المسائل المتعلقة بالحقوق العامة للإنسان حول عمليات نقل وزرع الأعضاء
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
– حق الاستقلالية
في الإطار العملي لحقوق الاستقلالية أو الاستقلال الذاتي (تقرير المصير والحرية الشخصية وحرية الاختيار) لا يملك الإنسان الميت حديثا المتبرع باعضائه ولا الجنين المجهض أي صوت، والشخص الوحيد الذي يدخل هنا في إطار حقوق الاستقلالية هو أقرب الأقربين.
للميت أو المرأة التي أجهضت وقدمت الجنين، بمعنى أنهم هم الذين يتخذون قرارهم بأنفسهم متحررين من أي إغراءات او ضغوط قد تؤثر فيهم ندما يناشدون، ولئن كانت محاكم الولايات المتحدة تمنح بعض حقوق الملكية محددة بالنسبة لرفات أحد الاقارب إلا أنها لا تسمح بأن يمتد حق الملكية إلى تعريض الرفات أو جثة الميت للمعاملات التجارية مثل بيع أعضائها لزرعها او لإجراء البحوث عليها.
والذي تسير عليه الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسماح للأفراد أن يقرروا التوصية بالتبرع بأعضاهم بعد الموت، أو بدون ذكر هذا التعبير، هو السماح لاسرهم باتخاذ القرار بذلك، ويستند هذا على قانون تنظيم المنح التشريحية (Anatom-ical Gift Act) ومع ذلك فحقيقة أن الكلى تؤخذ من متبرع أو مانح حي (الأمر الذي ينطبق ايضا على نقل الكبد على مجال واسع) تثير تساؤلا حول التجارة الاستغلالية.
وسوف نتناول هذا الموضوع فيما بعد مع إشارة تفصيلية لما يمكن أن يسمى السوق الدولية للأعضاء البشرية.
هذا، ولقد اصدرت بعض الدول (وبعض الولايات المتحدة بالنسبة للقرنيات فقط) بعض التعليمات بافتراض وجود موافقة أو وجود قوانين التبرع التي تسمح باستئصال عضو في حالة عدم وجود اعتراض واضح على ذلك.
ولقد ذكر فيتش Veatch (1989، ص 213). تعليقا مضادا لذلك بقوله إن هذه الدول ربما كانت حديثة العهد بالمحافظة على حقوق الإنسان، وينكر على المجتمع أن ينظر إلى أجزاء الجسم على أنها ملك الدولة فيأخذها أصحاب النفوذ.
ويذكر أن "لو كان الجسم ضرورة لهوية الفرد في مجتمع يقدر الكيان الشخصي والحرية الفردية، فيجب أن يكون أول حق للفرد هو التحكم في هذا الجسم.. حتى بعد انتهاء الحياة ايضا، وإذا ما كان أعضاء الجسم ستتاح للآخرين فلا بد أن يكون ذلك على أساس أنها هدية".
ومن جهة أخرى يعتقد تشايلدريس Childress أن على الفرد أن يأخذ في اعتباره الموافقة الضمنية وكذا التعبير عن الموافقة، فيما يتعلق بنقل أجزاء من جسم الإنسان (1989، ص 97).
وهناك رأي أكثر تطرفا يحبذ اجتثاث الاعضاء من الجسم حتى ضد رغبة الميت أو أسرته، نظرا لأن الأغراض الوقائية للاعتراف لا تنطبق على جثث الموتى التي لا يمكن اعتبارها كائنات ذات إرادة استقلالية، ولأن الفائدة التي تعود على الآخرين من نقل هذه الاعضاء تفوق كثيرا أي اعتبارات آخرى (جونسين Jonsen، 1988).
ويثير هذا بالتالي سؤال عن حالات الطوارئ التي ربما كانت مثيلة إذ يمكن مقارنة نقل الاعضاء والانسجة بسياسة التجنيد الإجباري في وقت الحرب.
فعلى سبيل المثال ربما تطلبت الإصابة الشديدة بالإشعاعات النشطة والقابلة للعلاج بأنسجة الاجنة إلى تبني بعض مبادئ النفعية الاجتماعية ولو بصفة مؤقتة او استثنائية من اجل إنقاذ النسيج الاجتماعي الذي يعتمد عليه وجود الفرد وبقاؤه.
– حقوق العدالة
ويعتبر حق المساواة أو العدل في الانتفاع بالاعضاء والأنسجة المأخوذة من الكبار أو الأجنة التي تحتاجها المحافظة على الحياة، والمساواة في التحرر من الضغط الذي قد يقع على الفرد من جراء الحصول عليها، من العوامل الرئيسية في مسالة التوزيع العادل للموارد المحدودة.
فتكنولوجيا إطالة العمر عن طريق نقل وزراعة الاعضاء خيار غير قابل للمناقشة لمعظم سكان العالم. ففي الولايات المتحدة مثلا نجد أن عمليات نقل وزراعة الأعضاء بما فيها التكاليف الخاصة بالرعاية داخل المستشفي تعتبر من العمليات الباهظة التكاليف لدرجة أنها بعيدة عن متناول معظم الافراد، وسوف يستمر هذا الوضع حتى مع تقدم هذه التكنولوجيا وتوافر المزيد من الأعضاء والجراحين.
ومع ذلك فإن جراحة نقل الاعضاء في الولايات المتحدة تمولها إدارة الرعاية الصحية للمحاربين القدماء (وهي برنامج تامين فيدرالي لكبار السن والمعوقين،) ، ويمولها بدرجات متفاوتة التأمين الصحي لخدمات المواطنين، كما تمولها ايضا بدرجات متفاوتة ايضا بعض شركات التامين الخاصة.
وهناك دعم لها من التبرعات الأهلية ومن الدعوة لمساهمة الجمهور، وهي الدعاية التي تتم أحيانا بإشراك بعض الشخصيات العامة سواء ممن لا يعلمون شيئا عن الاخلاقيات الرفيعة التي تقف من وراء الإجراءات المعمول بها لدعم المشاركة المتساوية في الموارد أو أشخاص لهم قيمتهم الحساسة في مجال العلاقات العامة ويمثلون رموزا لافعالهم.
وكان هناك جدل دائر حول احتياجات ومسئوليات المجتمع، فالحوار الجماعي، يؤكد للناس أنهم كأعضاء في المجتمع لهم حقوق ومطالب معنوية أخلاقية متساوية في اعضاء الجسم وان عليهم ايضا التزامات وواجبات متساوية للمعاونة (ربما عن طريق الضرائب) التي هي بمثابة مطالب وحقوق الآخرين (شوك Schuck 1989، ص 180).
وينادي هذا الحوار بصفة عامة بأن يكون لجميع الأفراد فرص متساوية لإطالة أعمارهم، بيد أنه لا يوجد مكان في العالم ينطبق عليه هذا المبدأ، فالفرص المتاحة للصحة ولإطالة الحياة تختلف باختلاف السلطة والمال والصلات الشخصية.
وقد تختلف أيضا بناء على حكم الاطباء أو المجتمع على القيمة المعنوية أو الاجتماعية للمرشح لنقل عضو إليه.
ويمكن ربط مثل هذا الحكم بدرجة استحقاق المريض للبقاء بسبب سلوكه الشخصي. وعلى ذلك اقترح أن يكون للمصاب بتليف كبدي متقدم نتيجة للإسراف في شرب الكحوليات ترتيب متأخر لنقل الكبد إليه عن الاشخاص غير المسئولين عن إصابتهم بهذا المرض.
ويتبنى هذا الاقتراح على اعتبارات العدالة ومن أجل كسب تأييد المجتمع، لان المصابين بهذا المرض نتيجة إدمان الكحوليات قد يحصلون على أكثر من نصف الأعضاء المتوافرة (موس Moss وشيجلر Siegler 1991).
وبفهم ضمنا ولو ضمنا ولو بطريقة غير واضحة وجود فكرة العقاب لانهم أولا وقبل كل شيء مسئولون عما أصابهم، ومن ثم فهم يستحقون ما وقع عليهم، هو ما كان بإمكانهم تجنبه بمزيد من الاستقامة وضبط النفس.
وتعتبر سياسة نقل وزرع الأعضاء من وجهة نظر الصحة العامة بمثابة فرع من قضية السياسة العامة الأصلية للصحة، التي تتمثل في مشكلة مواجة تكاليف الأمراض الخطيرة (بلومشتاين Blumustein، 1989، ص 6).
وهناك كتابات سابقة ذكرت "أنه بالنظر إلى الحالات المرضية المأساوية على أنها مشكلة وسياسة مستقلة تحتاج إلى ميزانية وتمويل مستقل فإن ذلك يعطي انطباعا بأن واجب الحكومة والتزامها بتقديم الخدمات الطبية ليس بدون حدود.
وفي نفس الوقت فإن الضرورات السياسية ووجهة النظر العامة (الوطنية والعالمية) تتطلب الاتفاق مع الفكرة أو الرأي القائل: إن تغطية الحكومة للنكبات والكوارث الصحية تعبر عن الخاصية الرمزية للأمراض التي تهدد حياة البشر؛ ولانها تواجه الحكومة بأسئلة اساسية عن الصورة الإنسانية التي يرى المجتمع نفسه فيها، كما أن الاحداث العرضية والمرضية للأفراد يحتمل أن تثير تعاطف الجمهور وتوفر دعمه لهم 0بلومشتاين Blumstein 1989 ص 9-11).
ومن المحتمل مع استمرار البحث والتطوير، وعندما تصبح عمليات وإجراءات نقل الأعضاء تقل تقيدا بسبب الإمداد بالأعضاء.
وتصبح أكثر روتينية عند القيام بها، أن تفقد وضعها السياسي المتميز الذي تتمتع به حاليا، وأن تضطر بدلا من ذلك إلى المنافسة على الحصول على الموارد الحكومية القليلة مع غيرها من السلع الاجتماعية وعلى مستوى اكثر مساواة. (شوك Schuck، 1989، ص 169).
– حقوق التبرع
تتعرض حقوق التبرع (مع التأكيد من أن العملية تتم لصالح المريض فحسب) أحياناً للتساؤلات إذا ما تبين أن ممارسة عملية نقل وزرع الأعضاء تتم بدافع بحثي أو اقتصادي او نتيجة لعلاقات عامة خلاف مصلحة المريض ورفاهيته.
وحتى في حالة عمليات نقل الأعضاء التي تتوافر فيها الخبرة الواسعة مثل نقل الكلى، فما زالت الأسئلة تطرح حول نوعية حياة المتلقي بعد العملية (سنسكي Sensky 1988).
ولقد اجريت عمليات نقل أعضاء تجريبية على سبيل المثال من أنسجة مختلفة (أو متماثلة) تتكون من أعضاء كاملة من كبد كامل، أو معدة أو اثنى عشر أو بنكرياس أو أمعاء دقيقة (الصائم واللفائفي) ووزعت في أطفال حديثي الولادة ثم ماتوا بعد مدة ليست طويلة (وليامز وآخرون، 1989).
ومع تفاؤل الجراحين من الوصول إلى نتائج طيبة على المدى الطويل، إذا ما أمكن حل المشاكل التقنية، إلا أنهم اعترفوا بأنه من العبث الحصول على نتائج سريعة على حساب طفل سوف يعتمد بقية حياته على التغذية بطريق الحقن (ص 1458).
وكان هناك أيضا تعبير عن القلق من أعباء إجراء عمليات نقل متعددة على بعض الاطفال وعلى أسرهم حينما يظهر تدهور حالة الطفل النفسية والاجتماعية (راينهارت Reinhart وكيمف Kemph، 1988).
ويعتمد الارتباط بين التبرع والفرص المتساوية للاستفادة، على اختلاف المكانة الخاصة بالشخص في مختلف الفئات البشرية وبخاصة من يتواجدون على هامش المجتمعات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في العالم.
وكما سنرى فيما بعض أوضح كولدر Kolder ورفاقه مثلا أن الفتيات من الأقليات العرقية غير المتزوجات اللاتي ينتمين إلى طبقات اقتصادية واجتماعية متدنية في الولايات المتحدة قد تعرضن للخطر من صدور أوامر المحكمة رغما عنهن بالتدخل الصحي لصالح الأجنة التي يحملنها.
وقد اثير موضوع التبرع في حالة حمل الطفل لكي يقدم خلايا نخاع العظام لزرعها في آخر (كما سيأتي ذكره بعد).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]