الطرق المتبعة لتشخيص الأمراض الوراثية والعيوب الخلقية قبل الولادة ولحديثي الولادة
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
يختلف الكشف المسحي الروتيني قبل الولادة ولحديثي الولادة على كل الأمهات والاطفال من دولة لأخرى.
فمن القضايا الرئيسية في مجال حقوق الإنسان حرية الوالدين في الاختيار في سياق الاستشارة والمناقشة مع أفراد مدربين لما يعتبر أنه أكثر الاستجابات رغبة إذا علما أنهما يحملان أمراضا وراثية أو أنهم يحملون جنينا قد يكون مدمرا أو مصابا بمرض.
وقد يكون رد الفعل إنهاء الحمل بالإجهاض، أو الاستعداد لتقديم الرعاية لطفل معاق أو لدراسة وضعه في مؤسسة أو جمعية خاصة او علاجه في المرحلة الجنينية.
ولا يمكن للتعليم العام أو الإعداد الشخصي لمواجهة نتيجة مقلقة أو مزعجة عاطفيا في هذا الإطار أن تؤخذ على علاتها هكذا. بل إنها تدخل في إطار ومدى الحق في معرفة ما هو اساس للمحافظة على الحياة والصحة.
ولا توجد بيانات كافية عن السلوك الفعلي للمرأة الحامل كاستجابة أو رد فعل للعلم بعد التشخيص بأن الجنين مدمر أو معرض للتدمير أو الإصابة بالمرض.
وفي دراسة تمت في الولايات المتحدة على 395 أبا وأما لأطفال شخصت حالاتهم على أنهم مصابون بتليف كيسي Cystic Fibrosis تبين أن هناك استجابة من 68% من الحالات.
فالأغلبية اقرت الإجهاض المشروع في فترة الثلث الأول من الحمل من بين عينة مكونة من 23 حالة ذكر لها أن الجنين يحمل مرضا خطيرا، أو أنه مدمر بالفعل.
وفيما يتعلق بسؤال تخميني أو افتراضي عن السلوك الشخصي عند التعرض لمثل حالة ما، ذكر 58% أنهم يقررون الإجهاض في حالة الإعاقة العقلية الكبيرة.
و40 و 41% قالوا إنهم يقررون الإجهاض في حالة الامراض الوراثية التي تؤدي إلى موت الطفل قبل سن خمس سنوات، أو في حالة الطفل الذي يلزم الفراش طوال العمر، وإلى حد أقل في الحالات الأقل خطورة.
وذكر 20% أنهن يجهضن في حالة العلم السابق أن طفلهن قد يصاب بالتليف الكيسي (وارتز وآخرون Wartz et al. ، 1991).
وتقوم الولايات الخمسون في الولايات المتحدة الأمريكية بعمل الكشف المسحي كإجراء روتيني لكل المواليد الجدد للكشف عن بعض الامراض الوراثية مثل زيادة الفينيل كيتون في البول وهو خلل أيضي وراثي وقصور الغدد الدرقية ونقص نشاطها للذين يتواجدان بنسبة منخفضة (حوالي واحد من كل 12 ألف طفل مصاب بزيادة الفينيل كيتون، وواحد من كل 4 آلاف مصاب بقصور الغدة الدرقية). و
هذا الكشف يسمح بالعلاج المبكر قبل أن يتطور المرض إلى صورته الكاملة وقبل أن يختل النمو والتطور. وبعض الولايات تكشف عن اضطرابات وراثية أخرى.
ويقبل الكشف المسحي على أنه يشيء روتيني تجريه المستشفيات حتى إن اعتراض الآباء على إجرائه نادر للغاية. بيد أن الكشف التنبُّئِي هذا سواء كان إجباريا أو اختياراي يمكن ان يسبب بعض المشاكل نتيجة احتمال الخطأ في الأساليب المتوافرة.
ومن بين العدد الكبير من الأمراض او الاضطرابات الناتجة من الجينات يمكن تشخيص نحو 250 مرضا وعيبا خلقيا قبل الولادة (نايتنجال Nightingale وجود مان Goodman، 1990).
ولا تستخدم الاختبارات والفحوص السابقة للولادة المتاحة عادة في الكشف المسحي بشكل روتيني ولكنها تتم على أساس فردي ويطلبها غالبا من يعتبرون في خطر. وحتى قبل حدوث الحمل يمكن الكشف عما إذا كان أحد الوالدين يحمل جينات خاصة بنوع معين من الخلل.
بيد أنه بدون سوابق او حالات مريبة في تاريخ الأسرة لا يوجد مبرر لاي شخص أن يعتبر نفسه في خطر، ويكون الكشف المسحي الروتيني الذي يشمل كل الناس غير عملي أو معقول حتى الآن.
وما زالت نتائج اختبارات ما قبل الولادة، التي تتوقف على الإجراء والطريقة التي تتبع وعلى الاختلالات التي تبحث عنها هذه الاختبارات، تتفاوت في دقتها فالنتائج السلبية مؤكدة ومطمئنة.
أما النتائج الإيجابية فربما تسمح بعلاج في داخل الرحم إذا توافر مثل هذا العلاج، وكثيرا ما تساعد الأبوين على توقع مولود مصاب وضرورة تقديم العلاج لهن أو ربما تكون سببا في التفكير في إنهاء الحمل.
وتتوافر البيانات التفصيلية التي يمكن ان تساعد الإنسان على اتخاذ اهم وأصعب اختيارات الحياة، وهي متاحة للمتعلمين من غير المهنيين من الجمهور (نايتنجيل وجود مان، 1990، ص 43). ولكن النصح الشخصي أساسي في كل الأحوال.
ويعتبر تحديد البروتين الجنيني ألفا (AFP) alpha – fetoprotein للكشف عن عيوب الأنبوب العصبي الجنيني nural tube defects التي تؤدي إلى بعض الاختلالات مثل انعدام المخ أو الدماغ anencephaly أو شرم العمود الفقري Spina bifida أو الفتق السحائي النخاعي meningomye locale من الاختبارات التي يقدمها أطباء التوليد في الولايات المتحدة بصورة معتادة وروتينية.
وفي بعض جهات من العالم مثل كوبا تدخل ضمن الفحص المسحي الشمل، ومعظم النتائج الإيجابية التي ظهرت كان يتبعها في أغلب الأحوال إجراء الإجهاض.
وبالنسبة لبعض الآباء والأمهات الذي يجرون الاختبارات في إطار الممارس الخاص، فإن النتيجة الإيجابية والتي تعني أيضا احتمال حدوث متلازمة داون أو المنغولية Down’s Syndrome في حوالي 20% من الحالات قد تؤخذ على أنها مبرر لإنهاء الحمل.
وبالنسبة لآخرين تعتبر إنذارا لترتيب العناية الجراحية اللازمة بعد الولادة مباشرة (نايتنجيل وجود ومان، 1990). بيد أن كل الاختبارات التي تأتي بنتائج إيجابية لا تعني بالضرورة وجود مرض، والنتائج السلبية لا تعني حتما تأكيدا أن الحالة عادية.
وإن وجد سبب يثير الشكوك، فلا بد من دراسات إضافية، مثل التخطيط بالموجات فوق الصوتية لمشاهدة ورؤية تفاصيل الجنين (انظر الفصل الثالث).
ولكل من الاختبارات الأخرى المستخدمة على نطاق عام محاسن وعيوب تتعلق بالنواحي العلمية أو الاكلينيكية الشخصية أو النفسية أو ما يتعلق بحقوق الإنسان، فاختبار السائل الأمنيوني أو السلوى Amniotic Fluid Testing لا تنتج عنه في العادة بيانات مفيدة حتى يدخل الحمل في فترة الثلث الثاني.
وحينما تكون عمليات إنهاء الحمل أكثر إيذاء ومضاعفات منها في المراحل المبكرة من النمو أو إذا ما تطلب الخطأ الذي قد يقع فيه المختبر أو المعمل الحصول على عينة أخرى في الوقت الذي يكون فيه الجنين قد نما بما يكفي لحفظ حياته في وحدة عناية مركزة للمواليد الجدد، فإن ذلك يضيق كثيرا في مجال اختيار الوالدين (نايتنجيل وود مان Nightingale and Good-man، 1990، ص 35).
ويمكن الحصول على خلايا من الزغب المشيمي chorionic villi تحتوي نفس المعلومات الوراثية التي يحملها الجنين. وذلك في وقت مبكر يصل إلى تسعة اسابيع من الحمل، ويتم تحليلها بسرعة للتعرف على عدد من الاضطرابات.
ويمكن تشخيص العيوب الجينية الوراثية أيضا بتقنية مباشرة هي سبر الجينة وفحص نسيج الجنين، وبطريقة غير مباشرة استخدام اختبار RELP لمتابعة انتشار مرض هنتنجتون، أو بالتقنيات الأخرى الجديدة التي يجري تطويرها، ومع ذلك فإن هذه الاختبارات كلها متوافرة على المستوى العالمي بالنسبة لأقلية ضئيلة فقط من الآباء في العالم.
وفي الولايات المتحدة على الرغم من ازدياد عدد حالات الحمل التي توضع تحت الرقابة في حالات الأمهات الاكثر قابلية للإصابة، فقد قدر أن أكثر من 100 الف طفل يولدون سنويا بأمراض وراثية، وأكثرها شيوعا متلازمة داون أن المنغولية والتليف الكيسي وعيوب الأنبوب العصبي ومرض الكريات المنجلية sickle-cell disease ومرض تاي ساكس Tay-Sachs disease ويظهر المرضان الاخيران في أسر ترجع إلى اصول سلالية عنصر معينة من فئات الأقليات.
واعتماد أعلى السياق أو الاجتماعي لوحظ أن مرض الكريات المنجلية يظهر عند الإفريقيين بينما يظهر داء تاي ساك في أوساط اليهود الذين أتوا من شرق أوروبا، ولقد أصبح مجتمع يهود شرق أوروبا في الولايات المتحدة واعيا بالمشكلة ويناصر ويتولى بصفة عامة الإجراءات الوقائية من داء تاي ساك، وأمكن عن طريق نظام اختبار موثوق فيه تجنب وقوع عدد كبير من الزيجات بين حمله هذا المرض (مرز Merz، 1987).
وأصبح تشخيص مرض الكريات المنجلية بصفة خاصة مؤذيا للأفريقيين الأمريكيين نظرا لعدم وجود علاج متوافر، وأصبح وصمة بالنسبة لهم، وانعدام العدالة نتيجة التشريعات التي أصدرتها بعض حكومات الولايات بدون تفكير كانت موضع بحث قام به نايتنجيل وجود مان (1990 ص 64 – 65).
فالبرامج التي تحتم عمل الكشف المسحي لأعراض مرض الكريات المنجلية تطبق إجباريا على بعض الجماعات المختارة (عادة من الفئات التي ليس لها سلطة اجتماعية) بدلا من تشجيع المشاركة التطوعية أو الاختياري.
ولم تنص الكثير من القوانين على أي نوع من السرية أو التوعية الصحية والتعريف بالمرض او أي نوع من الضمانات الأخرى، وأدى التمييز ضد من يكتشف أنهم يحملون علامات أو خاصية المرض إلى ارتفاع فئات وأقساط وثائق التامين عليهم. وصدرت توصيات بإغلاق الكثير من الوظائف والأعمال في وجوههم.
ونظرا لأن حملة المرض هم في الغالب (ولو أنه ليس قاصرا عليهم) من الأفريقيين الأمريكيين، فإن المضامين العنصرية التي اشتملت عليها كل هذه القيود التي وضعت في وجههم أثارت هموما واهتماما خاصا بالموضوع. ومنذ ذلك الوقت أصبح بالإمكان تبرير الكشف المسحي الشامل.
وأدى استخدام المضادات الحيوية لعلاج المواليد بمرض الكريات المنجلية إلى تقليل احتمالات الوفاة المبكرة، وقد تؤدي الإمكانيات الجديدة إلى العثور على علاج ناجح وحاسم لهذه الإصابة وبالتالي إلى تغيير المدلولات والأهمية الاجتماعية لتشخيص الإصابة بالمرض.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]