العلمائية السياسية وهمينتها على حوكمة البيئة في دولتي كندا والمكسيك
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
النباتات والزراعة البيولوجيا وعلوم الحياة
يشير ويني (المصدر أعلاه صفحة 365) إلى سطوة خطاب المخاطر بوصفه "مرضاً ثقافياً" (Cultural Syndrome) بحيث لا يمكن توجيه تلك إليه.
فعلى الأقل في جزء معيّن من علمائية السياسة هو استمرار لعملية تاريخية طويلة بقصد الترشيد، كان مُنظّرها الأول ماكس فيبر (Max Weber) مطلع القرن العشرين.
فقد لاحظ فيبر (Weber 1991, 139) أن تاريخ المجتمعات الغربية الحديثة ما هو إلا تاريخ محفز نحو العالمية ففيه "من حيث المبدأ، يمكن للمرء أن يسيطر على كل شيء [إذا أحسن] حسابه". إذ ذلك يشمل السيطرة على الطبيعة بصورة متزايدة، بمعية التأكيد في المقام الأول على العمل العقلاني في ميادين الاقتصاد والقانون وكل الميادين الاجتماعية والثقافية.
فعِقبَ فيبر [أصبح] غالباً ما يتم وصف الباحثين بالعلمائية كونها توجه عالمي واسع ومتزايد مرتبط بتقدم مفهوم الحداثة (Beck 1992; Drori and Meyer 2006; Drori et al. 2003). لقد توسعت العلمائية في النظر إلى المشاكل الاجتماعية والسياسية منذ عقود عديدة مضت (Drori and Meyer 2006; Drori et al 2003).
فالمنظّرون السياسييون الأوروبيون والأميركان منهم، شرعوا في ستينات وسبعينات القرن الماضي في ملاحظة التحوّل نحو نموذج الحكم التكنوقراطي، حيث يستبدل فيه حكم السياسة بإدارة علمية رشيدة(Price 1965; Habermas 1970; Benveniste 1973).
فكما اقترح باحث السياسة العلمية (Science Policy) البارز شيلا جازانوف (Sheila Jasanoff 1990)، لقد أصبح الخبراء التقنيون "الفرع الخامس" للحكومة الأميركية. حيث إنهم يقومون بإسداء المشورة وتقديم النصح وتوجيه السياسات، مع الإبقاء على مظهرية الحياد السياسي.
فالكثير من المنح الدراسية التوثيقة تركّز على العلمائية السياسية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ولكن هناك تزايد في الأدلة يشير إلى أن هذا التوجه قد اعتمدته دول أخرى في العالم(Drori and meyer 2006; Kinchy, Kleinman and Autry 2008; Kleinman, Kinchy and Autry 2009). ولإعطاء مثال عن ذلك، ففي دراسة حديثة ظهر أن سياسة بناء السدود البرازيلية قد تمت هيكلتها من قبل "تكنوقراط تتلمذوا في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية"، كما أن العلمائية المستخدمة، كانت تستند أيضاً إلى "قرارات تنظيم بناء السدود المبنية على تقييم الأثر البيئي المتولدة عن المستشارين العلميين الذين تم التعاقد معهم لأجل ذلك" (McCormick 2006, 327).
فحينما يتم في المقام الأول هيكلة السياسات الاجتماعية وتنظيمها من قِبل العلميين وعملية صنع القرار التكنوقراطي، فإن هذا في الكثير من الأحيان سيخدم ويعزّز المصالح الصناعية. فنقاد الحجج العلمية السليمة توصلوا لنقطة هي أن:
لقد أصبح السعي المشبع بـ "علم أفضل" في صنع السياسات أداة مهمة وقوية تستخدم لدعم الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة. فمن خلال العلمائية في صنع القرار، تمارس الصناعة سيطرة معتبرة على النقاشات الحاصلة على التكاليف والفوائد ومخاطر التكنولوجيا الجديدة المحتملة والإنتاج الصناعي، وذلك من خلال نشرها الخبراء العلميين الذين [توجّههم] للعمل لكسب تلك المعارك من خلال إبقاء السياسات العلمية "الهدف" وفصلها على نحو فعال عن الوسط الاجتماعي المتجلّي (Morello-Frosch et al 2006, 245).
فمن خلال العلمائية، فإن المسائل السياسية والأخلاقية تصبح إما مؤطرة بشكل غير لائق ضمن المصطلحات العلمية أو ببساطة هي مهمشة في النقاش العام. وإن الدعوات المنادية لعلم سليم ونزع الشرعية في خطاب المخاطر عن أهمية القضايا المسماة بالقضايا غير العلمية ما هو إلا تحديد المشاركة الشعبية في صنع القرار. وهو ما يعطي الصناعة فائدة مميزة، مع الإبقاء على تأكيداتها بتقييم المخاطر علمياً.
ففي حالة المحاصيل المهندسة وراثياً ومثيلاتها الأخرى اليوم من الصراع السياسي، هناك مؤشرات تدل على أن العلمائية ما هي إلا مشروع سياسي استراتيجي يسعى من خلاله النشطاء الذين يرومون الكسب، بواسطة إنشاء مسائل ذات أهمية اجتماعية ووضعها بطريقة تقنية ضيقة.
ففي الفصول القادمة سيكون واضحاً أن مؤيدي المحاصيل المهندسة وراثياً يستندون استراتيجياً بدفاعهم إلى العلم والمراقبة الموجهة للمخاطر، من أجل منع مراقبة الحكومة المتزايدة. ومع هذا، فإن صدى هذه الأفكار لفترة طويلة وبصورة متزايدة عالمياً غالباً ما تكون أفكاراً مفروغاً منها في الرغبة [بوجود] حكم رشيد يفوق العلم عند اتخاذه كحَكم للفصل في الخلافات المثيرة للجدل.
العمليات المترابطة التي تنطوي عليها أفكار الليبرالية الجديدة والعلمائية واضحة المعالم في السياستين الزراعية والبيئية في المكسيك وكندا. ففي كلا البلدين هيمنت الأفكار السياسية لليبرالية الجديدة والنهج العلمائي على حوكمة البيئة، في النقاشات الدائرة حول التكنولوجيا الحيوية.
فتلك السياسات "تطبع" (Normalize) تطوير وتسويق المحاصيل المهندسة وراثياً بواسطة استخدام مصطلحات جازانوف (Jasanoff 2005, 95)، حتى وإن كانت هذه المسائل تأخذ بنظر من هم يتحدون التكنولوجيا الجديدة.
ففي كل من المكسيك وكندا تكون السياسات الموجهة نحو التكنولوجيا الحيوية، سياسات تهميش مجتمعية واقتصادية وأخلاقية، يترك فيها فسحة للمزارعين والنشطاء وبعض من الدوائر الرسمية للتعبير عن سخطهم وانتقادهم الواسع النطاق للتكنولوجيا الحيوية ومؤثراتها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]