العلوم الإنسانية والإجتماعية

النتائج الغير مقصودة لعلوم الطب البيولوجي

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

طبيعة المعارف الجديدة

ترجع عدم القدرة على التنبؤ جزئيا إلى طبيعة التشابك والتفاعل في البحوث المعاصرة عن معلومات جديدة. 

ولقد زالت الحدود التقليدية الصارمة بين العلوم او تجزأت أو عدلت او امتدت.  ومن الصفات الواضحة التي تميز البيولوجية الجديدة هي أن العمل والبحث في أحد مجالاتها يتداخل بدرجات متفاوتة مع البحث في المجالات الأخرى.

فليس من شك في أن الاكتشافات التي تتم في أحد المجالات تكاد تؤدي حتما إلى خلق أفكار وتقنيات يمكن تطبيقها على نطاق واسع في مجالات أخرى مختلفة (كوشلاند Koshland، 1986، ص9م). 

ويوجد التداخل ايضا حينما يحدث التفاعل بين الجهود الزراعية والصناعية والبيئية وبين جهود الطب "فلا بد لنا من أن نُظهر قدرتنا على التفكير من خلال النتائج الممكنة لاتجاهات البحوث المستقبلية وإعداد اختيارات التمويل بناء على ذلك" وليس لمجرد "التقدم" في أي اتجاه (بركويتزBerkowitz، 1989، ص874).

 

القيم والحقوق المتضاربة

يتعرض تأكيد الأمم المتحدة الخاص على الحقوق الصحية، النابعة من التقدم العلمي، للتعقيد بتأثير النتائج الاجتماعية والثقافية للمعلومات الجديدة عن الطب البيولوجي وتقنياته. 

وينطوي الكثير من هذه النتائج على قيم تنسب إلى كل من العدالة (التحرر من قيود عدم المساواة على أساس طبي وكذلك على أساس الفرص المتساوية) والنفعية والاستقلالية.

ومنذ القدم كان الانتفاع بالبحوث الإنسانية يدور حول تلقي المريض أو عدم تلقيه لبعض الفوائد المباشرة من الطب أو الإجراءات المتبعة. 

 

ومع تكوين الإجماع الكافي على ضرورة تلقي المريض للرعاية والخدمات المتاحة، أصبحت البحوث تدور حول كيفية إدارة هذه العملية، وما هي نتائج البحوث التي تطبق، ومتى تطبق ومن الذي يطبقها، وفي أي مضمون تطبق، وما هي الاهداف النهائية وفي كل الحالات كانت القيم الخاصة بثقافة الجمهور المتلقي هي أساس الحكم على هذا الانتفاع. 

ففي الديمقراطيات الصناعية على سبيل المثال وجد أن استكشاف وجود المواد المخدرة في البول والمنى على الطرق البحثية ضروري لعلاج ضحايا الحوادث في عيادات الطوارئ بمستشفيات المدن. 

ولكن اعتبر هذا الاختبار ذاته كجزء من الفحص العشوائي الشامل لاشخاص اقل خطورة انتهاكا للحقوق المدنية للمواطنين غير المستعدين لقبوله في حالات البحث والتقصي الذي لا مبرر له، وكذلك انتهاكا للحرمات الشخصية أو الخصوصية أو الحصانة، ومحاولة للتجريم الإجباري. 

 

ونظرا لأن هذا الاختبار ينطوي على أخذ عينة البول تحت ملاحظة شخصية مباشرة فقد وصفت محاكم الولايات المتحدة ذلك بأنه انتهاك بالغ للحرمات أو للخصوصية، وعملية مهينة (فيها إهدار لكرامة الإنسان واحترامه لذاته، (كوران Curran 1987، ص 320). 

ومن الواضح أن هذه القيم التي تؤكد على الحرمات أو الخصوصية والاستقلالية قد لا يكون لها نفس الأهمية والوزن في دول أخرى أكثر تمسكا بالصالح العام للدولة أو المجتمع. 

وينطبق هذا على كثير من المجتمعات ذات التوجه للاهتمام بالانساب.  وتنطبق أيضا على بعض المجتمعات السلطوية التي بسبيلها إلى التحديث والتي قد تكون المسألة فيها موضع خلاف. 

 

ففي كوبا على سبيل المثال مع الاختبارات العامة للإصابة الجماعية لفيروس العوز المناعي المكتسب "الإيدز" المفروضة من أجل عمل احتياطات العزل المناسبة للأشخاص إيجابي الفحص يبقى تأثير هذه الاختبارات ودلالة حقوق الإنسان في حالة مسئولية الشخص عن تغيير سلوكه معلقا وغير مستقر في مقابل التعليمات والتنظيمات المفروضة (بيريز ستيبل Perez Stable، 1991). 

والمواطن الغربي في المناطق الصناعية هو وحده المواطن المقتنع بقيمة المعلومات التي تؤخذ عنه أو عنها وتنعكس عليه أو عليها لدرجة أنه أصبح واضحا أن هذه المعلومات تكون في حد ذاتها مطلبا يجب على الآخرين احترامه كأفراد (برودي 1991/ج).

ويقدم تناول وباء الإيدز AIDS أو مرض فقدان المناعة منظورا آخر للمضمون الاجتماعي المتغير بالنسبة للطب البيولوجي وتقنياته. 

 

ففي هذه الحالة نجد أن المضمون يتعلق بموقف الجمهور والمتخصصين المهنيين من المرض وتقنيات الكشف عنه وعلاجه. فكما تذكر انجبيل Angell يميل الإيدز إلى أن يكون مرضا يصيب أناس "يصبحون لسبب أو لآخر عرضة للتعصب عليهم" (1991، ص 1498). 

ونظرا لأنهم يعتبرون حاملين للفيروس فقد يوصمون بالمرض وما ينطوي عليه ذلك من آثار اجتماعية قاسية.  لذلك فإن الذين يعانون من هذا المرض وكذلك ذويهم قد نجحوا في الدعوة إلى الحفاظ على السريعة والدعوة إلى الحفاظ على السرية والدعوة ضد متابعة وفحص المخالطين لهم جنسيا. 

أم الآن ومع انتشار الوباء، وغصابة بعض القائمين بالرعاية الطبية به، وزيادة عدد المواليد المصابين به، فإن هناك معارضة متزايدة ضد سياسة السرية الصارمة (باير، 1991).  مع التأكيد على تتبع المخالطين وإجراء الفحوص الشاملة لجميع النساء الحوامل. 

 

وتوصي آنجيل (1991) باتباع أسلوب مزدوج يفضل بين المشاكل الاجتماعية والمشاكل المتعلقة بالإصابة بالمرض. 

وقد يحتاج ذلك إلى إجراءات وقائية بالنسبة للأعمال، والاستفادة من خدمات الإسكان والخدمات التأمينية، ووضع برنامج قومي ممول يماثل برنامج المرحلة النهائية لمرضى الكلى، ينفذ على المصابين بمرض نقص المناعة المتكسب (الإيدز). 

وتعتقد انجيل أنه لن يمكن اتخاذ الإجراءات الأساسية لمكافحة المرض وتتبعها بنجاح إلا إذا قضى على التحيز الاجتماعي والاقتصادي ضد المصابين بقوة التشريع.

 

وهناك تحديد آخر غير مقصود للقيم التي تعترف بمحدودية قدرة الإنسان على تحسين الوظائف البدنية أو تأخير الموت.  فإن هذه القيم تمتد إلى البناء الاجتماعي الأساسي المتوقع أن يكون من مكوناته الأساسية ضمان السلامة من الإصابة بالأمراض الخطيرة والعجز. 

فإجراءات التشخيص والعلاج التي تهدف إلى مساعدة المرضى غير متوافرة بالعدل والتساوي عوعلى الرغم من وجود حسن النية إلا أن إدارتها ليست مفيدة في كل الحالات، بل قد تكون معوقة لممارسة الفرد لاستقلاليته. 

 

ولعل التكنولوجيا الخاصة بضمان حياة إنسانية مريحة أطول للمريض أو المصاب والمعوق أو موته، قد تؤدي، على العكس إلى توافر فرص اقل إنسانية لمن تتعرض حياتهم للخطر أو المصابين بأزمات، ولأهليهم. 

ولقد بلغ وجود امثال هؤلاء من "سجناء" التكنولوجيا الطبية في المجتمعات المتقدمة (انجيل، 991)، حدا وصل بالأمر إلى أن أصبح مشكلة اجتماعية (انظر الفصل 7).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى