المجتمع ما بعد الصناعي؟ في مجتمع السوق النابض بالحياة
2014 مجتمع السوق
سبايز بوتشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
ادعى بعض المنظرين، مثل دانيال بيل (Daniel Bell) (1999)، أن التغييرات المرتبطة بمرحلة ما بعد الفوردية تُشكّل تحولاً أكبر في طبيعة مجتمع السوق. وأفاد دانيال بيل أننا نعيش في "المجتمع ما بعد الصناعي" (Post-Industrial Society). وقال إن المجتمعات الرأسمالية المتقدّمة خضعت لعملية تحول كبرى فانتقلت من اقتصاد قائم على الصناعة، إلى مجتمع حيث يقوم النجاح الاقتصادي على البيانات والمعلومات والخدمات المعرفية.
إنّ محرك المجتمعات ما بعد الصناعية هو ابتكار نابع من تنظيم المعلومات. وإنّ للمجتمع ما بعد الصناعي انعكاسات كبيرة على تنظيم العمل لأنه، وفقاً لدانيال بيل، يتم إنشاء القيمة في المقام الأول من خلال العمل المعرفي بدلاً من العمل اليدوي. ولذلك، تم استبدال أهمية انتشار الوظائف اليدوية ذات الياقات الزرقاء، مثل العمل في المصانع، بالوظائف الكتابية ذات الياقات البيضاء، كالاستشاريين والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات والمديرين.
ترتبط الفرضية ما بعد الصناعية ارتباطاً وثيقاً بفكرة القيم ما بعد المادية التي تم وضعها ضمن العلوم السياسية. وقال رونالد إنغلهارت (Ronald Inglehart) إن هذه التغييرات في الاقتصاد متصلة بتغيير القيم، التي لم تعد تؤكد على سياسات الطبقات، وإنما تركز على ما يبدو على القضايا غير الاقتصادية، مثل البيئة وحقوق الإنسان (انظر الفصل 10). وترتبط فرضية إنغلهارت بالأعداد المتزايدة من العمال المهنيين والتقنيين الحائزين على التعليم العالي، والذين تتم تسميتهم أحياناً بـ "الطبقة الجديدة" (New Class) (Inglehart 1990)، أو"عمال المعرفة" (Knowledge Workers) (Drucker 1999) أو "الطبقة المبدعة" (Creative Class) (Florida 2002).
ويؤكد منتقدو هذه الفرضية، رغم ذلك، أن مجتمعات الأسواق لا تزال قائمة على الإنتاج الصناعي. ويعتبر سوجا (2000) وسكوت (1988) أنه رغم وجود بعض ما يسمى الابتعاد عن سياسية التصنيع، وخاصة في المدن الداخلية للبلدان الرأسمالية المتقدمة، فقد انتقلت الصناعة بشكل كبير إلى أطراف المدن. وتوفّر هذه المساحات الصناعية الجديدة المزيد من المرونة في أنظمة الإنتاج الصناعي والعمالة الرخيصة للوظائف التي سحبت منها المهارات في المرحلة ما بعد الفوردية، ولكنها تبقى ضرورية.
ثانياً، وكما يشير مصطلح "الدولة الصناعية الجديدة" (Newly Industrialised Country) فإنّ الكثير من عمليات الابتعاد عن سياسة التصنيع التي حدثت في العالم المتقدم على مدى العقود الأربعة الماضية قد رافقه ارتفاع سريع في التصنيع في البلدان النامية مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا والمكسيك والبرازيل. وقد تم تصدير الكثير من الإنتاج الصناعي من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية بحثا عن العمالة الرخيصة وغير المنظمة، والضرائب المنخفضة، والقوانين البيئية اللينة. وأدى ذلك إلى تقسيم دولي للعمل، حيث يتم في العالم النامي إنتاج العديد من البضاعة التي لا تزال تستهلك في البلدان المتقدمة، وتربطها عمليات العولمة مثل التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي المباشر.
يؤكد المدافعون عن العولمة كيف أن الوظائف الجديدة في المصانع تستطيع أن تجلب أجوراً أعلى من التي كانت متاحة سابقاً (مثل (Sachs 1189)). ولكن الأجور أقل بكثير من تلك الموجودة في البلدان المتقدمة، الأمر الذي يستفيد منه المستهلكون في الشمال والشركات المتعددة الجنسيات أيضاً. تملك هذه البلدان أيضاً ظروف عمل أكثر فقراً وغالباً ما تحرم العمال من حق تشكيل نقابات عمالية مستقلة.
وعلى العكس، فإنّ النمو في العمالة القائمة على الخدمات في البلدان المتقدمة تساعده الهجرة الدولية. أما وجهة العمال من البلدان النامية كأفريقيا، والمحيط الهادئ، والشرق الأوسط، وأسيا، وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية فهي البلدان المتقدمة في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا. وتقوم البلدان المتقدمة بـ "استيراد" خدمات من البلدان النامية رداً على نقص العمالة القصيرة أو الطويلة الأجل في المهن ذات مستويات المهارة كافة.
ويتمّ تشجيع المهنيين المتعلّمين تعليماً عالياً، كالأطباء والمهندسين، عبر سياسة الحكومات والأجور العالية للهجرة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، وقد يؤدي هذا إلى "هجرة الأدمغة" (Brain Drain)، حيث تفقد البلدان النامية "رأس المال البشري" (Human Capital) والعمال في الخدمات الأساسية، وغالباً بعد التمويل الكبير للتعليم والتدريب من قبل الدولة.
في الوقت نفسه، يهاجر العمال ذوو المهارات المتدنية من أجل العمل في وظائف الخدمات كالتنظيف والبناء (انظر أيضاً إلى النقاش حول "سلاسل الرعاية" في الفصل 9). وتشجع سياسات الحكومات ذلك كثيراً ولكن لا يمكن أن يؤدي هذا إلى حالات أقل استقراراً للعمال المهاجرين بسبب تأشيرات العمل المؤقتة والأجور المتدنية وظروف العمل القذرة والخطرة. ومع ذلك، فإن شكلي استيراد الخدمات أصبحا مصدرين هامين للدخل بالنسبة إلى البلدان النامية عبر التحويلات المالية (Castles 2000 ; 2001).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]