النهج التحليلة لبيان تأثير التجارة في ظاهرة الاحتباس الحراري
2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري
تشارلزس . بيرسون
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
تأثير التجارة في ظاهرة الاحتباس الحراري ظاهرة الاحتباس الحراري علوم الأرض والجيولوجيا
يتناول هذا الفصل دراسة النقاط المتداخلة ما بين المناخ وسياسته مع نظام التجارة العالمي.
ويعود تاريخ مسألة التجارة والبيئة لعام 1972 الذي انعقد فيه "مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية" (United Nation Conference on the Human Environment) والذي يُطلق عليه بمؤتمر ستوكهولم (Stockholm).
وفي العام ذاته، أصدرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) نشرياتها تحت عنوان "المبادىء التوجيهية" (Guiding Principles) المتعلقة بالجوانب الاقتصادية الدولية للسياسات البيئية(1).
وفي ذات الوقت، كانت الاهتمامات الأساسية تنصب على آثار الأنظمة البيئية على التجارة: أثر الخلافات التنافسية ضمن البلدان في التشدد في تخفيف التلوث، واستخدام معايير الإنتاج المرتبطة بالبيئة بحيث تُغطي تلك المعايير حتى العوائق التجارية الخفية.
والاستخدام المناسب للتدابير التجارية لحث أو إجبار الشركاء التجاريين على تغيير ممارساتهم البيئية [الضارة].
وفي وقت لاحق، أُضيف اهتمامٌ آخرٌ هو – آثار التجارة الدولية على البيئة، وباستخدام أكثر تحديداً، آثار التجارة على ظاهرة الاحتباس الحراري. كل هذه الاعتبارات إلى حدٍ ما تتعايش معنا اليوم في النقاش حول التجارة وسياسة ظاهرة الاحتباس الحراري.
يبدأ هذا الفصل أولاً بالقضية التي تعتبر الأكثر حداثة حالياً – تأثير التجارة وتحرير التجارة في التغير المناخي.
ومن بعد ذلك يتناول قضية مهمة ومثيرة للجدل حول تأثير سياسات ظاهرة الاحتباس الحراري على القدرة التنافسية الدولية، ومسألة تسرب الكربون ذات الصلة. والجزء التالي سيتناول "الوسم الكربوني" (Carbon Labelling)، و "الغذاء ميلاً" (Food Miles) ، والموضوعات الأخرى ذات العلاقة.
أما الأجزاء الأخيرة فستتناول تصاريح التداول التجاري، وما يسمى بـ "المرض الهولندي" (Dutch Disease)، فضلاً عن تناول تلاعب التجارة الدولية يتصاريح الانبعاثات.
تأثير التجارة في ظاهرة الاحتباس الحراري
هل التجارة الدولية مفيدة أم مضرة للبيئة؟ وهل يُسهم تحرير التجارة في حصول ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي؟
لقد استُخدمت ثلاثة نُهجٍ للإجابة على هذين السؤالين. كما أن المنهج المهيمن على غيره من النُهج يعود أصوله إلى المنهج المتتبع للدراسات السابقة لـ "اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية" (North American Free Trade Agreement: NAFTA)، المنجزة من قبل غروسمان وكرويغر Grossman and Krueger 1993)
وقد أُعيدت صياغتها لاحقاً من قبل كوبلاند وتايلر (Copeland and Taylor 2003). وضمن هذا الإطار، تنتقل تأثيرات تحرير التجارة عبر ثلاث قنوات: "أثر النطاق" (Scale Effect)، و "أثر التشكيل" (Composition Effect)، و" أثر التكنيك" (Technique Effect).
فأثر النطاق يمكنه قياس الزيادة في الإنتاج والتلوث المصاحب لتحرير التجارة الحرة، وما يكون له تأثيرٌ سلبيٌ على البيئة(2). أما أثر التشكيل فيقيس التغيرات في هيكلية الإنتاج، الذي يتغير استجابة إلى الفرص التجارية البديلة.
حيث إن أثر تحرير [التجارة] سيخفض من التلوث ويؤثر إيجابياً في البيئة إذا ما كان الاقتصاد يتمتع بميزة نسبية مقارنة في "المنتجات النظيفة" (Clean Products)
لكن ذلك سيزيد من التلوث ويؤدي إلى تدهور البيئة، إذا ما كان الاقتصاد يتمتع بميزة نسبية مقارنة في "المنتجات القذرة" (Dirty Products). (على الرغم من استخدام هذا المصطلح على نطاق واسع، إلا أنه ليس دقيقاً جداً. فهو ليس بالمنتج المطلوب، بل عملية الإنتاج تعتبره منتجاً ملوثاً).
يقيس أثر التكنيك استجابة السياسة البيئية للزيادة ا في الإيرادات لحقيقة المصاحبة لتحرير التجارة. فإذا استجابت السياسة، فيفترض ذلك التشديد أن يكون في معايير تخفيف التلوث، وعلى الشركات ان تستجيب عبر استخدام تكنيكات الإنتاج النظيف لتؤثر ذات تأثير إيجابي على البيئة.
فالأثر الصافي لهذه القوى الثلاث سيعتمد على حجم أثر النطاق (سلبي)، وعلى حجم أثر التكنيكات (إيجابي)، وعلى ميزة المقارنة في الاقتصاد المعني في المنتجات النظيفة أو القذرة التي هي في محل تساؤل(3).
والاستنتاج الهام هو أنه إذا كانت سياسات بيئية كفوءة موجودة فعلاً، فإن التجارة ستُعزز من الرفاهية الاجتماعية. ولكن إذا كانت السياسات البيئية ضعيفة جداً أو غائبة، فإن المنافع المتحققة من التجارة أن تفقد ثقلها من جراء الخسارة المترتبة عن زيادة التدهور البيئي. وعليه قد تكون هناك حاجة لجراء تحسينات في السياسة البيئية.
إن هذا الإطار مفيد في فرز أشكال التفاعل ما بين التجارة والبيئة، وفي توضيح ما يُعرف بـ "منحنى كوزنتس البيئي" (Environmental Kuznets Curve: EKC، والتحري بشأن "فرضية ملاذ التلوث" (Pollution Haven Hypothesis)، ولكن هذه الأمور غير مفيدة للغاية في حالة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
إن أول من اقترح منحنى كوزنتس البيئي هو كلاً من غروسمان (Grossman) وكرويغر (Krueger)، الذي يأخذ هيئة الحرف U بالمقلوب، حيث يزداد التلوث مع دخل الفرد، ليصل إلى حدوده القصوى، ومن ثم ينخفض عند مستويات الدخل العالية(4).
فالدور المحتمل المفيد من التجارة يكمن في إمكانية الإسراع بوصول البلدان إلى الجزء المنحدر من المنحنى.
وفي المقابل تقترح فرضية ملاذ التلوث، أن البلدان تحاول جذب الصناعات الملوثة على أساس السياسات البيئية، الضعيفة عن قصد إذا ما قورنت مع السياسات البيئية للشركاء التجاريين(5).
ورغم اهتمامنا بهذه القضايا، وعلى وجه الخصوص مسألة ملاذ التلوث، التصنيف الثلاثي للنطاق، والتشكيل، وأثر التكنيك، إلا أن كل هذه صممت لدراسة التأثيرات البيئية على النطاق المحلي وليس عبر البلدان أو التلوث العالمي.
فنحن مهتمون بالمستوى العالمي بانبعاثات غازات الدفيئة على المستوى العالمي، وتحول هيكل الإنتاج في بلد ما (بفعل أثر التشكيل) الذي قد يعوض بالكامل بواسطة تحولٍ معاكسٍ في بلدان أخرى، مع تغير طفيف في الانبعاثات العالمية.
وعلاوة على ذلك، إن تحفيزات أثر التكنيك – التحفيز الشديد في معايير التلوث عندما يزداد الدخل- هي عرضة للعمل بشكل مختلف للغاية مع التلوث عبر البلدان، مثل انبعاثات الكربون إن كانت تعمل أصلاً.
وكما سيوضح في الفصل القادم، فإن ضبط الانبعاثات من قبل بلد ما سيعود بالفوائد على جميع البلدان الأخرى. والحوافز لإنشاء أهداف تخفيف أكثر قوة عندما يزداد الدخل ستضعف، وقتما تخرج المنافع خارج حدود البلد المعني.
المنهج الثاني لدراسة أثر التجارة في ظاهرة الاحتباس الحراري هو أكثر ملائمة لسمة المشكلة المتمثلة بكونها عابرة لحدود البلدان.
وقد بنى كوبلاند وتايلر (Copeland and Taylor 1995) نموذجاً لمجموعتين من البلدان (دول الشمال والجنوب العالية والمنخفضة الدخل) اللواتي تتبع سياسات بيئية تحدد التطور الطبيعي لتعظيم الرفاهية الاجتماعية على المستوى الوطني، التي هي ضيقة أصلاً. والتلوث هو "سيء" بنظر [المجتمع] الشعبي العالمي.
ففي هذا العالم، إن الانتقال من الاكتفاء الذاتي إلى التجارة لا يزيد التلوث، على الرغم من أن مصدر التلوث يتحول من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، بشرط أن لا تكون الفوارق في الدخل كبيرة جداً.
والسبب الأساس هو التعامل مع البيئة كعامل من عوامل الإنتاج (اعتبار التلوث كمدخل من مدخلات الإنتاج)، ووفق نظرية عامل التساوي (المكافئ) السعري المعروفة، ستقود التجارة الدولية إلى تحقيق التساوي السعري الدولي، وبالتالي التساوي في أسعار تصاريح الكربون.
وحيث إن أسعار [عناصر الإنتاج] تتساوى، فالاستخدام النسبي للتلوث، واستخدام مدخلات الإنتاج الأخرى تتساوى في الشمال والجنوب.
وسواء كان مصدر المنتجات الكثيفة التلوث في البلدان الغنية أم الفقيرة، حيث أن تقنية الإنتاج نفسها. فالتجارة الحرة بالتصاريح لها نفس التأثير – سواء كانت التجارة الحرة للسلع أو التجارة الحرة للتصاريح ستساوي أسعار التلوث وستمنع زيادة التلوث عالمياً عبر ملاذ التلوث.
وللحصول على هذه النتيجة المشجعة، على أية حال، يجب على دول الشمال أن تشدد معاييرها تجاه البيئة، لكون مصدر التلوث قد تحول إلى دول الجنوب.
وسيواجه البلد النموذجي في الشمال تلوثاً أكبر، مصدره من خارج حدوده، مما قد يزيد الضرر الحدي المتأتي من الانبعاثات المحلية، وبالتالي تسويغ اتخاذ سياسة أكثر صرامة(6).
إن المنهج التحليلي الثالث يرفض الافتراض القائل بأن جميع الدول تتبع سياسة بيئية مثلى (Chichilnisky 1994).
وبدلاً من ذلك يشدد المنهج الثالث على أن من المرجح بأن وجود الموارد البيئية، ستكون متاحة للجميع، كموارد مملوكة لعامة الناس، خصوصاً في البلدان الفقيرة.
وفي ظل عدم كفاية حقوق الملكية غير كافٍ، فإن بلدان الجنوب ستستخدم تلك الموارد بصورة مفرطة، وستقوم تببيع صادراتها بسعر أقل من الكلفة الاجتماعية. ليتم تشويه التجارة الدولية، وستسهم دول الشمال بالمشكلة من خلال استهلاكهم المفرط للسلع التي هي أدنى من سعرها الحقيقي، واستهلاك الصادرات القائمة على قاعدة الموارد الاقتصادية للجنوب.
وفي حين إن التجارة قد تكون السبب الأقرب للتدهور البيئي، فإن السبب الأساسي هو الإخفاق في تسعير المدخلات البيئية للانتاج بشكل سليم.
وعلى الرغم من أن هذه النظرية قد تم تطويرها في سياق استخدام الموارد الطبيعية مثل الغابات، وأراضي الرعي، ومصائد الأسماك، إلا أنها تسلط بعض الضوء على الاستخدام المفرط للغلاف الجوي باعتباره حوض لتصريف انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
كما أن هذه النظرية تذكرنا أيضاً بأن القيود الجزئية الفروضة على الإساءة في استخدام الموارد من قبل بعض البلدان قد تقود الأنشطة ببساطة للانتقال إلى مواقع أقل تنظيماً. ومع ذلك، فإن هذا ليست له صلة مباشرة بتغير المناخ.
ولغرض تكييفه مع ظاهرة الاحتباس الحراري، فالمرء بحاجة إلى إقرار بسمة الأضرار والقابلية للانتقال عبر الحدود الوطنية للبلدان، وإدراك أن حقوق الملكية للغلاف الجوي لا تزال عديمة الكفاية في دول الشمال وكذلك في دول الجنوب.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]