البيولوجيا وعلوم الحياة

المعاني الجزئية التي تدركها عملية الإبصار حول “بُعد المبصر”

2009 البصائر في علم المناظر

كمال الدين الفارسي

KFAS

المعاني الجزيئة التي تدركها عملية الإبصار حول البعد المبصر البيولوجيا وعلوم الحياة

واما البعدُ – أعني بُعد المبصر عن البصر – فإنه غير مدرك بمجرد الإحساس ، وليس إدراك بُعْد المبصَر إدراك موضعه، أو إدراكه في موضعه فإن إدراك المبصر في موضعه يتقوم من إدراك خمسة أمور فيه:

ضوئه، لونه، وبُعده، وجهته، وكمية بُعْده، ولأن البُعد بين الجسمين هو عدم مماستهما فالبعد بما بُعد من قبيل الوضع، وكميته من قبيل الكم.

فأما البُعد من حيث هو بُعد، فإنما يدرك بالقياس، وذلك لأن البصر إذا أحس بشيء لم يكن يحس به علم أنه ليس ثابتاً في نفس البصر بل هو متباين له، وإذا لم يحس به عند انطباق الأجفان علم أنه غير متصل بسطح البصر فعلم أن بينهما بعداً).

وأما الجهة فإنما يدركها من سموت الاشعة وهو يدركها بحسب الفطرة كالسمع يدركها أيضاً، أعني سموت ورود الاصوات وسنذكر ذلك في الوضع.

 

فأما كميته فتختلف إدراكها إذ من الابعاد ما يتحقق كميتها ومنها ما لا يتحقق، ونريد بالتحقيق واليقين في هذا العلم غاية ما يمكن للبصر إدراكه، وتحققها على وجهين:

الأول: أن يُسامت البعد الذي بين البصر والمُبصر أجسام مترتِّبة متَّصلة فإذا أدرك تلك الاجسام ومقاديرها أعني المسافات التي بين طرفي كلٍ منها فقد أدرك كمية بُعده عن البصر ضرورة لأنها تكون مثل جميع تلك المقادير.

 

وهذا إنما يكون إذا كان المُبصر على بُعدٍ معتدلٍ غير مُسرف في الطول حتى إدراك مقادير الأجسام المترتبة، فأما إذا كان على بُعدٍ مُسرفٍ، فلا يمكن وإن كانت الأجسام المترتبة المتصلة موجودة لأنه يفوته مقادير بعض الأجسام التي هي وراء البعد المعتدل.

 (وكذا إن كان على بثعد غير مُسرف، لكن لا يُسامت أجساماً كما ذكر كالسحاب إذا أدرك في المفاوز والسُّهول فإنه يظن أنه على بُعد من الابعاد السماوية.

 

فأما إذا كان فيما بين الجبال فربّما استترت به رؤوس الجبال، فيعلم أن بُعده مثل بعد رأس جبل أو اقرب، وتحقق مقادير الأجسام المترتبة هو أن الإنسان منذ أول نشأته يقيس المقادير الأرضية البعيدة والقريبة التي عليها يتردد بقدمه وخطوه وباعه وشبره، والرمح والقوس وغلوة السهم وسائرها لمقداره صورة ثابتة في الخيال يتداوله في باب التقديرات فيحصل له بذلك ملكة على تقدير المقادير المألوفة بها.

ولذلك كثيراً ما يقال: كان بيني وبين فلان قيد رمح او قاب قوسين أو غير ذلك، فإذا تمكن من تحقق مقادير الأجسام المترتبة وجمعها حصل كمية البُعد المطلوب).

 

والحاس يحس بتبين مقدار المسافة والتباسه، فإن المبصرات التي هي على أبعاد معتدلة اصدق رؤية ومعانيها أجل للنظر، فإذا أدرك مسافة من المسافات الأرضية فإنه في حال ملاحظة آخرها.

وللمبصرات التي في آخرها يحس بأنها من المسافات المعتدلة أو لا فإما أن لم تكن الأجسام، فإما أن لا يجد البُعد كما إذا رأى شخصين قائمين من بعد بعيدٍ بينهما بعدٌ مقتدر.

وكان الادنى منهما يستر بعضاً من الآخر ولم يدرك الأرض بينهما ولم يكن رآهما قبل فإنه حينئذ يظن انهما متماسان أو بينهما بُعد قليل أو يجد البُعد أعظم مما هو كما في السحاب المذكور، واعلم أن البعد المعتدل مطلقاً هو الذي ليس يخفى عند آخره جزء له نسبة محسوسة إلى جميع البُعد.

 

والبعد المعتدل بالقياس إلى المُبصر الذي منه يدرك البصر حقيقة مقداره هو الذي ليس يخفى عند آخره جزء من ذلك المُبصر له نسبة محسوسة بالقياس إلى المقدار المُبصر.

ولا معنىً من المعاني التي يؤثر خفاؤها في مائية ذلك المبصر، والبعد يتحرر بحركة سهم الشعاع على الأجسام المسامتة المترتبة المتصلة حتى يمسحها جزءاً جزءاً.

والوجه الثاني: أن يكون المُبصر من المألوفات وقد تكرر عليه صورته من أبعاد مختلفة مراراً كثيرة ولا شك أن هيئة المبصر تختلف بحسب بُعده.

 

فإن لكل بعدٍ من الأبعاد المألوفة أثراً في هيئة من بيان الأجزاء الصغار وخفائها ووضح معانيها واشتباهها فإذا تكررت عليه عرف أثر بعد بعد من المألوفة في هيئة، فإذا أدرك الهيئة من بُعد غير مسامتٍ لأجسام مترتبة عرف البُعد من هيئة الصورة.

أو يكون المُبصر المألوف قد عُرف عظمة، وعُرف بالتكرار كمية زاوية مخروطه من بُعد بعدٍ فإذا رآه وأحس بزاويته عرف البُعد. 

وإن لم يكن مسامتاً للأجسام المذكورة، وأكثر أبعاد المبصرات المألوفة يدرك على هذا الوجه، وهذا الإدراك وإن لم يكن في غاية التحرير لكنه لا يفاوت المحرر تفاوتاً مُسرفاً، ومن هذا الإدراك أخذ التعاليميون أن عظم  المُبصر يدرك بالزاوية فقط كما ستعرفه.

 

ثم إذا أراد تحقق البُعد ولم تجد الاجسام المترتبة استدل على البُعد من هيئة، فإن لم تكن المألوفة قاسها بالأشبه عندها من صور المالوفة وحدس من ذلك على بُعده، فربما أصاب وربما أخطأ، وهو أكثر، وربما لم يتحقق تخطيط صورته فيقيس مقدار جملة صورته بمقادير صور المبصرات المساوية لتلك الصورة في المقدار، أعني التي تحققت مقادير ابعادها فيشبه بُعد المبصر بأبعاد تلك المبصرات.

كما ترى أصحاب صور الكواكب (يذكُرُون أن بين الكوكب الفُلاني والفلاني قِيدَ رمح أو ذراعين أو غير ذلك تشبيهاً منهم الكواكب بسُرج قد تقدَّم إدراكها ليلاً عن مسافات لا تعطى شكل الذُّبالة، بل صورة مستديرة.

وهذا هو غايةُ ما تقدرُ عليه المميزة في التوصل إلى إدراك كمية الابعاد، فتصيب وتُخطئ، والتي تصيب فيها لا يتحقق إصابته).

 

وكذلك تدرك البُعد بين المبصرات المتفرقة، وإذا أدرك ابصر وضع المُبصر وكمية بعده فقد أدركه في موضعه، ومن إدراك المُبصر في موضعه اعتقد أصحاب الشعاع أن الإبصار يكون بالشعاع الخارج من مركز البصر المنتهي إلى المُبصر وبأطرافه يكون الإبصار.

وأوردوا على اصحاب الانطباع أن الإبصار إذا كان بالورود والصورة تحصل داخل البصر فلم يدركها البصر في موضعها خارج البصر، وذهب عليهم أن الإبصار ليس يتم بمجرد الإحساس، بل مع التمييز وتقدم المعرفة ولولاهما لفات البصر جميع المدركات سوى الضوء واللون بما هُما هُما.

وإذا كان تمامه بتوسط التمييز والقياس فلا احتياج إلى جسم أو غيره يخرج من البصر ويماس المُبصر.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى