الوظائف الرئيسية للبحث والتقانة
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
الوظائف الرئيسية للبحث التقانة العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
إن البحث العلمي، شأنه شأن معظم الأعمال التي تجري في ميدان التطويرات التقانية في أيامنا هذه، يعني تعبئة مهارات مجموعة واسعة من المهنيين، بدءًا من الأكاديميين والعلميين، إلى المهندسين والحرفيين.
ولهذا فإن الأهداف التي يسعى إليها هؤلاء من عملهم، ومن ثم فإن الوظائف التي يقومون بها، متنوعة جدًا. يمكننا القول بوجه عام بأن هذه الوظائف تقسم إلى خمسة أقسام على النحو التالي.
استنباط المعارف الأساسية في العلم والتقانة
إن هذا هو الهدف الرئيسي للبحوث الأساسية التي يُفترض في نتائجها أن تكون صالحة أمدًا طويلاً. وهذه المعارف إمّا أن تُنشر على شكل مقالات في مجلات علمية (وإذا أردنا تعداد جميع فروع المعرفة، فقد سُجِّل أكثر من 75000 عنوان مختلف للدوريات المتخصصة)، وإمّا أن تُعْرَضَ في اجتماعات أو مؤتمرات. ويوفر هذا النمط من النشاط الدخل input لقواعد البيانات databases.
التدريب
إن المدرسين في معظم النظم الجامعية معنيون بإجراء البحوث، ويوفر هذا الأمر بعض الضمان لجودة التعليم العالي فضلاً عن ميزاته التعليمية للطلبة، وبخاصة لأولئك الذين يقومون بإجراء بحوث بعد تخرجهم من الجامعة، أو أولاء الذين هم على وشك القيام بذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التدريب في العديد من الدول ينفَّذ الآن من قِبَلِ علميين أو مهندسين باحثين ينتمون إلى مختبرات خاصة أو حكومية، وأنه ينفَّذ على نحوٍ متزايدٍ وفق برامج تعاون دولية.
إنتاج المعرفة والخبرة التقنية اللازمتين للسياسة العامة
يُعني جزء كبير من الأعمال الحكومية بتحديد التنظيمات والمعايير التقنية بوساطة أنماط متعددة من الإجراءات يمكن وصفها بأنها "الممارسة اليومية للخبرة العلمية والتقويم التقاني".
ويتضمن هذا العمليات التي تقوم بها وكالات مراقبة المنتجات الكيميائية أو الصيدلانية الجديدة، وتقويم الأخطار الصناعية أو التقانية، ومراقبة جودة المياه.
ويعتمد كل هذا على خبرة علميين كرسوا القسم الأكبر من أعمالهم للمؤسسات العامة. وتقدّم البيئة والصحة العامة والصناعات الغذائية أمثلة على قطاعات تؤدي فيها الخبرة التقنية دورًا تتعاظم أهميته في مجتمعنا، ويشمل إجراء التقويم والتشخيص وتحليل التقارير ومعالجة مسائل تقنية من جميع الأنواع (مثل حالة البيئة وسلامة المرافق الصناعية، وغيرها).
ويُطلب إلى العاملين في هيئات البحوث في كثير من البلدان أن يطوروا بحوثهم في حقولهم المختلفة، وأن يسخروا خبراتهم في خدمة دولهم. هذا وإن تطوير البحوث المتقدمة في العلم والتقانة يُمَكِّنُ الدولة من الحصول على الإرشادات الفنية التي تحتاج إليها للقيام بمسؤولياتها.
الإسهام في البرامج الاستراتيجية الوطنية
غالبًا ما يكون للدول الحديثة أهداف "استراتيجية"، بالمعنى الواسع لهذه الكلمة، وذلك لتحديد أولوياتها الوطنية الرئيسية. وهذه هي في الأغلب جزء من منطق قوتها: فهي تتطلب منظومات تسليح معقدة لا تعتمد على المعارف التقنية للدول الأجنبية، وتحتاج إلى سواتل (أقمار صنعية) توفر لها التحكم في الاتصالات بين بقاعها المختلفة، وتطمح إلى أن تكون بلادها ذات مصادر طاقة مستقلة.
ولتلبية هذه الأهداف، يتعين على الدول وضع برامج طموحة في البحث والتطوير التقانيين ضمن هيئاتها البحثية الرسمية، بحيث تشمل هذه البرامج ميادين مثل البحث النووي والفضائي. وهذه البرامج تُنَفَّذُ أيضَا، في الدول الصناعية على الأقل، في مختبرات الشركات الصناعية (في القطاعين العام والخاص) المتخصصة في حقول مثل الإلكترونيات وعلم الطيران.
إن نتائج هذه البحوث تبقى عموماً طي الكتمان إذ إنها لا تُنشر، وهي تمثل أساس التنافس الدولي الذي لا يخضع لمبادئ السوق الحرة. ومنذ عهد قريب جرى توسيع مفهوم التخطيط الاستراتيجي بحيث صار يشمل قطاعات صناعية رئيسية مثل الاتصالات وبعض الصناعات التي تتطلب تقانات متقدمة كالإنسالية (الروبوتية) robotics.
المشاركة في الابتكارات الصناعية
إن ما يسمى مرحلة البحث والتطوير R&D تحدث قبل تَتْجِير السلع والخدمات. ومن ثَمّ فإن العلميين والمهندسين الباحثين، وبخاصة في الاتحادات الصناعية، معنيون بسيرورة ينجم عنها ابتكار منتجات جديدة وسيرورات لتصنع وتسوق.
إن إجراء البحوث غالباً ما يخضع إلى قواعد اقتصادية مبنية على تحفيز ابتكارات مشتركة. ويجب ملاحظة أنه ليس صحيحاً إن كل ابتكار هو نتيجة لبحثٍ سبق إجراؤه.
كذلك فإن المكاتب الهندسية والتصميمية ودوائر التصنيع والصناعات الثقيلة وصناعات الخدمات هي أيضاً مصادر ابتكارات (وعلى سبيل المثال، فإن البرمجيات software هي في حد ذاتها ابتكارات).
وبسبب التشابه الجزئي مع البحث العلمي، فقد يقول قائل إن براءة الاختراع هي المنتَج الأساسي للنشاط التقاني. إنها مُلْكٌ غير ملموس، كالنشرة العلمية، إلا أنها توفر لحاملها احتكار اختراعه كما أن لها قيمة تجارية لا تتيسر للنشرة العلمية.
إن براءة الاختراع تعترف بابتكار، مثل استحداث سيرورة صناعية أو منتَج جديد أو مادة جديدة. وفي عام 1991 مُنحت في الولايات المتحدة براءات اختراع إلى 81000 مخترع من جميع الجنسيات (مقابل 62000 عام 1986)، كما مُنحت 41000 براءة اختراع في أوروبا (سُجِّلَتْ مباشرة من خلال القنوات الأوروبية).
وقد دُمجت أيضًا الابتكارات التقانية في البضائع الاستثمارية والتجهيزات من الأنماط المختلفة التي تستعملها الشركات في الأغراض الإنتاجية.
وعلى سبيل المثال، فقد يَسْتَعْمِل خطّ تجميع لصناعة السيارات حواسيب متنوعة للتحكم في الإنسالات الَّتي تدخل في سيرورة (عملية) الإنتاج. لذا فإن الابتكار هو منتج سيرورات متنوعة جداً.
وهكذا فإن جميع نشاطات العلم والتقانة هذه، والتي رأينا أن بعضها يرجع تاريخه إلى عدة قرون، كانت مجسدّة في مفهوم بدأ يبرز تدريجيًا في بداية ستينات هذا القرن، ألا وهو مفهوم البحث والتطوير.
هذا وإن الجهود التي قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في إعداد إحصائيات الإنفاق على البحوث أدت دوراً رئيسياً في إجماع الخبراء على تصنيف عام، أصبح في السنوات الثلاثين الأخيرة يعرف باسم Frascati Manual، وفيه تم تعريف ثلاثة أصناف من البحث والتطوير.
أولها هو البحث الأساسي، ويشمل جميع الأعمال التجريبية والنظرية التي تُنَفَّذ لاكتساب المعارف الأساسية حول الحوادث والظواهر الطبيعية التي يمكن رصدها، دون أن يكون لدى العلماء أي تصور مسبق حول تطبيقات أعمالهم.
وعلى هذا النهج سار علماء كبار مثل <M. پلانك> و< .Mكوري> و<.V رامان> و< .Jمونو>؛ وقد يكون من الملائم نعت هؤلاء العلماء بأنهم "أصوليون".
وثانيهما هو البحث التطبيقي، وهو يعنى بالقيام بعمل إبداعي هدفه اكتساب معارف جديدة للتطبيق العملي (الصناعي، مثلاً). والبحث الذي أجراه L>. پاستور> في القرن التاسع عشر في مجال مرض دودة القز كان بحثاً تطبيقياً، ولو أن بعض الاكتشافات التي توصل إليها في سياق بحثه كانت ذات طبيعة "أساسية".
وأما ثالث هذه الأصناف فهو التطوير التجريبي، وهو عمل منهجي مبني على المعارف المتوافرة التي تم الحصول عليها عن طريق البحث أو التجريب العملي بغية صناعة منتجات جديدة أو ابتكار عمليات صناعية جديدة.
وعلى سبيل المثال، فإن اكتشاف پوليمرات جديدة في مختبرات البحوث أدى إلى صناعة اللدائن، إلا أن الانتقال إلى المرحلة الصناعية لم يكن ممكناً إلا بعد القيام بمزيد من البحوث التطويرية التي تطلبت إقامة نماذج مصغرة لمصانع لإجراء الاختبارات والتعديلات اللازمة.
وهكذا يمكننا أن نرى كيف أن البحث الأساسي والبحث التطبيقي والتطوير التجريبي يرتبط بعضهما بالبعض الآخر تحت عنوان العلم والتقانة.
وفي حين أن الحدود الفاصلة بين البحث الأساسي والبحث التطبيقي غالباً ما تكون غير واضحة المعالم، فإنه من الواضح مع ذلك في جميع المنظومات الوطنية للعلم والتقانة أن الشركات التجارية وبعض المنظمات التقانية الحكومية (كمحطات الطاقة النووية المدنية والعسكرية، ومراكز بحوث البترول، مثلاً) هي التي تقوم بصورة أساسية بتنفيذ أعمال التطوير، وذلك إمّا بهدف حفز الابتكارات الصناعية، وإمّا لكونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببرامج الدول الاستراتيجية.
وغالباً ما يكون البحث الأساسي مرتبطاً بالتدريب، في حين أن البحث التطبيقي غالباً ما يوجد في المعاهد التي تقدم المعرفة والخبرة التقنية اللازمتين للسياسة العامة، كتلك المعاهد التي تقوم بتطوير برامج الدولة الاستراتيجية، وكذلك مختبرات البحوث الصناعية.
وكما هي الحال في أي شكل من أشكال التصنيف، فإن الاتفاق Frascati Manual تعرّض إلى بعض الانتقادات. فقد يسأل سائل: لِمَ نحتاج إلى تصنيف لفعاليات العلم والتقانة يوافق عليه الجميع؟ والحقيقة إن التصنيف ليس هاجس الإحصائيين أو مديري البحث والتطوير.
إن ما يحرِّض على القيام به هو رغبة السلطات السياسية والإدارية ورجال الصناعة في كل بلد بالعالم في أن يتوافر لديهم أساس متين للقرارات الاستراتيجية.
هذا وإن القيود المتعلقة بالميزانية في السنوات الأخيرة، والحاجة إلى إعادة وضع البرامج بغية إدخال الأولويات الجديدة في الاعتبار، جعلت من الحاجة إلى التصنيف أمراً مرغوباً فيه حتى بدرجة أعلى مما كان الأمر في الماضي.
وفضلاً عن ذلك، ففي حين أن فكرة التطوير واضحة إلى حد ما في ميدان النشاطات الصناعية، فإنه تجدر ملاحظة أنها تغدو أقل وضوحاً حين تطبيقها على الأمور العسكرية (مثل فكرة تطوير الأسلحة إلى أسلحة حديثة).
فوزارات الدفاع للدول الصناعية الرئيسية (بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا) تضع تحت هذا العنوان اختبارات النماذج الأولية (لطائرات حربية مثلاً) التي تكون عادةً مكلفة جداً.
ومن ثم فعلى المرء أن يتصف بالحكمة لدى تحليل استراتيجيات البحث والتطوير الوطنية، لأن هذا يستلزم، في بعض الدول، أن يكون مفهوم التطوير موسعًا بحيث يشمل القيام ببعض الأعمال اللازمة للأغراض العسكرية.
وعلى نحوٍ مماثل، فإن تشعيب البحوث إلى بحوث أساسية وأخرى تطبيقية ليس أمراً مناسباً دائماً، لا من وجهة النظر العلمية ولا من الناحية الاقتصادية. فهل البحث في دور ثنائي أكسيد الكربون ومواد كيميائية أخرى في "مفعول الدفيئة" (الاحتباس الحراري) أساسي أم تطبيقي؟
لابد من القول بأن التمييز بينهما مخادع. وفي بعض البلدان الصناعية أو النامية، التي يكون قطاع البحث الحكومي فيها كبيراً جداً، نرى أنفسنا منقادين إلى التمييز بين مصروفات البحث والتطوير المخصصة للبحث الأساسي من ناحية، والمصروفات المخصصة لبرامج البحوث العائدة للنفع العام من ناحية أخرى.
وفي مجالات مثل الصحة العامة والبيئة والطاقة والاتصالات والنقل، فإن منظمات البحوث تُجرى بحوثًا أساسية وتطبيقية ترتبط مباشرة بالمهمات العامة بالمعنى الواسع لهذا المصطلح، مثل رفع المستوى الصحي للمواطنين وفهم التطور البيئي، وهكذا.
ونظراً إلى كون قدْر كبير من عملها قد "أعطي صورة قطعية"، فيمكننا اعتبار بحوثها أعطيت صورة قطعية أيضاً، وأنها ترمي إلى تلبية متطلبات اجتماعية. ويشار إلى هذا النمط من البحوث بمصطلحات البحث والتطوير الأنكلوساكسونية بأنه موجه بمهمة mission-oriented. إنه، تقريبـًا، بحثٌ يقع على الحدود بين البحث الأساسي والتطبيقي.
وضمن هذه الفئة من البحوث يمكننا وضع قسم كبير من البحوث في العلوم الطبية الحيوية (مثل البحوث في الڤيروس HIV، أو في الأمراض الاستوائية)، في حقولٍ مثل البيئة والتحكم في الطاقة والعلوم الهندسية والبحوث الهندسية الأساسية في معالجة البيانات (المعطيات) والإنسالات (الروبوتات).
ويجري هذا العمل عادة في مراكز البحوث والهيئات والوكالات التابعة للقطاع العام بمشاركة السلطات الحكومية أو الخدمات العامة الرئيسية، ومن ثَم فهو مرتبط بالسياسة الوطنية العامة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]