البيولوجيا وعلوم الحياة

تجارب “بريغز وكينغ” في استنساخ الضفادع

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

في سنة 1952 أجرى روبرت بريغز (Robert Briggs) وتوماس ج. كينغ (Thomas J. King) نسخة من تجربة سبيمان. أخذا نوى من ضفادع مانحة ووضعاها في بيوض ضفادع مضيفة من نوع آخر وفي النوع نفسه للتحكّم بأكبر قدر ممكن من العوامل.

كان سؤالهما واضحاً جداً وبسيطاً في الظاهر: اختبار ما إذا كانت الخلايا المفردة، والقُسيمات الأرومية في المراحل الأولى من انقسام الخلايا، "تبقى متكافئة أو تصبح متمايزة عندما تتمايز الأجزاء المختلفة للجنين".

اقترح مورغان أن النوى ربما تتمايز في الخلايا المختلفة استجابة للظروف البيئية للسيتوبلازما المحيطة. وبما أن سيتوبلازما البيضة متمايزة بالفعل في الضفادع، مع وجود مناطق من "هلال رمادي" وأجزاء أكثر كثافة وأقل كثافة، فإن هذا التفسير يقدّم شرحاً مشوّقاً لكيف تؤدي الخلايا إلى خلايا وأجزاء متمايزة وإلى كائن حي كامل متمايز في النهاية مع أنها متماثلة جينياً.

لذا فإن اختبار ما إذا كانت الخلايا تظل متكافئة، وكم من الوقت إذا كان كذلك، يضيف الكثير إلى فهمنا لكيفية ظهور الاختلاف من التماثل. وكما رأى بريغز وكينغ، "من الواضح أن هذه المسألة لا يمكن أن تحلّ إلا بتطوير طريقة لإجراء اختبار مباشر لما إذا كانت نوى الخلايا الجنينية المتمايزة متمايزة بحدّ ذاتها أم لا". ويمكن أن يجعل زرع النوى ذلك ممكناً.

عندما أديا التجربة، نجحا باستخدام نوى من بيوض في مراحل الانقسام الأولى. أي أن النوى، من قُسيمات أرومية ناتجة عن انقسامات الخلية المبكّرة وصولاً إلى مرحلة الأريمة المتأخّرة، بدأت بالتشطّر والتطوّر الكامل. لكنهما لم يستطيعا الحصول على زرع ناجح باستخدام المراحل المتأخّرة التي تصوّر سبيمان أنها مغرية جداً.

 

وفي معظم الحالات، لم تتشطّر البيوض التي زرعت بنوى من مراحل متأخّرة ولو مرة واحدة، ولم تنقسم طويلاً أو بصورة سوية. ظن بريغز وكينغ أن ذلك غير ممكن. وخلصا إلى أنه عند نهاية مرحلة الأريمة وبداية تكوّن المُعيدة، تتغيّر النوى وتفقد قدراتها على التطوّر إلى كلّ.

بما أن فهم التمايز هو المسألة الأكثر أهمية بالضبط عند تقاطع الوراثة والتطوّر، فقد ظلت مسألة مفتوحة في البحث عن نهج أخرى. رأى بريغز وكينغ أن النتائج التي توصلا إليها هي بداية خط من الأبحاث واستنتجا أن: "هذه التجارب وسواها تثبت أن نواة خلية الأريمة يمكن زرعها في ظروف غير متضرّرة، ما يشير إلى أن تقنية زرع النوى متطوّرة الآن بالقدر الكافي بحيث يمكن استخدامها في دراسات التمايز النووي وربما في دراسات أخرى لوظيفة النواة  أيضاً".

تتسم تجارب الزرع التي أجراها بريغز وكينغ بالتشويق في مفهومها وإمكانياتها. وكانت فكرة زرع النوى منطقية منذ بعض الوقت كما شهدنا أعلاه. لكن كيف يتم القيام بذلك؟ باعتباري طالبة دراسات عليا درست علم الأجنّة وتاريخه مع بريغز في أواسط سبعينات القرن العشرين، استمعت فيما كان بريغز يصف تلك التجارب واندهاشه لعدم اهتمام الجمهور – إيجاباً أو سلباً – بشأن احتمالات الاستنساخ.

كان ذلك أول استنساخ لحيوان. وقد ظهر المصطلح لأول مرة في الزراعة وعلم النبات، عندما كتب هربرت جون فيبر (Herbert John Webber) في سنة 1903 أن "النسائل" (Clones) هي "مجموعات من النباتات التي تستولد من أي أجزاء نباتية مثل البصلات والدرنات والطعوم، إلخ، وهي ببساطة إجزاء من الفرد نفسه".

 

خلال عشرينات القرن العشرين، كان الباحثون يقومون باستنساخ – بمعنى توليد نسخ جينية – مجموعة متنوّعة من أشكال الحياة التي تتكاثر لاجنسياً، بما في ذلك عدّاءات الشجر، والديدان المتجدّدة، والجراثيم، والخلايا. و

كان عمل بريغز وكينغ قفزة هائلة إلى الأمام من حيث الأساليب الناجحة التي تظهر ما يمكن إنجازه. بيد أنه سقط منطقياً وحتى منهجياً في مجموعة من التقاليد التي تشير إلى ذلك الاتجاه.

بدأت التقنيات التي عرضها بريغز علينا نحن طلاب الدراسات العليا في المختبر مع صناعة الإبر الزجاجية. في السبعينات أصبح من السهل أن تملأ استمارة طلب وتحصل على صندوق من الأدوات الممتازة التي تسلّم عند باب المختبر.

بيد أن بريغز شعر أن علينا صنع أدواتنا، أو أن نحاول على الأقل فهم كيف يبدو اكتشاف احتمالات البحث وحدوده وتحدّياته. كنا نجلس هناك ونحن نحاول لمدة ساعات أخذ أجزاء من الزجاج وتثبيتها فوق مصدر للحرارة، وعندما تبلغ درجة الحرارة الملائمة نجذب الطرفين معاً بسرعة وبصورة نهائية. وذلك ينتج نقاطاً حادة جداً ودقيقة في كل طرف. عندما فعل بريغز ذلك نجح.

لم نكن نحن ماهرين جداً، وعرفنا تماماً مقدار صعوبة حتى هذه الخطوة السهلة نسبياً. كنا عادة نجذب بشدّة أو بسرعة كبيرة وننتهي إلى خيط رفيع وهشّ جداً لا يمكن استخدامه. أو كنا نجذب ببطء شديد وننتهي إلى أداة غير حادّة. وحتى عندما نؤدّي الأمر بطريقة صحيحة تقريباً، ونحصل على النقطة الصحيحة مع وجود شعرة دقيقة جداً من الزجاج الإضافي عند طرفها، فإننا كنا نجعل الإبرة غير حادة عند محاولة إزالة تلك الشعرة الرفيعة.

البحث صعب بطبيعة الحال. وكانت مهام المختبر الأخرى أكثر صعوبة من صنع الإبر. والمراد أن سبيمان، ثم بريغز وكينغ، ثم آخرون قرّروا صنعها. وكان عليهم الاعتقاد بأن الأسلوب يمكن أن ينجح وأن التفاصيل التي يمكن تعلّمها تستحقّ ذلك.

في حالة استنساخ بيوض الضفادع، كان عليهم الحصول على الإبر، والحصول على البيوض، وإزالة النوى بالإبر الزجاجية الدقيقة التي أصرّ بريغز على أنها أفضل من استخدام الممصّات الدقيقة. كان ذلك يتطلّب إزالة الغلاف الهلامي الذي يحيط عادة ببيوض الضفدعة في المراحل التطوّرية الأولى. وذلك الجزء سهل نسبياً، لكنه يتطلّب الافتراض بأن البيضة لا تحتاج إلى الغلاف حقاً وأنها ستتطور بصورة جيدة من دونه. وقد أعطت هذه الخطوات بيوض المضيف المستأصلة بتمامها.

 

بعد ذلك أخذ بريغز وكينغ النوى من المانحين، وما تلا ذلك كان الجزء الأصعب من بعض النواحي. أولاً، كان عليهما إجراء العديد من الإنسال المهجّن عبر الأنواع لاكتشاف الأنواع القادرة على إنتاج هجائن قابلة للحياة، إذ ليس هناك الكثير. ثم عليهما إعداد البيوض المضيفة. كان وخزها بالإبرة الحادة يتسبّب في دوران البيضة وانتقال النواة إلى السطح، حيث من السهل نسبياً انتزاعها. يترك هذا الإجراء البيوض "حية" ومنفحتة على استقبال النواة الجديدة القادمة من بيضة منفصلة.

لم يكن هذا الفصل كاملاً في الواقع. وقد وصف بريغز وكينغ انتقاء خلية من أريمة وتشريحها بعيداً عن جيرانها: "تسحب الخلية داخل فم ممصّ زجاجي دقيق رقيق الجدران، يقل اتساعه الداخلي عن قطر الخلية.

يمسَك الممص بمِمسك لايتز – تشامبرز (Leitz-Chambers) موصول بأنبوب مطّاطي ضاغط بمحقنه عادية مقاس 5 مم. ويكون الجهاز بأكمله باستثناء طرف الإبرة مملوءاً بالهواء. يحتوي الطرف على عمود من المحلول المسحوب من الخلية.

يمكن التحكّم بتحرّكات العمود بدقّة شرط أن تكون الإبرة نظيفة تماماً. الآن عندما تسحب الخلية داخل الإبرة تضغط وتتشوّه بحيث يتفكّك سطح الخلية من دون تشتيت محتويات الخلية".

بعبارة أخرى، لم يحصلا على النواة نظيفة ومنفصلة عن محيط الخلية تماماً. بل جاءت بعض سيتوبلازما البيضة إلى جانب النواة. وقد أقحما إلى جانب النواة المانحة قليلاً من المادة الخارجية من سيتوبلازما الخلية المانحة داخل البيضة المضيفة.

كان عليهما أن يتوخّيا الدقة كي لا يتسبّبا باضطراب كبير يقتل البيضة. وبعد كل ذلك، تطوّرت بعض الضفادع، ولاحظا الظروف التي حدث فيها ذلك والظروف التي لم يحدث فيها. واستنتجا – إلى جانب إمكانية إجراء التجربة التي تحمل بشائر عظيمة لدراسات أخرى – أن نوى الخلايا في المراحل المتأخرة غير قادرة على ما يبدو على استثارة سلسلة من التشطّرات والتطوّر.

وأن نوى المراحل المتأخّرة تحافظ على تغيّرات يتعذّر عكسها على ما يبدو. ووفقاً لهذه النتائج يجب ألا يكون استنساخ دولي (Dolly)، باستخدام النقل النووي من خلايا جسدية، ممكناً.

 

عمل بريغز وكينغ أساساً على ضفدعة من نوع الضفادع المرقّطة (Rana Pipiens). وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، كان جون غوردون (John Gurdon) يعمل على ضفدعة أخرى من نوع الضفادع ذات المخالب (Xenopus Laevis).

كانت الضفادع ذات المخالب مادة أفضل للبحوث من بعض النواحي. وفيما كان بريغز وكينغ يعملان، أظهر بحث غوردون أن النوى المزروعة تحثّ على التطوّر والتمايز وصولاً إلى مرحلة الشرغوف [فرخ الضفدع]. كما أنه خلافاً للنتائج السابقة، اكتشف غوردون أن نحو 30 في المئة من النوى المزروعة من مراحل الأريمة يمكن أن تنتج الشراغيف، في حين يمكن أن تنتجها 6 في المئة من الشراغيف المفقسة و3 في المئة من الشراغيف السابحة.

يمكننا القول إن قلّة قليلة من النوى "فقط" يمكن زرعها بنجاح، لكن تذكّروا أن بريغز وكينغ استنتجا أن من غير الممكن لأي نواة من مرحلة متأخّرة استثارة التمايز، إذ افتُرض أنها أصبحت متمايزة جداً بالفعل. غير أن نتائج غوردون أعادت احتمالات الاستنساخ بعد المراحل الأولى.

مرّ وقت طويل قبل أن يصبح النقل النووي للخلايا الجسدية ناجحاً في الثدييات – قبل التمكّن من استنساخ النعجة دولي – لكن لم يعد ذلك يبدو متعذّراً. ولم يعد من الواضح جداً، كما استنتج بريغز وكينغ، أن نوى الخلايا المتأخّرة كانت متمايزة جداً بحيث لا تحثّ على التمايز والتطوّر الكاملين.

 

وفي ستينات القرن العشرين أخذ مجال "علم الأجنّة" باعتباره مبحث الأجنّة يتراجع أمام دراسة "البيولوجيا التطوّرية" (دراسة كيف يرشد علم الوراثة التمايز والتطوّر). وأثبت وجود جمعية البيولوجيا التطوّرية، على سبيل المثال، أن هذا المجال مجال أكاديمي حقيقي. وحتى لو كانت النوى متماثلة بأكملها، كما أشار مورغان، فإنه يتم التعبير عنها بطرق مختلف في مختلف الخلايا ومع تقدّم التطوّر والتمايز. وهذا هو التعبير، أي ارتباط التطوّر بعلم الوراثة، الذي بدأ الباحثون يوجّهون اهتمامهم في ستينات القرن العشرين. وأدّت جهودهم إلى نجاح متسلسل في نهاية القرن العشرين.

الآن بعد وقوع الحدث، بدت احتمالات الاستنساخ وعلم الوراثة التطوّري واضحة. لكن في ذلك الوقت، ظلت الشكوك تساور حتى المتحمّسين، من أمثال جيمس واتسون وجون توز (John Tooze) ودايفد كورتز (David Kurtz). في كتابهم الدراسي الصادر في سنة 1983، "مساق قصير في الدنا المأشوب" (Recombinant DNA: A Short Course)، حيث كتبوا أن "ثمة احتمالاً ضئيلاً في المستقبل العاجل لمحاولة الزرع النووي باستخدام أي نوع ثديي آخر"، أو في أي نوع غير الضفادع. "لكن إذا تحسّنت الكفاءة وقابلية التكاثر، فربما يجد هذا الأسلوب مكاناً في إنسال الحيوانات.

ويمكن محاولة ذلك من الناحية النظرية باستخدام بيوض وخلايا جنينية بشرية، لكن ما السبب الذي يدعو إلى ذلك؟ ليس هناك أي تطبيق عملي". يذكّرنا التاريخ بمقدار صعوبة التنبّؤ بالمستقبل وأن علينا عدم استبعاد الاحتمالات بناء على افتراضات سرعان ما يتبيّن أنها خاطئة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى