بدء مشروع تحديد سلاسل الجينوم البشري
2013 لمن الرأي في الحياة؟
جين ماينشين
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
في سنة 1988، بعد أن قرّر الكونغرس دعم مسعى أبحاث الجينوم البشري وتمويلها، عيّن المدير وينغاردن اختصاصي الوراثيات جيمس واتسون لتنسيق المشروع في "معاهد الصحة الوطنية".
في البداية كانت الأموال توزّع عبر المعهد الوطني للعلوم الطبية العامة، بسبب التأثير الواسع المحتمل والمفترض للأبحاث. لكن في أعقاب سنة 1989، أصبحت الأموال تذهب عبر الهيكل الإداري للمشروع نفسه، أي المركز الوطني لأبحاث الجينوم البشري.
كان اختيار واتسون لرئاسة هذا المشروع منطقياً من جوانب عديدة. فهو مؤيّد مشجّع متحمّس لأبحاث الوراثيات، كما أنه حائز على جائزة نوبل ومعروف لدى طائفة واسعة من وفود الكونغرس وموظفيه بالإضافة إلى عامة الناس. وهو دائم الحضور ومستعد للمشاركة في النقاشات العامة، وقد بنى لنفسه سمعة بأنه رجل غير عادي. وأثبت في البداية أنه مفيد لتقدّم مشروع الجينوم.
بدأ واتسون حياته في العلوم كطالب جامعي ثم توجّه إلى إنجلترا، حيث كان يستمتع هو وفرانسيس كريك في دراسة الأفكار الكبرى وتذوّق عالم العلم والحياة في كامبردج. وأدى التعاون بين واتسون وكريك، والنهج المتعالي والمقدام الذي اتبعه هذان الشابان، إلى تمكنّهما من التوصّل إلى الحلزون المزدوج (Double Helix) والحصول على نصيبهما من الخلود البيولوجي.
وعند العودة إلى الولايات المتحدة، وجد واتسون طريقه إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ثم إلى هارفرد، حيث واصل إثارة نقمة الزملاء والتعبير عن آرائه القوية. وثمة قصص عديدة عن الخلافات التي جلبها واتسون إلى هارفرد، بتحمّسه للبيولوجيا الجزيئية واحتقاره للتطوّر (Evolution).
وبعض هذه القصص دقيق، في حين اتخذ بعضها الآخر سمة الخرافات الحضرية. وبعض العاملين في هارفرد ممن يفترض أن واتسون عاملهم معاملة سيّئة كانوا قادرين على إظهار التعالي وتعظيم أنفسهم. المهم في الأمر أن واتسون بقي متحمّساً للجينوم وذا حضور عالٍ.
في سنة 1968 دُعي واتسون إلى إدارة مختبر كولد سبرنغ هاربر في لونغ آيلند، نيويورك، وصاغت تجربته هناك الدور الذي أداه في مشروع الجينوم. كان الوضع المالي للمختبر قد تراجع، وأصبحت بنيته التحتية بحاجة إلى تحديث، كما أن مختبر الأبحاث بحاجة إلى مهمة واضحة في وجه المنافسة المتزايدة.
كرّس واتسون نفسه للمختبر بحماسته المعهودة وإلى تأمين سمعته هناك. المنشآت هناك اليوم رائعة، والبحث الدقيق عن جميع التمثيلات الرمزية للحلزون المزدوج في المركز يستغرق وقتاً طويلاً جداً ويخلص إلى نتائج مدهشة عن التنوّع.
كان واتسون مستعداً (وربما توّاقاً) لتولي مهمة التحديق في وجوه خصومه وإبلاغهم عن سبب خطئهم بالضبط. فهو شغوف ومقنع، وقادر على القيادة الحقيقية. وكان الخيار المنطقي لرئاسة المشروع الذي يحتاج إلى رؤية واضحة للمضي به إلى الأمام ومتابعة الدفاع عن الحاجة الملحّة إليه، وبخاصة في وجه جميع المنافسين الآخرين على استثمارات الكونغرس.
لذلك عيّن واتسون مديراً مشاركاً لأبحاث الجينوم البشري في "معاهد الصحة الوطنية"، ثم مدير المركز الوطني لأبحاث الجينوم البشري عندما أنشئ في السنة التالية. وكما يشير الموقع الإلكتروني لمختبر كولد سبرنغ هاربر، بموافقة واتسون من دون شك، "في سنة 1992، استقال الدكتور واتسون من المركز الوطني لأبحاث الجينوم البشري بعد الإطلاق الناجح لمسعى عالمي لرسم خريطة الجينوم البشري وتحديد سلاسله". نعم، أطلق المشروع بنجاح، لكن هناك جوانب أخرى للقصة كما هي الحال دائماً.
إن جزءاً من القصة سياسي. فواتسون ليس من الأشخاص الذين يستقرّون في واشنطن على المدى الطويل. وليس من الأشخاص الذين يعملون بهدوء وصبر وراء الستار لبناء الإجماع وحشد الدعم. وهو ليس من الأشخاص الذين يقدّمون شيئاً هنا ليحصلوا على شيء هناك. فواتسون يعمل بأقصى سرعة وفقاً لشروطه.
وهناك أوقات يكون فيها الشخص المنشود بالضبط، وبدء مشروع الجينوم البشري من هذه الأوقات. كان من الضروري وجود شخص يقدّم حجّة قوية لصالح أن يكون المشروع عالمياً ويلوّح في الوقت نفسه بالعلم الأميركي للحصول على دعم قوي. ومن المفيد وجود شخص ذي سمعة عظيمة، وراغب في أن يكون مشجّعاً وداعماً لرؤية كبرى. لقد كان واتسون الرجل الملاءم للمهمة.
مع ذلك لم يكن واتسون الرجل الملائم لتحمّل الظروف المتغيّرة داخل "معاهد الصحة الوطنية" عندما جاءت قيادة جديدة. فقد عيّن الرئيس جورج بوش الأب طبيبة القلب برناديت هيلي (Bernadette Healy) ، أول امرأة تدير "معاهد الصحة الوطنية"، في كانون الثاني/ يناير 1991. (ظلت لمدة سنتين فقط وبعدها عيّن الرئيس كلينتون اختصاصي البيولوجيا هارولد فارموس (Harold Varmus).) وسرعان ما نشبت حرب بين الدكتورة هيلي من جانب والدكتور واتسون من جانب آخر. وقد ساهم ذلك بالتأكيد في رحيل واتسون من مشروع "معاهد الصحة الوطنية"، مع أنه أبدى استعداداً للعودة إلى كولد سبرنغ هابر، حيث يحكم هناك من دون الاضطرار إلى العمل عبر اللجان التي لا تنتهي وأصحاب العلاقة المتنافسين.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]