الكيفية التي تتم بها حاسة “النظر” لدى الإنسان بواسطة العمليات الكيميائية
2002 في رحاب الكيمياء
الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي
KFAS
هل تجولت يوماً في حديقة مليئة بالازهار المتعددة الوانها وشذاها ؟ وهل ذهبت يوماً إلى بستان فاكهة مختلف الوانها ومذاقها ؟
وهل خطر لك أن تتساءل … من أين جاء هذا التنوع في اللون والرائحة والطعم ؟ وهل جال بخاطرك التعرف على الكيفية التي تميز الإنسان بها بين هذه الألوان والروائح والطعوم ؟
دعنا نجيب عن هذه التساؤلات ببساطة ونقول .. إن السر وراء لون الأزهار والفواكه وطعمها ورائحتها يكمن في طبيعة الجزيئات الكيميائية التي تحتويها.
أما إحساسنا بذلك كله فيعود إلى التفاعلات الكيميائية بين هذه الجزيئات من ناحية وبين المستقبلات الحسية الموجودة في أعضاء حواسنا من عينين تفرقان بين الالوان المختلفة ، ولسان وشفتين تميز بين الطعوم المتباينة وأنف بفتحتين يتعرف على الروائح ما سرّ منها وما كدّر ونفّر .
وتبدأ عملية الرؤية بتعرف المستقبلات الضوئية في العين لإثارة فيزيائية تنجم عن الاشعة الضوئية . ويتلو ذلك عمليات كيميائية تتمثل في كشفه ومعالجته ونقل الإشارة العصبية .
وتتكون شبكة العين من نوعين من المستقبلات الأولى عمودية (RODS) والثانية مخروطية (CONES).
ويوجد في العين بلايين من المستقبلات العمودية التي لها القدرة على العمل في الضوء الخافت ولكنها لا تستطيع التمييز بين الألوان المختلفة .
أما المستقبلات المخروطية ، فيصل عددها إلى حوالي ثلاثة ملايين، وتعمل في الضوء الباهر وتستطيع تمييز الالوان المختلفة . ويوجد من هذه المستقبلات ثلاثة أنواع مختلفة ، يمتص كل نوع منها لونا مختلفاً ، إما الأحمر أو الاخضر أو الأزرق ، وبعدها ترسل الإشارات الخاصة إلى الدماغ لتنشيط الشعور بهذا اللون أو ذاك .
هذا وتحتوي كل مستقبلة في العين على جزيئات كيميائية خاصة حساسة للضوء لها القدرة على نقل إحساسها إلى الدماغ على شكل إشارات ورسائل معينة .
ومن أهم الجزيئات الكيميائية المسؤولة عن الرؤية هو جزيء الريتينال retinal وهو مركب هيدروكربوني مكون من سلسلة من ذرات الكربون تتناوب فيها الروابط الأحادية والثنائية ، وتنتهي السلسلة بمجموعة الالدهيد . هذا ويوجد لهذاء الجزيء تماكبان ، يتمثل أحدهما بالريتينال المقرون والآخر بالريتينال المفروق .
إن تناوب الروابط الأحادية والثنائية يضفي على هذين المركبين خاصية مهمة وهي قدرتهما على امتصاص الضوء . ويقوم الريتينال المقرون بامتصاص الضوء الساقط على العين .
ويتصل هذا الجزيء في المستقبلات العمودية مع بروتين (أوبسين) OPSIN ليكون جزيء (رودوبسين) RODOPSIN الشديدة الحساسية للضوء .
كما يتصل الريتينال المقرون في المستقبلات المخروطية بثلاثة بروتينات أخرى ، ليكون مركبات يمكنها تغيير الموجات الضوئية التي تُمتص ، وتحويلها إلى اللون الأحمر والازرق والأخضر .
وتتم عملية الرؤية عندما يسقط الضوء على المستقبلات العمودية والمخروطية في الشبكة ، وعندها يقوم الريتينال المقرون بامتصاص الضوء مما يؤدي إلى تحوله إلى المماكب (isomer) المفروق ، وبالتالي يتغير شكل بروتين أوبسين مما يؤدي إلى إرسال إشارة إلى الدماغ عن طريق العصب البصري.
وهنا تحدث الرؤية . وبعدها ينفصل مركب الريتينال المفروق عن بروتين أوبسين ويعود إلى شكله المقرون الذي يعاود بدوره الاتصال ببروتين أوبسين ويمارس دوره مرة أخرى في امتصاص الضوء ليسبب رؤية جديدة . وهكذا تتكرر هذه العملية وترسل إشارات متكررة إلى الدماغ كلما وقع النظر على لون جديد .
وهنا قد نتساءل .. لماذا للورود والأزهار والفواكه ألواناً مختلفة .
إن السر في ذلك يكمن في طبيعة التركيب الكيميائي للجزيئات التي تحتويها هذه الأزهار والثمار ، وبالتالي تأثر هذه الجزيئات بالضوء الذي يقع عليها . وهنا لا بد لنا من أن نوضح حقيقتين ، أولاهما أن الضوء المرئي خليط من ألوان الطيف المختلفة ، التي تختلف عن بعضها في طول موجة كل منها .
أما الحقيقة الثانية فهي أن التركيب الكيميائي للجزيئات يحدد نوع الموجات التي يستطيع امتصاصها من الضوء المرئي حينما يقع عليها . فهناك جزيئات تمتص اللون ذا الموجة الطويلة ذات الطاقة القليلة وهو اللون الأحمر ، مما يؤدي إلى ظهورها باللون المكمل للأحمر وهو الأخضر .
أما إذا امتصت الجزيئات لوناً ذات موجة قصيرة ولها طاقة عالية مثل اللون الأزرق ظهرت المادة باللون المكمل للأزرق وهو البرتقالي .
وهناك العديد من الجزيئات التي يسمح لها تركيبها الكيميائي بامتصاص لون محدد من ألوان الضوء الابيض لتظهر باللون المكمّل . ومن امثلتها جزيء الكلوروفيل في الاوراق الذي يكسبها اللون الاخضر ، والكاروتين في الجزر هو الذي يكسبه اللون البرتقالي ، ومركب الزيازانثين الذي يهب الذرة لونها الاصفر الذهبي ، ومركب البيتاسيانين الذي يعطي للشمندر لونه الأحمر وغير ذلك كثير .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]