينطبق ذلك أيضا بصفة عامة إذا ما تقرر أن المريض "غير مؤهل عقليا" أو تنقصه الأهلية العقلية.
ومن الواضح أن كل هذه التعريفات أو التحديدات تخضع لتفسير المهنيين والمسؤلين الحكوميين، ولكن التقليد السائد هو ألا يطرح اسئلة على الأطباء ممن هم في حاجة ماسة وملحة إلى العلاج وممن يخشون الموت والإعاقة.
وفي ظل هذه الظروف فإن المرضى وأهليهم وأسرهم القلقين يكونون أكثر ميلا إلى قبول توصيات الأطباء ويصبحون بذلك معتمدين على الاطباء لا ناقدين لهم.
وربما كان من اليسير إقناع الاقارب الذين يعانون ويحملون أعباء أفراد الأسرة المصابين بأمراض عقلية، وعلى الخصوص تحت تأثير الظروف المخيفة والمرهقة إقناعهم أن العلاج الإجباري ضرورة.
والمعالجون النفسيون أيضا معرضون للإغراء أو الإجبار، فهم صور لثقافاتهم وحضارتهم. و في البلاد ذات الحكومات الشمولية، فإنه من خلال نظم المستشفيات الخاضعة للتحكم، والقدرة على اتهام أو وصم المحتجين بانهم مرضى.
يمكن إقناع المعالجين النفسيين والعقليين الذين هم في الواقع موظفون في الحكومة بأن يتحفظوا على المرضى بالمستشفى إجباريا مع تحديد نوع العلاج، بل إن هذا الإجراء قد يكون أكثر إنسانية من أن يدخل هؤلاء المرضى إلى السجون.
ويتضمن ذلك دولا أعضاء في الأمم المتحدة اتهمت بانها تطبق تقنيات العلاج النفسي المتاحة على السياسيين المعارضين بحجة معالجتهم من مرض عقلي.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]