المميزات المؤدية بـ”الإنسان” إلى الرقي والتطور عن الحيوانات والنباتات
2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثالث
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الحيوانات النباتات البيولوجيا وعلوم الحياة
الإنسان هو أنت وأنا، وكل أبناء أبوينا آدم وحواء، في الماضي والحاضر والمستقبل.
وعندما خلق الله أبانا آدم وأنعم عليه بنعمة العلم، أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآية خلقه. وجعل الله الإنسان خليفته في الأرض، وميزه على سائر مخلوقاته فيها بنعمة العقل.
فالإنسان ليس أقوى المخلوقات: فالأسد ووحيد القرن، مثلا، أقوى منه، وليس هو أكبرها: فالحوت والفيل، مثلا، أكبر منه، وليس هو أسرعها: فالببر والوشق أسرع منه، والكلب أقوى شما من الإنسان، والصقر أحد منه بصـرا، والخفاش أرهف منه سمعا، والبرغوث أعلى منه قفزا، بالنسبة إلى حجمه.
والأسماك تسبح في أعماق الماء، والطيور تحلق في أعالي الفضاء، أما الإنسان فإنه غير مكيف، بطبيعته، للسباحة أو الطيران.
ومع ذلك فاق الإنسان جميع المخلوقات بعقله. فالإنسان قد استأنس كثيرا من أنواع الحيوان والنبات وسخرها لمنفعته، وتغلب على الحيوانات القوية بأسلحته وحيلته، وحصن نفسه من الكائنات الدقيقة وهزمها بعقاقيره.
وهو قد ابتكر من الأجهزة ما يرفع به الأثقال الضخمة، واخترع أجهزة الغوص والسفن والسيارات والقطارات والمناطيد والصواريخ والطائرات فاجتاز المحيطات والبراري والصحاري بسـرعات فائقة، وغاص في أعماق الماء، وصعد إلى القمم، وطار في الهواء، وذهب ليغزو الفضاء ووضع قدميه على القمر.
وابتكر الإنسان وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، فترابط البشـر في أنحاء الأرض وتخاطبوا في لمح البصـر.
وهو قد اخترع أيضا المناظر التي تكبر الصغير وتقرب البعيد، وأجهزة القياس الدقيقة التي تقيس الزمن بأجزاء من الثانية، والمسافات بأجزاء من المليمتر، والأوزان بأجزاء من الجرام.
وأوقد الإنسان النار، واستخرج الفحم والنفط، وسخر طاقات البخار والكهرباء والشمس والرياح وتيارات المحيطات ونوى الذرات. وصدق القدماء عندما وصفوا الإنسان بأنه "حيوان عاقل".
والعقل هو الوظيفة الأولى للدماغ. ونسبة وزن دماغ الإنسان وهي نحو 1375 جراما، في المتوسط، إلى وزن جسمه أكبر من نسبة وزن دماغ أي حيوان إلى وزن جسمه: فدماغ الإنسان جزء من 50 جزءا من وزن جسمه، ودماغ الغوريلا جزء من 500 جزء من وزن جسمها، ودماغ الفيل جزء من 1000 جزء من وزن جسمه.
أما دماغ الحوت، التي تزن تسعة كيلوجرامات كاملة، فهي جزء واحد من 11000 جزء من وزن جسمه! ولكن دماغ الإنسان يمتاز أيضا برقي تركيبه ووظائفه.
فإذا ما وازنا بين دماغ الإنسان وأدمغة بعض الحيوانات، لوجدنا أن نصفي كرة المخ في الإنسان كبيران.
ونصفا كرة المخ هما أرقى أجزاء الدماغ وتختصان بالوظائف الذهنية: كالوعي والذكاء والذاكرة والتقدير والتخيل والابتكار. والواقع أن قشـرة الدماغ بالذات هي المختصة
بهذه الوظائف العليا، ومساحة سطحها في الإنسان أكبر من مساحة الدماغ نفسه، ولذلك فهي تنثني على نفسها كثيرا. ولذلك نرى في سطح دماغ الإنسان تلافيف كثيرة وعميقة.
والتجويف المخصص في الرأس للدماغ الكبير يجب أن يكون كبيرا. ولذلك كان من الضـروري أن يكون الفكان صغيرين، وتكون أجزاء الرأس الأخرى رشقة. وهكذا أصبح الوجه جميلا، ليس فيه بوز طويل قبيح، ولا أذنان كبيرتان أو شديدتا البروز.
ولما كان الإنسان يقف قائما على اثنتين، وليس على أربع، أصبح الرأس يحتل مكانا رفيعا في قمة الجسم. وتستطيع الحواس في ذلك الوضع أن تستكشف البيئة من حولها بطريقة أفضل.
وشفتا الإنسان وعضلات وجهه قادرة على الحركة بطلاقة، وهذا ي جعل وجه الإنسان – دون الحيوان – وجها معبرا عما في النفس: بالابتسام أو العبوس، وانبساط الأسارير أو تقطيبها، والضحك والبكاء، وهكذا. ولهذا وصف بعض القدماء الإنسان بأنه "حيوان ضاحك".
والإنسان هو المخلوق الذي يثقف ويمشـي منتصبا ورأسه فوق رجليه تماما. وهيكله العظمي مبني وفيه هذا التوازن البديع.
وقدما الإنسان تحملان جسمه فوقهما. وهما متكيفتان تماما لهذه المهمة، ففقدتا، إلى حد كبير، قدرتهما على القبض على الأشياء.
فإذا ما وازنا بين قدم الإنسان وأقدام القردة العليا، وجدنا أن قدم الإنسان قد اتسعت واستطالت وقصـرت أصابعها واتجهت كلها إلى الأمام.
ويمشي الإنسان على باطن قدمه، أما الشمبانزي، مثلا، فإنها تمشـي أحيانا على اثنتين ولكنها لا تكون منتصبة القامة، كما أن تباعد رجليها يجعلها تتأرجح يمينا ويسارا. ويمشي الإنسان على باطن قدمه، أما الشمبانزي فإنها تمشـي على ظاهر أصابع أقدامها وهي مقلوبة مضمومة على باطن القدم.
وقدم الإنسان مقوسة طوليا بين العقب وقواعد الأصابع، وكذلك تتقوس عرضيا عند قواعد الأصابع. وهذه التقوسات تساعد على امتصاص الصدمات عندما نمشي أو نجري أو نقفز. فهي تعمل عمل اللوالب في السيارة.
ووضع الإنسان القائم ومشيه على قدميه، حررا ذراعيه تماما. وهذه نعمة كبرى، فقد استطاعت اليدان الماهرتان أن تستجيبا للدماغ الراقي.
فيد الإنسان قادرة على الإتيان بحركات لا حدود لها، ولكن تتميز فيها قبضتان رئيسيتان: قبضة قوية بضم الأصابع على راحة اليد، فتصبح قادرة على الرفع والدفع والجذب والثني والضـرب والبطش، وقبضة دقيقة بين الإبهام وأطراف الأصابع الأخرى، وعلى الأخص الأصبع السبابة والوسطى.
وهكذا أصبحت اليد قادرة على اصطناع الآلات واستخدامها وإتقان سائر المهارات. فاليد هي التي نحتت أجمل التماثيل من الصخر، ورسمت بأبدع الألوان، وهي التي عزفت أعذب الألحان، ويكفي أنها أمسكت القلم فكتبت وصنعت حضارة الإنسان.
ووضع الرأس المرتفع، وتشـريح عضلات الوجه والفكين، ساعد على حسن نمو جهاز الصوت وحرية حركة اللسان، مع حرية حركة الشفتين.
وكان لهذا، مع عقل الإنسان وروحه الاجتماعية، الفضل في نشأة لغات الإنسان ورقيها وتطورها، حتى وسعت كل علومه وآدابه وفلسفاته، وعبرت عن جميع آرائه وخيالاته وأحلامه.
وأكملت اليد الماهرة المهمة، فسجلت اللغات بكافة الوسائل حتى انتهت إلى الطباعة ووسائل التسجيل الصوتي والإلكتروني، فارتفع معدل تقدم الحضارة الإنسانية بالشكل المذهل الذي نراه في الوقت الحاضر.
فالحضارة الإنسانية إذن هي نتاج: عقل الإنسان، ويده، ولغته. وصدق الله العظيم، والخلاق المبدع الكريم: قال تعالى(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) التين 4.
وللإنسان مقدرة عظيمة على التكيف للحياة في البيئات المختلفة. ولهذا فهو قد انتشـر في جميع أرجاء الأرض: من القطبين قارسي البرد إلى خط الاستواء شديد الحرارة، وفي الصحاري الجافة والغابات المطيرة الرطبة، وعند القمم وفي بطون الأودية.
بل إن الإنسان قد اهتدى بعلمه وواسع حيلته إلى أن يكيف البيئات كي تناسبه وتكون وفق هواه، بدلا من أن يتكيف هو لظروفها القاسية.
ومن مزايا الإنسان مقدرته على تنظيم مجتمعاته، مع احتفاظ أفراده بحرياتهم. فكل إنسان يستطيع أن يعيش حياته كما يريدها أن تكون، في حدود الإمكانات والنظام والقانون. ويستطيع كل فرد أن يمتاز في شيء، ولذا كان منا الشعراء والأدباء، والفلاسفة والعلماء، والمهندسون والأطباء، والموسيقيون والرسامون والممثلون، وغير ذلك كثير.
وهؤلاء جميعا يكمل بعضهم بعضا فيجعلون من المجتمع البشـري بنيانا قويا كاملا من جميع جوانبه.
ويساعد على رقي حضارة الإنسان واستمرار تقدمها جيلا بعد جيل طول فترة طفولة صغاره حتى يكتمل نمو دماغهم، وطول فترة التصاق الأطفال بآبائهم، حتى يكتسبوا منهم خبرات المجتمع السابقة ثم يزيدوا عليها.
ولكن أعظم مزايا الإنسان كلها إحساسه بالقيم الدينية والخلقية وحبه الفطري للخير والجمال، وتمتعه بملكة الضمير ومحاسبة النفس.
ولقد كرم الله الإنسان، فقد قال تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الاسراء 70. ولما ميزه بالعقل جعله قادرا على التمييز بين الخير والشـر والاختيار بينهما.
ولذلك كلفه بشـريعة الدين وفرض عليه الفرائض، وجعله موضع الاختبار في الحياة الدنيا ليجزيه في الآخرة بثواب الجنة ورضوان الله عليه، أو عقاب النار وغضب الله عليه.
وفي مراتب الخير ضرب الإنسان أرفع الأمثلة لكل خلق كريم، حتى إنه بلغ المرتبة التي تجعله جديرا بأن يختار الله من بينه الأنبياء والرسل، وظهر من بني الإنسان كثير من الأبرار والصديقين والصالحين، والأبطال والعلماء والشهداء.
ولكن الإنسان قد يتدنى إذا أهمل تربية نفسه فعصـى ربه إلى الكفر وارتكاب أفظع الجرائم وأبشع الآثام. وينبغي على الإنسان أن يستخدم عقله ليهديه إلى طريق الإيمان والخير.
يقول الله سبحانه وتعالى(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد 10، ويقول أيضا قال تعالى( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) الانسان 3.
وقد جعل الله الأرض وخيراتها، في برها وبحرها، مذللة لانتفاع الإنسان بها. وأمره أن يدرسها ويتعلم خصائصها ويحسن استغلالها فالإنسان هو خليفة الله في أرضه، وهو المكلف بتعميرها.
ولكن مطامع الإنسان قد تزين له إفسادها وسوء استغلال مواردها، وعدم المحافظة على حيوانها ونباتها. وهو بهذا يحدث خللا في الاتزان البيئي من حوله، بقطع الأشجار وإفناء الحيوان أو الإكثار منه بلا روية.
ولما أقام الإنسان آلاته ومصانعه سبب تلوث البيئة من حوله. وكان من نتيجة ذلك أن ازدادت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وأخذت درجة حرارة جو الأرض في الارتفاع، بل إنه خرق، بسوء تصـرفه، طبقة الأوزون التي تحفظ الأرض من الجزء الضار من أشعة الشمس.
بل إن الناس أنفسهم، قد ينقلب بعضهم على بعض، بسبب الأطماع والتعصب وضيق الأفق، فتنتشـر بينهم المذابح الدامية والحروب المدمرة، التي تهدد بالقضاء على حضارة الإنسان.
ولكن الحكماء من بني الإنسان يسعون جاهدين إلى معالجة هذه الأمور، بالموعظة الحسنة ودعوة الناس إلى أن يثوبوا إلى رشدهم ويحكموا عقولهم، ويرجعوا إلى الإيمان بالله وكتبه ورسله، واتباع شريعته شريعته وإلى الإفادة من موارد الأرض بأسلوب رشيد، وإلى أن يجعلوا التعاون بين الدول بديلا للعداوة بينها.
وإذا قدر للإنسان أن ينجح في هذا نجا وازدهرت حضارته، وأصبح جديرا باستخلاف الله له في الأرض، وبما اختصه به من نعمة العقل، وبأن يسعد في دنياه وآخرته.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]