تطور مفهوم “التنمية البشرية” وعلاقته بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي
2004 التدريب أثناء الخدمة
د. فهد يوسف الفضالة
KFAS
التنمية البشرية التقدم الاقتصادي والاجتماعي العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
تعكس مسيرة التنمية البشرية المراحل المختلفة لنظريات التنمية بصفة عامة ونظريات النمو الاقتصادي بصفة خاصة ، ذلك أن التنمية هي جزء من كل وهي لم تطرح مستقلة بحد ذاتها .
ولقد تطور مفهوم التنمية البشرية من عقد إلى آخر مع تطور الأصل ، فمفهوم التنمية البشرية لا يبدو جديداً لأول وهلة وإنما العودة المتأخرة إليه اليوم هي نوع من المطالبة بتراث قديم من جديد.
ولقد تم استخدام العديد من التعبيرات للدلالة على مفهوم التنمية البشرية، حيث استخدم في البداية تعبير "تنمية العنصر البشري" أو "تنمية رأس المال البشري" أو "تنمية الموارد البشرية" أو "التنمية الاجتماعية".
ثم جاء استخدام مفهوم التنمية البشرية وكما حدده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي undp عبر تقاريره التي برزت مع بداية التسعينات من خلال تقارير التنمية البشرية والتي تنتهي بالتدليل على أن التنمية بمفهومها الحديث قد تجاوزت مفهوم النمو الاقتصادي أو التنمية الاقتصادية لتأخذ بما بدأ يعرف باسم التنمية البشرية Human Development.
ومن الملاحظ أن المفهوم الأخير يعيد ربط العلاقة بين البشر والتنمية ليس فقط لأن البشر عنصر من عناصر التنمية (مفهوم الموارد البشرية) بل أيضاً وقبل كل شيء باعتبار البشر غاية التنمية.
ولا شك في أن النقاش الذي يدور حول البعد البشري للتنمية ما هو إلا مرحلة من المراحل التي بدأت في منتصف الستينات في محاولة لتوسيع مجال عملية التنمية الشاملة Comprehensive Development حتى ظهر مفهوم التنمية البشرية المتداول حالياً والذي يغطي الأبعاد المتعددة لعملية التنمية .
ومن المفيد ونحن بصدد دراسة مفهوم التنمية البشرية وأبعادها تسليط الضوء هنا على الأوجه المتعددة لهذا المفهوم وذلك من واقع منظوره الإنساني الواسع وارتباطه بالإطار العام للتنمية الشاملة وذلك على النحو التالي :
التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي
تكاد تجمع أدبيات التنمية على أن التنمية هي عملية ديناميكية مستمرة تؤديها الجهود الإنسانية بغية الارتقاء بالوجود الإنساني مادياً وحضارياً ، ومع كونها كذلك فلابد أن تنطلق من فلسفة تجسد رؤية كل مجتمع يقوم بها ، فتبرز خصوصياته ، وتبرز تضحياته بمجهوداته وبموارده النادرة تجاه تحقيق غاياته .
وبالرغم من هذه الشمولية المتضمنة التعريف المشار إليه إلا أن بلدان العالم الثالث عندما بدأت تجاربها الإنمائية منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي وحتى الآن قد استند معظمها إلى بعض تفسيرات هذا الفهم وخاصة التفسيرات المادية والتي تعني أن النمو الاقتصادي والاجتماعي يتوقف على الاستثمارات المادية.
وهذه حقيقة جزئية حيث يؤدي بناء الطاقات الإنتاجية وإرساء البنية الأساسية لرأس المال الاجتماعي إلى زيادة الدخول ومستويات المعيشة غير أن معظم البلدان النامية لم يحقق التطور المنشود استناداً لهذا التفسير الضيق ولم تحظ عملية بناء الإنسان بالمجهود والاهتمامات التي يستحقها باعتباره جوهراً للعملية التنموية.
لذا فقد اصطبغت المؤشرات التنموية خلال العقود السابقة بطابع كمي يخلو من المؤشرات النوعية التي تؤكد الارتقاء بنوعية الحياة الإنسانية وتوفر المقدرة الذاتية لدى الشعوب على استغلال الموارد المتاحة وإقامة العدل الاجتماعي بمفهومه الواسع.
وقد انطبع هذا المشهد التنموي بين الخمسينات وأواخر السبعينات من القرن الماضي بما يمكن تسميته اليوم بالنظريات التقليدية والتي تعيد النمو الاقتصادي في هذا المجتمعات لكي يتوافق مع سياسات تستهدف تشجيع الاستثمارات الوطنية والعالمية ويتوافق من جهة ثانية مع سياسات تقشفية تطال فئات واسعة من السكان ولا سيما الأجراء منهم وذوي الدخول المحدودة.
أي أنه لا يمكن في مرحلة النمو الأولى الجمع بين النمو الاقتصادي المرتفع وبين الإنصاف في توزيع الدخل وبالتالي لابد من التضحية بالثاني لصالح الأول.
أما المبرر النظري لهذه التضحية فهو أن النمو الاقتصادي بما يخلقه من زيادة في فرص العمل ومن تنشيط في دورة الاقتصاد وزيادة في الإنتاج والإنتاجية سوف يعود بالفائدة لاحقاً بشكل تلقائي على عموم السكان .
إن النظريات التقليدية للتنمية هي اليوم موضع نقد من قبل النظريات الجديدة أو المعاصرة والتي أدركت هذه الحقيقة بعد مراجعة وتقييم المسيرة التنموية في دول العالم الثالث خلال حقبة الثمانينات.
وهو ما أدى إلى ظهور تفسيرات أخرى لعملية التنمية البشرية وغاياتها المنشودة في الخطط التنموية المتوسطة بتلك الدول ، وفيما يلي نتناول هذه التفسيرات تباعاً .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]