القوة التنظيمية للأسواق في تنظيم مجتمع السوق
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
تشكّل الأسواق آليةً للتوزيع لكنّها ضعيفة من حيث فرض النتائج. فالحكومات تقوم بإنشاء نماذج محدّدة من الاستحقاق، مثل تلك التي توفرها الخدمات العامة، وأشكال التوزيع الخاصة بها هي أكثر تحديداً وأكثر قابليّةً للتنبؤ من ما هي عليه الحال في الأسواق. توفّر دولة الرفاه، على سبيل المثال، الأمن الاجتماعي من خلال منح الناس استحقاقات معيّنة على أساس "الحق". وعلى النقيض، يخضع التوزيع القائم على السوق لعدم اليقين والمخاطر وبالتالي يؤثّر في سلوك الناس على نحو خاص، وإن كان بشكل غير مباشر.
الأسواق وإدارة السلوك
يؤكّد خبراء الاقتصاد الكلاسيكي الجديد أنّه يتم الترويج للكفاءة الاقتصادية عندما يُسمح للأسواق بتحديد توزيع الدخل. وهذا يضمن أن تقوم الأسعار بتحفيز الناس لتتصرّف بطرق معينة. يمكن أن تقوم الأسواق بذلك لأنّها تتحكّم في تبادل الحقوق المهمة – حقوق الملكية – التي تحدد مباشرة دخلنا وثروتنا. وتجدر الإشارة أيضاً إلى قدرة الأسواق على تسهيل الاختيار وتعزيز الحرية الفردية والمسؤولية، ولكنّها تحدّ من الخيار أيضاً.
إن آلية الأسعار تدفع ببعض الإجراءات لتكون مُكلفة بحيث إن غيرها يكون أكثر ربحاً. ومع ذلك، في حين أنه لا يتم تحديد أيّة إجراءات يجب أن نعتمد، فإنها توفّر مجموعة من الحوافز التي تؤثّر بشكل كبير في سلوكنا. تم الحصول على هذه الفكرة من ميشال فوكو (Michel Foucault) (1997, p. 76) باستخدام مفهوم "الحاكميّة" (Governmentality) لشرح كيف تنظم الأسواق سلوكنا. فهو اعترف بأن ممارسة السلطة لا تقتصر على المؤسسات الرسمية للدولة أو الأنظمة العامة التي تقيّد مباشرة السلوك الفردي.
وعلى أعقاب آدم سميث، حدّد فوكو (1997, p. 76) الاقتصاد على أنّه مركز "للتجربة المميّزة" (Privileged Experience) حيث إنّه ليس من الضروري أن يتم الحكم بشكل مباشر على تصرفات الأفراد. بدلاً من ذلك، يمكن أن تتم ممارسة السلطة من خلال الاقتصاد الذي "يتكوّن في توجيه إمكانية سلوك" من خلال تعديل الإجراءات المختارة بحريّة (Foucault 1982, p. 221). يتشكّل السلوك من دون تنظيم الدولة المباشر للأفراد وذلك لأن الأسواق تعمل بالطريقة التي ينظّم الأفراد سلوكهم بها (Hindess 1996, p. 106).
في المجتمعات الحديثة في السوق، يمكن للحكومات بالتالي ممارسة السلطة "على مسافة" (At a Distance) من خلال مجموعة من التقنيات المباشرة وغير المباشرة التي تحكم سلوك المواطنين تحت "الحكم الذاتي" (Autonomous) (Rose & Miller 1992, p. 173). وبعبارة أخرى، يمكن للحكومات أن تؤثّر على سلوكنا ليس فقط من خلال القانون التوجيهي ولكن أيضاً عن طريق تغيير الحوافز، مثل تغيير المدى الذي تنظّم فيه الأسواق حياتنا.
وتتأثر أيضاً خياراتنا بالموارد المتوفرة لدينا وقدرتنا على التأثير في خيارات الآخرين. وهذا يلفت الانتباه إلى الجهات الفاعلة المؤسساتية مثل الشركات والحكومات والنقابات العمالية. إذ يؤكّد الباحثون المؤسساتيون أن بعض الوكلاء الاقتصاديين لديهم قدرة أكبر على ممارسة خياراتهم الاقتصادية والتأثير في خيارات الآخرين بسبب نوع وكمية الموارد التي يصدرونها.
يمكن أن تؤثر الشركات الكبيرة، على سبيل المثال، في سلوك المستهلك من خلال الإعلانات، أو في سعر السوق من خلال القوة الاحتكارية. وعلى هذا الأساس، تطوّر الأسواق الحوافز لكنها لا تعمل وفقاً لمبادئ "المنافسة المثالية" أو التبادل الحر والمتساوي. عملياً، تكون المؤسسات الكبيرة أكثر قدرة على تحقيق مصالحها نسبة للجهات الفاعلة الأصغر حجماً والأقل تنظيماً وثراءً.
علاوة على ذلك، فإن الباحثين الماركسيين هم أيضاً يهتمون بالسلطة ويؤكدون على أهمية حقوق الملكية على حد سواء في تشغيل الأسواق وعدم المساواة في السلطة بين مختلف المشاركين في السوق. وهم يزعمون أن التوزيع غير المتكافئ للحقوق يُجبر بشكل فعال بعض الناس – الذين لا يملكون العقارات – على العثور على وظيفة في سوق العمل. وهذا ينتج العلاقات الطبقيّة حيث تكون للناس خيارات مختلفة بشكل منهجي بالاستناد إلى إمكانية وصولهم إلى الموارد الاقتصادية.
من هذا المنظور، يمكن أن تكون الأسواق قسريّة لأنه من دون الحصول على دخل السوق، يكون العمال غير قادرين على العيش. يدّعي ماركس أن هذا يعني أن "التبادل الحر" (Free Exchange) لعقد عمل الأجر عادة ما يكون تمريناً غير متكافئ للقوة بين الرأسمالية والعمال. وهكذا، كلما أصبحت الأسواق مركزية أكثر للإنتاج والتوزيع – مع إزالة الوسائل البديلة لكسب العيش – كلما زاد الطابع الاستغلالي للمجتمع.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]