العلوم الإنسانية والإجتماعية

المرأة والعلم والنظرة إلى العالم

1998 تقرير1996 عن العلم في العالم

KFAS

المرأة والعلم العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

شيرلي مالكوم(1)

عَلِمتُ في درس من دروس علم النفس قبل بضع سنوات أن هناك مجموعة من النَّاس لم يؤثر فيها خداع البصر.

فحين يُطلب إلينا أن نحكم على خطين متساويين في الطول ولكن السهمين اللذين في نهايتي كل منهما متغايران في الاتجاه، نرى بحكم الطبيعة أن الخط (b) أطول من الخط (a) بسبب النمط الذي يشكل الخط جزءًا منه.

فقد جاء في كتاب تقليدي بعنوان أثر الثقافة في الإدراك البصري The Influence of Culture on Visual Perception. By Segall et al (1966).

أن الجماعات التي تعيش في وسط ليس فيه الكثير من الأشكال الخطية أقل عرضة لذلك الوهم. فجزء من ثقافتها والطريقة التي نشأت عليها. والعالم الذي عاشت فيه- حرَّرتها من التحيُّز الإدراكي الذي وقعتُ أنا فيه.

وتعلمتُ أن هؤلاء الناس، الذين يعيشون في عالم مستدير، حيث البيوت بلا زوايا، ولا يستعملون من الخطوط المستقيمة إلا القليل، يختلف إدراكهم للخطوط والنمط عن إدراكي لها.

وكذلك الأمر عندما يربَّى الأولاد والبنات الصغار بطريقة مختلفة، كما يُربَّون في الولايات المتحدة، تتكون لديهم منظورات(2) مدارك مختلفة. فمفهوم ممارسات تربية الطفل دون اعتبار لنوع الجنس مفهوم حديث إلى حد ما، وعلى أي حال، لا تلتزم به بانتظامٍ أمهاتٌ مثلي لا يستطعن التخلص من التقاليد.

 

فأنا أحب أن يكون لدى بناتي بيت الدمى الذي كان لي، وكذلك القطار الذي لم يكن لي. ونتيجة للطريقة التي رُبّيتُ عليها، لا أستطيع أن أفرّ من حقيقة أنني اكتسبت نظرة مختلفة إلى العالم.

وما زال الأولاد والبنات يُربُّون بطريقتين مختلفتين. فالفوارق البيولوجية التي بين الولد والبنت فوارق حقيقية كحقيقة التفاعلات بين البيولوجيا والثقافة.

وأعتقد أنه وإن كان نوع الجنس لا صلة له بالقدرة على حل المشكلات، فمن المحتمل أن يكون له تأثير في العملية التي تُحلُّ بها المشكلات، غير أنني بدلاً من أن أرى في هذا التنوع عجزًا، فإنني أرى فيه اختلافاً، وأرى قوة في هذه الاختلافات.

يعمل الكثيرون منا بجد فترات طويلة لكي يلتحق مزيد من النساء بوظائف في مجالي العلوم والهندسة. وثمة أسباب كثيرة تحدونا لأن نفعل ذلك: أسباب تتعلق بالاقتصاد، والمساواة في الفرص المتاحة، والاستقرار النسبي للوظائف، والاستفادة من المواهب، وكذلك ما ينطوي عليه الأمر من الرضا عن النفس والتحدي الفكري للنساء المعنيات بالأمر.

 

ونفعل ذلك أيضاً لأن العلم والتقانة لا يكونان بالجودة نفسها التي يمكن أن يكونا عليها، عندما يفتقران إلى منظورات أخرى. فإذا استُبعِدَت النساء والأقليات فإننا بذلك نفقد وجهات نظر أخرى عن العالم.

إن العلم نفسه يستخدم حجة المنظورات المتنوعة لتأييد فكرة تنوع الفئات العمرية في هيئات تدريس العلوم، أو في التبادل الدولي للعلماء، أو في معاهد البحوث المتعددة الجنسيات. فقد أجرى <A. تيلتش>  دراسة لمختبرات البحوث الأوروبية مثل المركز الأوروبي للبحوث النووية (CERN) بعنوان العلماء والشؤون العامة (1974, MIT PressScientists and Public Affairs، تبيَّن منها أن العلماء في المختبرات يشعرون بأنهم يستفيدون كثيراً من الاتصال والتفاعل مع زملائهم الذين لديهم تاريخ ثقافي مختلف وتقاليد ثقافية مختلفة، وأن هذه الاختلافات تؤثر في الطريقة التي ينظر بها كل منهم إلى العالم.

ومن الطريف أنها تؤثر في الطريقة التي يتوصلون بها إلى استنتاجاتهم- ولكنها لا تغير الاستنتاجات النهائية بالضرورة، وإنما تؤثر بكل تأكيد في السيرورات التي يتم التوصل بها إلى هذه الاستنتاجات. كما أن السيرورات نفسها توحي بأسئلة جديدة وصلات جديدة وعلاقات جديدة؛ وهذه كلها أمور ذات أهمية بالغة للأنشطة التي هي على أقصى حدود المعرفة.

وقد يعني تنوع العناصر الفعالة في العلم أن ننظر إلى مجموعة من القردة فنعرِّفها بأنها مرتبط بعضها ببعض بالسلوك العدواني تجاه الذكور – أو بالصداقات بين الإناث. وربما يؤدي عرض بديلين من هذا القبيل إلى تقويم أدق للتنظيم الاجتماعي.

 

ويمكن أن يشكل تنوع الزوايا التي ننظر منها الفرق بين تصميم دراسة لارتفاع ضغط الدم تجرى على الذكور فقط وتصميم دراسة تُجرى على الإناث أيضاً لأغراض المقارنة، باعتباره "النموذج الناجح". أو قد يعني تطوير خوارزمية بوساطة عملية تفكير معينة بدلاً من عملية تفكير أخرى.

ولكن العلوم تتضرر عندما تُستبعَد بالجملة طائفة كبيرة من الناس تختلف عن غيرها في نظرتها إلى العالم وآرائها فيه – سواء أكان ذلك الاختلاف مقصوداً أم عرضياً.

وبالنظر إلى الدور الأساسي الذي يؤديه العلم والتقانة في حياتنا، أعتقد بأننا يجب أن نحرص غاية الحرص على ألا يكون هذان الميدانان نادياً مقصوراً على فئة من الناس دون غيرها. وإنما يجب مكافأة جميع الناس على المنظورات المختلفة التي يمكن أن يأتوا بها إلى مسيرة العلم.

وينبغي العناية بتنمية ملكات جميع الأشخاص المهتمين والقادرين، لكيلا يصرفهم مجتمع لا مبالٍ أو سلبي عن هذا السبيل بسبب اختلافهم عن أغلبية المشتركين الحاليين فيه. إنني مسرورة لأنني عرفت أشخاصًا لم يؤثر فيهم خداع البصر. وربما يجعلنا تنوُّع نظرتنا إلى العالم في مجال العلم صادقين مع أنفسنا بشأن أشياء كثيرة أخرى.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى