علم الفلك

المهمات الاستكشافية إلى المريخ

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

المهمات الاستكشافية إلى المريخ

تم إرسال العديد من المركبات الفضائية نحو المريخ وحظى بعضها بنجاح باهر فيما فشل البعض الآخر بدون سبب واضح – ومن الطريف أن الروس لم يوفقوا إلا قليلاً، إما بسبب أن مسابيرهم انقطع الاتصال معها، أو تحطمت عند هبوطها دون أن ترسل أي معلومات مفيدة أو ضلت سبيلها إلى الكوكب الأحمر تمامًا. وهذا مثير للاهتمام نظرا إلى نتائجهم الممتازة مع كوكب الزهرة، وهو هدف أشد صعوبة.

وبقي لناسا أن تتقدم تلك المهمة، وهو ما فعلته في عام 1964 باستخدام مارينر 3 و4. أما الأولى فأخفقت، ولكن مارينر 4، التي أطلقت في 28 نوفمبر، مرت بمقربة من المريخ في 14 يوليو 1965 على بعد 9789 كيلومتر (6080 ميل)، وبعثت بأكثر من 20 صورة دفعتنا لتغيير كافة أفكارنا حول المريخ. (مضى المسبار نفسه في طريقه حول الشمس وفقد نهائيًا في ديسمبر 1967، وليس ثمة شك في أنه ما يزال يدور حول الشمس.) ومما أدهش الكثير من الفلكيين –وليس كلهم – أن المريخ له فوهات، وأنه يبدو ظاهريًا أشبه بالقمر منه بالأرض. وصارت القنوات أخيرًا ضربا من التاريخ، وتأكد أن المناطق المظلمة ليست دليلاً على وجود أي نوع من الحياة النباتية. ثم جاءت مركبتا مارينر 6 و7، وقد أطلقتا في مطلع عام 1969، ومرتا بالقرب من المريخ في 31 يوليو و4 أغسطس على التوالي، وأرسلتا صورًا واضحة مع على بعد أكثر من 3400 كيلومتر (2000 ميل). ومرة ثانية أظهرت الصور وجود فوهات وقمم. ولسوء الحظ، جميع بعثات مارينر الأولى قامت بمسح الأجزاء الأقل إثارة للاهتمام من سطح المريخ.

كانت مارينر 9، التي أطلقت من كاب كانيفيرال في 30 مايو 1971، أكثر طموحًا، إذ كان جدولها المقرر أن تدخل مدارًا مغلقًا حول الكوكب، وهذا ما قامت به بالفعل في 13 نوفمبر. وبلغ بها مدارها إلى 1700 كيلومتر (1050 ميل) من الكوكب، وتمكنت إجمالاً من إرسال 7329 صورة قبل فقد الإتصال بها في أكتوبر 1972. وكانت مارينر 9 هي التي أعطتنا المشاهد الأولى للبراكين العظيمة، بما فيها جبال أوليمبوس شاهقة الارتفاع، وهو ثلاثة أضعاف ارتفاع جبل إيفريست عندنا وتتربع على قمته فوهة تبلغ 85 كيلومتر (53 ميل). وتبين وجود انتفاخين ظاهرين في القشرة، هما ثارسيس وإليزيوم، حيث نجد البراكين الرئيسية. وعلى امتداد انتفاخ ثارسيس، تقع جبال أسكرايوس، وجبال بافونيس، وجبال أرسيا، وكلها كانت مرئية للمراقبين من الأرض بالرغم من عدم إمكانهم اكتشاف ماهيتها (كان المعتقد أن جبال بافونيس بحيرة، بينما كانت جبال أوليمبوس تدعى نيكس أوليمبوس Nix Olympica، أي ثلوج أوليمبوس). إن نصفي المريخ ليسا بمتشابهين: بشكل عام، فإن الجزء الجنوبي من الكوكب أكثر ارتفاعًا، على الرغم من احتوائه على حوضين عميقين، هما هيلاس وأرغيري. أما نصف الكرة الشمالي فهو أقل من حيث الارتفاع وعدد الفوهات، بالرغم من اشتماله على قسم من سلسلة ثارسيس.

كانت هناك وديان عظيمة، من أبرزها وادي مارينر، إلى الجنوب مباشرة من خط الاستواء، وهو يمتد لأكثر من 4500 كيلومتر (2800 ميل)، ويبلغ أقصى عرض له 600 كيلومتر (370 ميل)، وأعمق نقطة فيه 7 كيلومتر (4 ميل) تحت الحافة. توجد أنظمة معقدة مثل نوكتيس لابيرينثوس (التي كان يعتقد أنها بحيرة تسمى بحيرة نوكتيس)، بوديانها الضيقة التي يبلغ عرضها حتى 20 كيلومتر (12 ميل)، فتُشكل النمط الذي يطلق عليه اسم الثريا. وهناك أيضًا ما لا يمكن إلا أن يكون مجاري أنهار جافة، مع وجود ‘جزر’، كما توجد فوهات تتراوح بين نطاق واسع وحفر صغيرة. والفوهة التي أطلق عليها اسم سكياباريللي تكريمًا له، لها قطر قدره 461 كيلومتر (287 ميل).

لقد أكدت مارينر على أن القمم القطبية تتكون بشكل رئيسي من الماء الجليدي، مع طبقة موسمية خارجية من جليد ثاني أكسيد الكربون.

وللأسف، اتضح أن الغلاف الجوي أكثر تخلخلاً مما كان متوقعا. فبدلا من كون الضغط الأرضي للكوكب حوالي 86 مليبار، وهي القيمة التي كانت مقبولة بشكل عام حينذاك، تبين أنه أقل من 10 مليبار في كل مكان – وبدلاً من أن يتألف من النتروجين، فإن معظمه من ثاني أكسيد الكربون النقي. وخلال فصل الشتاء الجنوبي، عندما يتكثف ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو على القمة القطبية الكبيرة، ينخفض الضغط الجوي بشكل ملحوظ.

بعد سلسلة من الإخفاقات الروسية، عادت ناسا إلى المريخ في عام 1975 وأرسلت مسباري فايكنغ. وتألفت كل منهما من مركبة مدارية ومركبة هبوط. استأنفت المركبتان المداريتان عمليات المسح التي بدأتها مارينر 9، بالإضافة إلى إرسال البيانات الواردة من مركبتي الهبوط اللتين هبطتا بلطف، الأولى في 19 يونيو 1976 في ’السهل الذهبي’، كريسي (22.4° شمالاً، و47.5° غربًا) والثانية في 7 أغسطس التالي، في يوتوبيا (48° شمالاً،و 226° غربًا). وتم إيقافهما ببطء باستخدام المظلات أثناء عملية الهبوط بالإضافة إلى الصواريخ الرجعية، وبذلك هبطت بسرعة لا تزيد عن 9.6 كيلومتر/ساعة (أقل من 6 ميل/ساعة) بحيث تجنبت بهدوء الصخور الضخمة المتناثرة على السطح. كلتا المركبتين استخدمتا ‘كلابات’ لجمع عينات من السطح ثم العودة بها إلى المسبار ليتم تحليلها بدقة. كانت النتائج محيرة بعض الشيء، لكن لم يكن هناك دليل قاطع عل أي نشاط حيوي، وكذلك لم توجد أي من ‘الزلازل المريخية’ القوية. فقد أظهرت صور السطح صحارى قاحلة وصخرية، مع طبقة رقيقة من مادة حمراء. و كانت السماء وردية مائلة للون الأصفر، أما الرياح فكانت خفيفة وتراوحت درجات الحرارة من -96° بعد الفجر إلى -31° بحد أقصى عند الظهر تقريبًا. وحين ‘انقطع صوت’ مركبتي ﭬايكنغ أخيرًا، توجه معظم الفلكيين إلى التخلي عن المريخ لكونه كوكبًا عقيمًا وخاملاً. لكن الأفضل كان منتظرا على الأبواب!

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى