الغاية من وجود نظام “الحِسبة” في الدولة والشروط الواجب توافرها في المحتسب
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
نظام الحسبة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
تُعدُّ الحِسبةُ جُزءا منَ النظام الإداريَّ في الدولةِ الإسلاميةِ، وكان الهدفُ منهُ مراقبة المصالِح العامةِ للمجتمعِ والحِفاظِ عليها، والتأكد من أنَّ سلوكَ القائمين عليها يسيرُ طِبقاً لم جاءَ في القرآن الكريمِ والشريعةِ الإسلاميةِ.
وقد أُنْشِئتْ أولَ دارٍ للحسبةِ في عَهْد الخليفةِ عُمر بن الخطاب بالمدينة المنورة، وكان العاملون في هذه الدار يقومون بوظيفة دينيةٍ لمراقبةِ مصالح المسلمين من باب الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، ويُسمَّى كُلُّ منهم بالمُحْتَسِب.
والحِسبةُ مشروعةٌ في الدين الإسلامي بقولِهِ عزَّ وجلَّ: قال تعالى(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران 104.
وجاء المعنى نفسُه في السُّنَّةِ النبويةِ في حديثِ رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلَّم، "مَنْ رأى مِنْكُم مُنْكَراً فليُغيرهُ بيدهِ، فإنْ لم يَسْتَطِع فبلسانِه، فإنْ لم يَسْتَطعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلك اضعفُ الإيمانِ".
وإذا رَجَعْنا إلى قَواميسِ اللغةِ العربيةِ نجدُ أنَّ كلمة "الحِسبةِ" تَعني مَنْ يَدّخرُ أجرَهُ عندَ الله سُبحانهُ وتعالى، ووردَ المعنى نفسُهُ في حديثِ عُمرض بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه: "أيها الناس احتسبوا أعمالَكُم فإنَّ مَنِ احْتَسَبَ عَمَلَهُ كُتِبَ له أجرُ عملِهِ وأجرُ حِسْبَتِهِ".
وهو المعنى الذي ذهبَ إليهِ الفُقهاءُ ايضاً في آرائهم حول عمل الحسبةِ، الذي يقومُ على تَعريفِ المسلمينَ بأمورِ دينهم، وحراسةِ مصالح المجتمع والحِفاظِ عليها، ونَهيِهِم عن المُنكر بالوعظِ واللين، وحَملِهم على التمسك بمبادئ الشرعيةِ الاسلامية.
وتَجنُّبِ كُلَّ ما يضرُّ بمصالحِ الناس. ويتمُّ هذا العمل ابتغاء مرضاة الله، ولذلك يكون أجرُهُ مُحتَسباُ لصحابِهِ ومُدَّخرا له عند الله سُبحانُه وتعالى.
ويُجمعُ جُمهورُ علماء المسلمين على أنّ منْ يقومُ بعمل المحتسب لا بُدَّ وأن تتوافرَ فيه بعض الشروط ليتمكن من القيام بعملِهِ، وهي: الإسلامُ، والبلوغُ، والعقلُ، والعلمُ، والعدالةُ، والقُدرةُ، وذلك بجانب عِلمٍ واسعٍ وخبرةٍ وبصيرةٍ بالشريعةِ الإسلامية، وأحكامِها وآدابِها، إضافة إلى علمٍ بمراتِبِ الاحتسابِ، ومعرفةٍ دقيقةٍ بما ينفعُ الناسَ وبما يضرُّ مصالِحَهم.
وقال الفُقهاء" إنَّ غيرَ العالِم بهذه الأمور إذا قامَ بالحِسبةِ، قد يترتبُ على عَمَلِه من المفسدةِ ما يجعلُ الإقدامَ عليها داخلاً في المحظورِ المنهيُّ عنه".
وتَنْعَكسُ هذه الشروطُ والصفاتُ التي ينبَغي توافُرُها في المُحتسِبِ على عَمَلِهِ، فيكونُ قولُه مَقبولاً، ونُصْحُه مسموعاً، ووعظُهُ مُؤثَّراً، وبخاصةٍ إذا كان يُراعي نُصحَ العاصي في السرَّ، ونهيَ المُخالفِ ومَنْ يغشُّ منْ غيْرِ أن يفْضحهُ، وتوجيه الجاهل في رفقٍ ولينِ وشفقةٍ.
وهذا كلُّهُ يكونُ بقصدِ إصلاحِ الناسِ لا التسلّطُ عليهم وإذلالهم، حتى وإن كان يستمدُّ هيبتَهُ وقُوّتَهُ وسُلطتَهُ ونفوذَهُ من الحاكِمِ.
وقد كان التدرُّجُ السمةَ الغالبةَ في عملِ المُحتسبِ مُرتَّباً على النحو التالي:
– التوعية والإرشادُ.
– الوعظُ والتخويفُ.
– الزجرُ والتَّهديدُ.
– رفع الامر إلى الحاكم.
وكان المحتسب يتقاضى مقابل عمله راتباً شهرياً، أمّا إذا كان يقوم بعمله دون تكليف من الحاكم، و لا يتقاضى أجراً، فإنه يسمى عندئذ"متطوعاً بالحسبة".
ولا يحق للمحتسب ، سواء إذا كان مكلفاً أو متطوعاً النظر في مسائل الزواج و الطلاق أو المنازعات التي تتعلق بالحقوق المادية.
وفي وقتنا الحالي أصبحَ عملُ الحسبةِ مسئوليةً مُشتركة بين رجال الشُّرطةِ والأمنِ والدُّعاة والوُعّاظ وعُلماء الدين، والمُربَّينَ، وغيرِهم من المُهْتَمين بالتوجيهِ والإرشادِ من أجل توفيرِ الأمن والأمان في المجتمع طِبْقاً لمبادئ الشريعةِ الإسلاميةِ السَّمحاء.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]