العوامل المسببة لـ”عملية التغيير المناخي” والآثار المترتبة عليها
2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري
تشارلزس . بيرسون
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
عملية التغيير المناخي آثار عملية التغيير المناخي علوم الأرض والجيولوجيا
هذا الفصل معنيٌّ بالقرّاء الذين ليسوا على دراية بالحقائق الأساسية المتعلقة بالتغيير المناخي وسياسة التغير المناخي.
فالمعلومات الشاملة يوفرها "تقرير التقييم الرابع" (Fourth Assessment Report: AR4) للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change: IPCC) الصادر عام 2007م.
وهو "تقرير تجميعي" (Synthesis Report) لثلاثة تقارير أساسية لعمل ثلاث مجموعات عمل [في مجالات مختلفة]: تقرير عمل مجموعة "قاعدة العلوم الفيزيائية" (The Physical Science Basis: GWI).
وتقرير عمل مجموعة "المؤثرات والتأقلم وعدم القدرة" (Impacts, Adaptation and Vulnerability: GWII) ، وتقرير عمل مجموعة "التخفيف من آثار تغيير المناخ" (Mitigation of Climate Change)
إن تأسيس الأساس العلمي لعملية التغيير المناخي مؤسس بصورة جيدة، رغم أن العديد من العلاقات الكمية (Quantitative Relations) تخضع لشكوك كبيرة.
وبإيجاز، فإن بعض الغازات المنبعثة في الجو تغير توازن(1) الطاقة الأرضية، من خلال سماحها بدخول الطاقة الشمسية الواردة بواسطة الموجات القصيرة، بل إنها تُعيق خروج الموجات الطويلة للطاقة.
وعليه فالنتيجة تتمثل في أن زيادة تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي، تؤدي إلى تغير توازن [رصيد] الطاقة، وهو ما أنتج ارتفاع في درجات الحرارة.
درجة حرارة سطح الأرض عالمياً ترتفع بمعدل متزايد. فمنذُ عام 1920م، كانت الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض حوالي 0.78 درجة مئوية.
فاتجاه [التصاعد] الخطي للخمسين سنة الماضية [في ارتفاع درجات الحرارة] لما بين 1956-2005م كانت 0.13 درجة مئوية لكل عقد، وهو ما يشكل تقريباً ضعف معدل الارتفاع بدرجة حرارة سطح الأرض لمئة سنة سابقة.
وفي عام 2007م، ذكر تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، إن إحدى عشرة سنة من بين اثنتي عشرة سنة هي الأكثر دافئة عالمياً منذُ عام 1850م
كانت قد سجلت في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة (IPCC AR4 2007a). أدلة أخرى، تضمنت، أن “المعدل السنوي لذوبان الكتل الجليدية" (Melting Rate of Glaciers)، قد تضاعف منذٌ عام 2000م قياساً بمعدل العقدين السابقين.
فالانخفاض المتسارع في جليد "بحر القطب الشمالي" (Arctic Sea Ice) في الفترة ما بين 1979-1996م قد ازداد من 3% في تلك الفترة إلى 11% في السنوات العشر الماضية (Füssel 2008).
غازات الدفيئة الرئيسية تتمثل بكلٍ من ثاني أكسيد الكربون (Carbone Dioxide (Co2))، وغاز الميثان (Methane (CH4))، وغاز ثاني أكسيد النيتروجين (Nitrous Oxide (N2O))، ومجموعة من "المركبات الكربونية الهالوجينية" (Halocarbons) التي تُنتج من استخدامات الإنسان.
فثاني أكسيد الكربون يشكل أكثر من 60% من الانبعاثات في الغلاف الجوي، ولذلك يعتبر المحورا الأساسي لأية استراتيجية تخفيف.
إن المصادر البشرية تشكل المنشأ الرئيس في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، التي هي استهلاك الوقود الأحفوري (يشكل ما يقارب 78% من المجموع الكلي)، والتغيرات في استخدام الأراضي خصوصاً عملية إزالة الغابات.
فنحو نصف الكربون المنبعث من احتراق الوقود الأحفوري يذهب إلى الغلاف الجوي.
في حين أن معظم ما يتبقى من [الكربون] تمتصه المحيطات. وتشير بعض الأدلة إلى أن المحيطات قد تتباطأ بامتصاص ثاني أكسيد الكربون، مما قد يتسبب في زيادة الأعباء على الغلاف الجوي (Schuster and Watson 2007).
ولعل أهم المصادر الرئيسية للميثان هي مدافن النفايات الصلبة (Solid-Waste Landfills)، ومناجم استخراج الفحم، وانتاج البترول والغاز، والزراعة الرطبة للرز، والثروة الحيوانية. في حين أن مصادر أكسيد النيتروجين هي الأسمدة النيتروجينية، والكتل البيولوجية المحروقة، والوقود الأحفوري.
تختلف نسبة مكونات الكربون في الوقود الأحفوري لكل وحدة من وحدات الطاقة. فلكل "مليون وحدة حرارية" (British Thermal Unit: BTUs) من الفحم ينبعث نحو 25 طن من الكربون، في حين أن البترول يبعث لنفس الكمية ما يقارب 20 طناً والغاز الطبيعي بواقع 15 طناً.
وعليه، فإن تغيير نوع الوقود [المستخدم] هو جزء أساسي من استراتيجية التخفيف. ولسوء الحظ مازال الفحم إلى حدٍ بعيد هو الأكثر وفرة بين إمدادات العالم من الوقود الأحفور.
إن فترة بقاء تلك الغازات المختلفة في الغلاف الجوي تختلف أيضاً، إذ تشير التقديرات أن 50% من غازات الكربون المنبعثة اليوم ستبقى في الغلاف الجوي إلى ما يقارب 100 عام، وأن 20% منها سيبقى لأكثر من 1000 عام، إلا أن هناك شكاً كبيراً يحيط بهذه التقديرات، نتيجة دورة الكربون المعقدة(4).
وقد قُدر عمر أكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي بما يقارب من خمسين سنة، في حين أن فترة بقاء الميثان في الغلاف الجوي قصير جداً نسبياً، حيث تبلغ نحو اثنتي عشرة سنة.
وبعض المركبات الكربونية الهالوجينية مثل "الكربونات الفلورية" (Perflurocarbons) ستستمر في البقاء لحوالى 50,000 سنة.
وإن دالة الاحتباس الحراري للغازات المختلفة تعتمد على متوسط مدة بقائها في الغلاف الجوي، وتركيباتها الجزيئية، وإمكانية إجراء مقارنة من خلال تحويلها إلى مقياس ثاني أكسيد الكربون المكافىء CO2e .
وإن استمرارية وجود بعض الغازات على أقل تقدير في الغلاف الجوي يعني أن ما ينبعث [من غازات] اليوم سيكون له عواقب مستقبلية وخيمة.
إن تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في تزايد [مستمر]. فقد ازدادت مستويات ثاني أكسيد الكربون منذُ ما قبل عهد الصناعة بما يبلغ (5) ppm 280 إلى ppm390 اليوم، بزيادة ملحوظة خلال الخمسين سنة الماضية.
أما تركيزات غاز الميثان اليوم [في الغلاف الجوي] فهي عند ppb(6) 1,774، وهو ضعف ما كان عليه من مستوى في ما قبل العهد الصناعي. وبالطبع أن تلك المركبات الكربونية الهالوجينية لم تكن موجودة قبل القرن العشرين.
إن هذه الأرقام ستزداد بالتأكيد، ففي مجال سيناريوهات الأعمال كالمعتاد (مثل عدم وجود سياسة تخفيف فعالة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري).
تشير تقديرات وزارة الطاقة الأميركية أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون [في الغلاف الجوي] يمكن أن تصل إلى ما بين ppm 700 إلىppm 900 بحلول نهاية القرن الواحد والعشرين، وستستمر بعد ذلك بالارتفاع (7).
أما الميثان فسوف يرتفع من ppb 1,745 في عام 1998م إلى ppb2000-4000 في عام 2100م، في حين أن أكسيد النيتروجين سيرتفع من مستواه البالغ ppb 314 في عام 1998م إلى ppb 375-400 مع نهاية القرن الواحد والعشرين.
تاريخياً، أسهمت بلدان "منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي" (The Organisation for Economic Co-Operation And Development: (OECD)
في 59% من الانبعاثات التراكمية لغاز ثاني أكسيد الكربون للفترة ما بين 1900م ولغاية عام 2004م، كما أسهمت كل من دول أوروبا الشرقية وروسيا بما مقداره 19% من تراكم الغازات المنبعثة.
أما البدان النامية فنصيبها ما يعادل 22%(8) (مستثنى منه استخدام الأراضي والتغير في الغابات).
وبالرغم من إن البلدان النامية ليست هي المسؤولة الأولى عن انبعاثات [الغازات] تاريخياً، إلا أن النمو المتسارع في استخدام الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، وزراعة الرز الرطبة، والثروة الحيوانية، والأنشطة الأخرى تجعل منها مصدراً كبيراً للانبعاثات [الغازية].
ومع ذلك، فعلى أساس نصيب الفرد فإن إسهامات الدول النامية [بانبعاث الغازات] أقل بكثير [من بقية البلدان]. فعلى سبيل المثال، نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حالياً حوالى عشرين طناً مترياً في الولايات المتحدة الأميركية و 2.7 طن متري في الصين.
ومع ذلك، فإن ما تنتجه الولايات المتحدة الأميركية من انبعاثات أقل لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالصين.
نسب الانبعاثات في المستقبل بالنسبة للمجموع الكلي (ليس للفرد الواحد) ستكون مختلفة جداً. ففي عام 2008م أُعتبرت الصين أكبر باعث للغازات، متجاوزة بمفردها الولايات المتحدة الأميركية في ذلك، ومتجاوزةً أيضاً الانبعاثات [الغازية] الجماعية من دول الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع أن تنمو الانبعاثات الغازية في الدول النامية لما يقارب أكثر 90% في سيناريوهات العمل كالمعتاد على مدى السنوات العشرين المقبلة(9).
وهذا يعني أن أية استراتيجية فاعلة للتقليل من ظاهرة الاحتباس الحراري يجب أن تشمل على الجهود الجادة لمكافحة الانبعاث الغازي في كل من البلدين الكبيرين مثل الصين والهند، والدول المتوسطة الحجم السكاني، والبلدان النامية سريعاً مثل فييتنام.
المراجعة [العلمية] النافذة للسير ستيرن (Stern) في عام 2007م، أفادت أنه إذا استمرت الانبعاثات واستدامت على مستوياتها الحالية، فإن تركيزات [الغازات] في الغلاف الجوي ستصل مستوياتها مع عام 2050م إلى ضعف ما كانت عليه قبل عهد الصناعة.
وأن درجات الحرارة في نهاية المطاف سترتفع بمعدل من درجتين مئويتين إلى خمسة درجات مئوية (3.2O F-9O F ).
ولغرض المقارنة، علينا أن نتذكر أن معدل درجة الحرارة عالمياً اليوم هي C14ْ. وتشير تقديرات الفريق الحكومي الدولي لتغيير المناخ أن مستويات ثاني أكسيد الكربون المكافىء قد تضاعفت منذُ ما قبل عهد الصناعة.
ومن المرجح أن تزيد درجة الحرارة عالمياً بواقع 2 درجة مئوية إلى 4.5 درجة مئوية (من المرجح، تعني احتمال ارتفاعها لما هو أعلى من 66%)، وإن القيمة العليا للزيادة بواقع 4.5 درجة مئوية لا يمكن استبعادها.
لقد جادل البعض حول التقديرات المقدمة من الفريق الحكومي الدولي لتغيير المناخ بالقول، أن تلك التقديرات قد حُددت قبل نمو الانبعاثات السريع من الصين والهند في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين.
وعليه فهناك سوء تقدير كبير حول احتمالية الزيادة في درجات الحرارة (Garnaut 2008).
فأحد التقديرات المبنية على أساس محاكاة مونت كارلو تشير إلى حصول زيادة في درجة الحرارة بمعدل متوسط يصل إلى 4.5 درجة مئوية في الفترة لما بين 1900م و 2105م، وفق سيناريو العمل كالمعتاد، ومع مدى من الثقة حتى 99% لـ 3.0 إلى 6.9 درجة مئوية(10).
تبقى الحساسية المناخية غير مؤكدة تماماً (استجابة المناخ إلى الزيادة في تركيزات غازات الدفيئة، بما في ذلك آليات التغذية الاسترجاعية).
فآليات التغذية الاسترجاعية (Feedback Mechanisms) يمكن أن تعجل بارتفاع دراجات الحرارة بما يتجاوز بكثير تقديرات الفريق الحكومي الدولي لتغيير المناخ، التي تتضمن الإفراج عن كميات كبيرة من غاز الميثان المخزونة حالياً في "التندرا المجمدة" (Frozen Tundra).
وفي أحواض أعماق البحار، فضلاً عن الذوبان السريع لغطاء المخزون الجليدي في القطب الشمالي، الذي يتيح امتصاص المحيطات المفتوحة للتدفق الوارد من الطاقة الشمسية(11).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]