تفسير نشأة الجزر المرجانية الحلقية وفقاً للعديد من العلماء
1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الثالث
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الجزر المرجانية الحلقية تفسير نشأة الجزر المرجانية الحلقية علوم الأرض والجيولوجيا
اختلف الآراء فيما يختص بتفسير نشأة الجزر المرجانية الحلقية، وتعد أقدم التفسيرات تلك التي رجحها العالم تشارلز داروين (Charles Darwin) في كتابه (Voyage of the Beagle) عام 1842م.
وقد لاحظ داروين أن هناك علاقة مترابطة بين كل من الجزر المرجانية والحواجز الحدية والسدية المرجانية، ووقوعها فوق المصهورات البركانية.
وقد رجح داروين أن نشأة الجزر الحلقية المرجانية تمر بدورة نمو خاصة تتلخص فيما يلي:-
أ- المرحلة الأولى: في هذه المرحلة يبني المرجان مستعمرات عظمى له على جوانب المصهورات البركانية أو الجزر البركانية بالمحيط وخاصة في المياه المدارية التي تناسب نموه.
وعلى ذلك تبدو هذه المستعمرات المرجانية على شكل حواجز مرجانية حدية (Fringing Reefs) (شكل 7 – أ).
ب- المرحلة الثانية: وتتعرض الجزيرة البركانية خلالها لعمليات الهبوط التدريجي بينما ترتفع الحواجز المرجانية الحدية إلى أعلى تبعاً لمدى سرعة حركة هبوط الكتلة البركانية الوسطى.
وعلى ذلك تصبح الحواجز المرجانية الحدية على شكل حواجز مرجانية سدودية (Barrier Reefs). شكل (7ب).
ج- المرحلة الثالثة: تتعرض الجزيرة البركانية خلال هذه المرحلة الأخيرة لعمليات الهبوط التدريجي المستمر إلى أن تتلاشى الجزيرة البركانية تماماً.
بينما تنمو فوق أعاليها المستعمرات المرجانية وتتخذ شكل أشرطة قوسية وتحصر بينها بحيرة داخلية ضحلة، وتنفصل الأشرطة القوسية فيما بينها بواسطة فتحات بحرية ضحلة ضيقة. (شكل 7 جـ).
وكان من أظهر أنصار نظرية داروين، العالم الجيومورفولوجي وليم موريس ديڨيز (W. M. Davis)، وعمل على تدعيم هذه النظرية بالدراسات العملية.
وقد أكدت نتائج الدراسات الأوشيانوجرافية الحديثة تعرض أواسط بعض الجزر البركانية – المرجانية لعمليات الهبوط التدريجي.
فقد تبين من أعمال الحفر الجيولوجي بجزيرة بيكيني (Bikini) المرجانية وجود صخور جيرية يختلط بها بعض حفريات الزمن الثالث عند عمق 750 متراً من سطح البحر.
واستنتج الباحث «لاد» (H.S. Ladd) عام 1948 أن الصخور البركانية القاعدية التي ترتكز عليها جزيرية بيكيني تتمثل على عمق 2350 متراً.
وعلى ذلك إذا كانت الكائنات المرجانية قد نمت بسرعة لكي تكون مثل هذا السمك العظيم، فيمكن أن نستنتج في نفس الوقت كذلك أن هذا الجزء من المحيط قد تعرض لعمليات الهبوط التدريجي.
أما سير جون موري (Sir John Murray) فقد اعتقد أن المستعمرات المرجانية تنمو من أسفل إلى أعلى خاصة في الفتحات البحرية الضحلة، والتي تمثل بدورها بيئة صالحة لنمو العائلات المرجانية.
وقد أوضح كذلك أن المرجان يعظم نموه في المراكز الوسطى من مناطق تجمعه، أما عند أطراف المستعمرات المرجانية فيتعرض حيوان المرجان للهلاك تبعاً لقلة الغذاء.
وعلى ذلك يتعرض هيكل المرجان لعمليات الإذابة المستمرة. ووفقاً لهذا التفسير اعتقد «موري» أن نشأة البحيرة الداخلية الضحلة ترجع إلى أثر عمليات ذوبان المرجان وتجمع المفتتات المرجانية بها.
ولا يحتاج تفسير نشأتها إلى حدوث عمليات هبوط قاع البحر أو ارتفاعه. بينما ارتفعت أشرطة الجزر المرجانية القوسية تبعاً لعظم نمو المرجان في هذه الأجزاء. وكان من أنصار هذا الرأي الملاح البيولوجي المشهور الكسندر أجازيز (Alexander Azassiz).
إلا أن الباحث ڨون (T. W. Vaughn) أكد بعد دراسته لتجمعات المرجان الميت في منطقة ساحل فلوريدا (Florida Keys).
أن عملية إرساب الجير (lime deposition) أعظم بكثير من عملية ذوبانه، ويعزى ذلك إلى النسبة الضئيلة جداً من ثاني أكسيد الكربون بالمياه.
واعتقد ڨون أن عملية ذوبان الحجر الجيري المرجاني بمياه البحر دون وجود نسبة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون يعد أمراً غير مقبول من الناحية العلمية.
وفي عام 1910 رجح الباحث الأمريكي «دالي» (R. A. Daly) نظرية أخرى تفسر نشأة الجزر المرجانية الحلقية، ثم أكد آراءه من جديد في كتابه عن «أرضية المحيطات» عام 1942.
فقد لاحظ «دالي» أن معظم المستنقعات البحيرية التي تنحصر بين الجزر المرجانية الحلقية ذات أعماق متشابهة تقريباً حيث تتراوح أعماقها من 45 – 75 متر.
كما أن بعض القمم الجبلية العالية، لبعض الجزر البركانية (مثل جزيرة هاواي) تعرضت للتعرية الجليدية البلايستوسينية.
وعلى ذلك اعتقد دالي أن المياه التي تحيط بالجزر خلال عصر البلايستوسين كانت أعظم برودة وأقل ملوحة (تبعاً لذوبان الجليد وتراكمه فوق أعالي بعض الجزر) عن المياه الحالية.
وهي خصائص من الصعب أن تنمو فيها أي مستعمرات مرجانية. وإذا كان هذا الرأي صحيحاً، فإن المستعمرات المرجانية حول جزر هاواي وغيرها من الجزر لا بد وأن تكون قد نشأت بعد عصر البلايستوسين وعند بداية العصر الحديث.
وعندما حسب دالي حجم الكتل الجليدية التي تجمعت في البحار والمحيطات خلال عصر البلايستوسين تبين له أن هذا الجليد أدى إلى انخفاض منسوب سطح البحر بنحو 90 متراً عما هو عليه اليوم.
ومعنى ذلك أن المستعمرات المرجانية التي بدأ تجمعها بعد نهاية عصر البلايستوسين قد تكونت في مياه يكثر بها نسبة الصلصال تبعاً لتلاطم الأمواج في الرواسب الحديثة التجمع.
كما أنها لم ترتفع عن سطح البحر إلا بنحو بضعة أقدام محدودات، وعندما أخذ مستوى سطح البحر في الارتفاع التدريجي تمكنت بعض المستعمرات المرجانية من المقاومة في سبيل البقاء وذلك بتكاثرها السريع وبناء مستعمرات عظمى وترتفع إلى أعلى مع حركة ارتفاع مستوى سطح البحر. (شكل 8).
وحسب رأي دالي تعتبر المستنقعات البحيرية التي تقع بين أشرطة الجزر المرجانية، أحواضاً أخذت تتجمع فيها الرواسب والمفتتات الصخرية والعضوية التي أرسبتها الأمواج.
ويتناسب أعماق هذه المستنقعات تناسباً طردياً مع مساحتها ومدى اتساعها. فكلما ازدادت مساحتها ازداد عمقها والعكس صحيح.
إلا أن هناك بعض النقاط التي لم تستطع نظرية دالي تفسيرها وتتلخص فيما يلي:-
أ- أثبتت عمليات الحفر borings في الصخور خاصة في جزر فونا فوتي Funafuti وبيكيني Bikini، أن هناك تكوينات من الصخور الجيرية المرجانية على أعماق حوالي 900 متر وترجع نشأتها إلى الزمن الثالث.
ب– أكدت الأبحاث الأوشيانوجرافية حدوث حركات الهبوط في أواسط بعض مجموعات الجزر المرجانية.
ج– لا ترجع كل المستعمرات المرجانية المحيطية بالجزر إلى العصر الحديث فقط.
د- لم تفسر آراء دالي كيفية تكوين المستعمرات المرجانية فوق قمم الجزر المرجانية العالية.
أما فيما يتعلق بالحواجز المرجانية، فهذه تنتشر في بعض المسطحات المائية المدارية خاصة بالمحيطين الهادي والهندي. أما في المحيط الأطلسي فتظهر الحو
اجز المرجانية حول بعض جزر الهند الغربية وبجوار أجزاء من الساحل الشمالي الشرقي للبرازيل.
ومن الحواجز المرجانية التي تخرج نسبياً عن نطاق المياه المدارية، حواجز برمودا، والتي نشأت بمساعدة مياه تيار الخليج الدفيء.
ولكن أعظم هذه الحواجز جميعاً هو الحاجز المرجاني العظيم الذي يقع شمال شرق أستراليا، ويبدأ من أقصى شمال ساحل كوينزلاند وتنتشر أطرافه الشمالية في مياه مضيق تورس (Torres Strait). ثم يسير جنوباً بمحاذاة ساحل كوينزلاند لأكثر من 1600 كيلو متر.
ويبلغ أقصى اتساع الحاجز أمام بلدة ماكاي Mackay حيث يبلغ عرض الحاجز بالقرب من خط الساحل إلى نهايته في البحر مسافة طولها نحو 241 كيلومتراً.
ويتألف هذا الحاجز العظيم من حواجز ثانوية مختلفة الأشكال والحجم، وتشغل معظم الرف القاري لساحل كوينزلاند.
وتبتعد الحواجز الحدية في شمال الحاجز عن ساحل كوينزلاند بنحو 48 كيلومتراً.
إلا أن الحاجز يقترب من الساحل كلما اتجهنا صوب الجنوب حيث يبتعد الحاجز الحدي عن خط الساحل أمام رأس ميلفيل (Melville) بنحو 11 كيلو متراً فقط.
وتتلاشى أطراف الحاجز جنوباً عند دائرة عرض 25˚ جنوباً إلى الشمال مباشرة من ماري بورو (Maryborough).
ولا يتألف الحاجز المرجاني الأسترالي العظيم من حيوانات المرجان الحفرية القديمة.
بل تنتشر فوقه كذلك حواجز تتألف كلياً من الشعاب المرجانية الحية. ومن أشهر هذه الحواجز ذلك المعروف باسم حاجز أرلينجتون (Arlington) أمام ساحل كوينزلاند.
وقد رسم لهذا الحاجز المرجاني العظيم قطاعات عرضية تفصيلية توضح شكله العام والصخور التي يرتكز عليها، وتبين أن الحاجز يتألف من حواجز سدية عظمى تشغل مقدمات الرف القاري.
وتمثل في نفس الوقت الأطراف الحدية للحاجز صوب البحر، وكذلك مجموعات أخرى من الحواجز السدية الداخلية الثانوية وحواجز حدية أو هامشية تنحصر كلها بين الحواجز السدية العظمى في الشرق من ناحية، وخط ساحل كوينزلاند في الغرب من ناحية أخرى (شكل 9).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]