جسر ميلينيوم في لندن وجسر باسريل سولفرينو . الفشل
2014 لنسامح التصميم
هنري بيتروكسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة
شهرة جسر ميلينيوم في لندن تعود، بالطبع، لكونه أغلق بعد أيام قليلة من افتتاحه في حزيران/ يونيو 2000، عندما بدأ جسم الجسر بالتمايل على الجانبين إلى درجة منذرة بالخطر، وحدث شيء مماثل في السنة التي قبلها لجسر مشاة في باريس. صُمّم [جسر] باساريل سولفرينو (Passerelle Solferino) لإتاحة عبور هادىء للمارة على نهر السين (Seine) من تويلري كاي (Tuileries Quay) إلى موزيه دورسيه (Musée d’orsay)، وبالرغم من فحصه قبل افتتاحه من طريق 150 شخصاً رقصوا على نغم صُمّم لاكتشاف القابلية الديناميكية، فهذا الجسر الذي صُمم تكنولوجياً وجمالياً كجسر مقوّس تمايل يوم الافتتاح. وإغلاق الجسور المعرضة للتمايل قرار حكيم، ذلك لأن مجرّد إشارة لاحتمال سقوط جسر ما قد يثير الرعب ويؤدي إلى مأساة، وقد حدث مثال كلاسيكي يوم الذكرى (Memorial Day) عام 1883. فبعد أسبوع من افتتاح جسر بروكلين سُحق اثني عشر شخصاً حتى الموت على ممشى الجسر عندما أُصيب بالذعر متجولون في عطلة حول سلامة الهيكل. وفي 1958، أغلق جسر معلق للمشاة في كييف في أوكرانيا لأنه تمايل جزءاً من الإنش عندما حدث ازدحام خلال نهاية الأسبوع. وفي الآونة الأخيرة، في تشرين ثاني/ نوفمبر 2010، عندما كانت الملايين في بنوم بنه (Phnom Penh) في كمبوديا بمناسبة المهرجان السنوي للماء، كان جسر معلق متمايل ذو مجاز متواضع مشهداً لموت 350 شخصاً سحقوا أو اختنقوا؛ وأصيب 400 شخص آخر بجراح بسبب الاندفاع الجماعي الذي يُعتقد أنه كان قد بدأ بسبب مخاوف بأن الهيكل لم يكن مستقراً. وللأسف، لم يتم إغلق الجسر لحين ما بعد وقوع الكارثة. واعترف المعماري مارك ميمرام – ) ( Marc Mimram المهندس المسؤول عن باساريل سولفرينو، إن تصميم "جسر المشاة أكثر صعوبة من جسور أخرى، بسبب المتطلبات المتضاربة للوزن الخفيف والمجاز الطويل". ومع ذلك، كيف لمثل هذه السهوات المحرجة أن تحصل، وبالأخص فجر القرن الحادي والعشرين، عندما يستعمل المهندسون أدوات قوية معتمدة على الحاسوب لتصميم ما كان أسلافهم يرسمونه على الرمل باستعمال العصي؟
كما في الأنواع الأخرى من الجسور التي قام سبلي بدراستها، فإن تصميم جسور المشاة أصبح روتيناً، وللأسف، فالأحمال التي تأخذ بالاعتبار في تصميمها لا تتضمن القوى الجانبية المسلطة من قبل المشاة، وهي قوىً لها تواتر يعادل مرة ونصف وقع قدم عمودي لقدم إنسان، ومن الناحية التاريخية، لم يكن هذا الأمر ذا شأن بالنسبة للجسور الضخمة، لكن الذبذبة الطبيعية للحركة الجانبية لجسر باسريل سولفرينو الرشيق وجسر لندن ميلينيوم كانت قريبة من ذبذبة القوة الجانبية التي يسلطها المشاة من خلال التحرك بمشيتهم الاعتيادية. مع أن حشود الناس لا يسيرون عادة بخطوات متناغمة إذا ما بدأ الجسر الذي تحتهم بالتحرك جانباً – لأي سبب كان – لكن الأشخاص الذين فوقه سيلجأون غريزياً إلى الخطوة التي تحافظ على توازنهم، وهذا بدوره يفاقم الحركة الجانبية للهيكل، وتتطور جرّاء ذلك تغذية ارتجاعية موجبة، ويمكن للحركات أن تصبح عنيفة لدرجة تحتم إغلاق الجسر بسبب مخاوف السلامة العامة.
لا يوجد تشابه بين جسر باسريل سولفرينو وجسر لندن ميلينيوم بأي شكل من الأشكال. فالأول هو على شكل قوس والآخر جسر معلق ذي ملمح منخفض، وبالرغم من عدم تشابههما، فقد اشتركا مع جسور مشاة أخرى بافتراضات تصميمية أساسية، التي من الواضح أنها لم تأخذ بالاعتبار حالة التحميل الجانبية الحرجة. وفي هذا المعنى فإن تطوير جسور المشاة يقع في النمط الذي أشار له سبلي، أي، أن الحالة القائمة للفن [للهندسة]، التي تمّ تطويرها من خلال الممارسة الناجحة، قد دفعت أخيراً، على الرغم من أنها من دون قصد، إلى حدود حيث أصبحت غير ملائمة. صفات في التصميم كانت مهملة سابقاً أصبحت مهيمنة على السلوك الهيكلي، وبهذا المعيار، فالفشل – على الرغم من أنه ليس بالانهيار الدرامي– لجسور المشاة، حيث الظواهر الديناميكية غير المؤثرة في جسور أقل حجماً كشفت حالها بأنها محددة، بدت كأنها استمرت في دورة الثلاثين سنة وحقّقت توقع فشل جسر بحدود سنة 2000.
لكن ذلك لم يمنع تصميم معابر أكثر جرأة من سابقاتها. وكما أصبح إنشاء المجازات المعلقة للمركبات أطول وأكثر رشاقة في العقد الذي انتهى بانهيار جسر تاكوما ناروز، كذلك أصبحت جسور المشاة أطول وأكثر رشاقة من قبل، وهذا التوجّه سوف يستمر، من دون شك، في غياب فشل كارثي حقيقي ناتج من تمايل جانبي، وجسر ديفيد كريتزر (David Kreitzer) لايك هودجز (Lake Hodges) للدراجات الهوائية والمشاة في سان دييغو (San Diego) في كاليفورنيا، الذي يبلغ طوله 1000 قدم، له مجازات عمقها 16 أنش فقط. لذا فهذا الجسر الذي يطلق عليه جسر سترس ريبون [جسر شريط الشد]، هو بالحقيقة جسر معلق مع جسم متكئ على الحبال المشدودة مباشرة، تبلغ نسبة مجازه – إلى – عمقه 248، مقارنة بـ 350 بالنسبة لجسر تاكوما ناروز المنكوب، وجسر مشاة آخر في سان دييغو، يربط حديقة عامة بمركز للمؤتمرات "صمم ليكون بوابة أيقونية للمدينة"، كان تنفيذه متأخراً بحسب الجدول الزمني وفي النهاية كلّف أكثر من ضعف ما قُدِّر له أصلاً، وقد وصف الجسر بأنه "هيكل فريد من نوعه"، ما يفسّر التأخير والكلفة العالية، وعندما سُكب الكونكريت لجسم الجسر، وجد أنه 7% أثقل مما خطط له مما احتاج إلى تغييرات في الحبال الداعمة. تعقيدات كهذه قد تحصل في تصميم أكثر تقليدية، لكن يبدو أن الهياكل الأيقونية تميل إلى جذب مشاكل وتعقيدات متفردة، وفي أحسن الظروف، تدفع هذه التعقيدات المهندسين للرجوع إلى الوراء وبالتالي إعادة التفكير في تصاميمهم، وهذا بدوره يمكن أن يقودهم إلى اكتشاف أخطاء محتملة ثم تصحيحها قبل حدوث الفشل، ولكن، قد لا يُكترث لكل علامات التحذير للفشل، في الواقع، ما قد يؤدي أي جانب اعتيادي من مشروع إلى مشاكل.
إذا كانت جسور المشاة قد مضى عليها وقت طويل في الاستخدام وتحت التطوير – وبالأخص جسر لندن ميلينيوم – فلماذا، صادف أن وقعت بشكل منتظم ضمن دورة الثلاثين سنة للفشل؟ يبدو، أن حالات فشل الجسور الكبيرة تقع مرة في كل جيل مهني، والتي مدتها عادة ثلاثة عقود. وتبعاً على ما إذا تم القيام بتصميم جديد أو تصميم معدّل بشكل بارز [من تصميم سابق] عقب فشل كبير أو بضع سنوات بعد ذلك، قد يتحسس المهندسون من كافة الأنواع والأعمار أو لا يتحسسون لقابلياتهم على الخطأ. كذلك جرّاء فترة طويلة من النجاح، قد يصبحون متراخين في ممارسة فنّهم [مهنتهم]. وبحسب سبلي وواكر، الذين كتبا عام 1977:
لقد وقعت الحوادث ليس بسبب إهمال المهندس في توفير قوة كافية [للهياكل] كما تنصّ عليها الاتجاهات التصميمية المقبولة، ولكن بسبب إدخال أنواع جديدة من السلوك بشكل غير فطن. وبمرور الوقت خلال فترة التطوير، تُنسى قواعد طرق التصميم وكذلك حدود صلاحياتها، وفي أعقاب فترة البناء الناجح، يقوم المصمم، وقد أصبح ربما راض عن نفسه بعض الشيء، بالتوسّع في طريقة التصميم مرة أكثر مما يجب.
في حالة جسر لندن ملنيوم، كان السلوك الجديد هو التمايل على الجوانب للهيكل بسبب القوى الجانبية الأفقية المسلطة من قبل المشاة على جسر معلق رقيق التسطح بدرجة غير اعتيادية، وقد تضخّم التمايل عندما صدف أن كانت سرعة المشاة متناغمة مع الذبذبة الطبيعية للهيكل، وقد اهتم مصممو الجسور منذ وقت طويل بوقع أقدام المشاة العمودية، عشر فقد وضعت بالنسبة لبعض جسور القرن التاسع إعلانات تحذيرية للجنود لكسر خطواتهم [العسكرية] عند استخدام المعبر. غير أن، تأثير المكوّن الأفقي لوقع أقدامهم كان قليلاً أو معدوماً على الهياكل التقليدية، ولذا أُهملت في البداية ثم أصبحت شيئاً مفقوداً في الوعي التصميمي.
تتفاقم المشكلة عندما يصبح المهندس بعيداً بمقدار جيل كامل عن بداية تصوّر طريقة التصميم أو نوع الهيكل. فبدون معرفة الفرضيات الأساسية للتصميم خلال مرحلة التطوير – فرضيات تحدد، ضمناً أو صراحةً، مدى تطبيق الطريقة أو النوع الهيكلي– قد يقوم المهندسون الأصغر عمراً بتصميم أعمى عملياً في مسالك مجهولة، معتقدين خلال ذلك أنهم يتبعون طريقة قد تمّ اختبارها جيداً، وهذه ظاهرة لا تتفرد بها هندسة الجسور.
يعود استخدام الفولاذ في إنشاء المباني إلى ثمانينات القرن التاسع عشر عند تشييد أولى ناطحات السحاب في شيكاغو. فتأطير المبنى العالي بأعمدة وعوارض فولاذية، يتم بينها بناء أرضيات وجدران كونكريتية، يجعل هيكل المبنى حفيفاً وكفوءاً نسبياً، ويتمّ تغليف الفولاذ بالكونكريت أو البلاط، مما يوفر درجة من الحماية ضد الحريق. (خلافاً للبرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك اللذين انهارا في الحريق الذي أشتعل في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كان بالقرب منهما مبنى في شارع 90 ويست – يقارب عمره قرناً من الزمن – استطاع الصمود بالضبط بسبب إكساء أعمدته الفولاذية بالكونكريت والقرميد والطوب الأحمر (Terra Cotta). وفي الأيام الأولى من استخدام الفولاذ في المباني، كانت الأعمدة والعوارض تُربط بواسطة مفاصل ثقيلة مبرشمة، ولكن بمرور الزمن تغيرت تصميمات هذه المفاصل لتكون متانتها أقل وأقل. إضافة لذلك، بينما اكتسبت ناطحات السحاب المكونة من أطر فولاذية صلابة أكبر، بضمنها مبنى الأمباير ستيت (Empire State Building)، وذلك من خلال ملء وإكساء البناء والجدران الكونكريتية، إلّا أن الهياكل التي أنشئت بعد الحرب العالمة الثانية لم تكن كذلك، بسبب الأسطح الزجاجية الخارجية، التي تعرف بالستائر الجدارية، والتي كانت معلقة ببساطة من هيكل الإطار. وفي نفس الوقت، استبدلت البرشمة في عملية الربط باللحام. كل هذه التحوّلات التطويرية جعلت الهياكل أكثر كفاءة واقتصادية، لكنها مليئة بأخطاء كامنة.
اكتشفت هذه الأخطاء خلال هزة نورثبردج (Northrige) التي ضربت جنوب كاليفورنيا عام 1994. وقد استغرب مهندسو الإنشاءات من عدد الكسور الهشة التي ظهرت بالقرب من الترابطات الملحومة بين العارضات والأعمدة، وحدثت ظاهرة مماثلة في السنة التي تلت، عندما ضربت هزة أرضية كبيرة مدينة كوبي (Kobe) في اليابان، ومن نافل القول، إن السلوك الهيكلي غير المتوقع حثّ التحقيقات، التي اكتشفت بأن سبب الكسور يُعزى إلى عدد من العوامل المترابطة التي يمكن القول إنها تنامت جميعها خطوة غير ضارة بعد خطوة غير ضارة أخرى خلال القرن السابق، ولم تكن أي من التغييرات التي حصلت عبر التحوّل الطويل من البرشمة المتينة إلى الترابط الملحوم، منفردة، السبب الذي أدّى إلى الفشل، لكن كل هذه التغييرات، بمجملها، ساهمت في النتيجة غير المتوقعة، ومن بين العوامل المساهمة المعايير المتراخية التي كانت تفرض على الفولاذ المستخدم، واستخدام معدن لحام ذي قابلية تحمّل ضعيفة للعيوب، وممارسات لحام متدنية، وسيطرة غير كافية على النوعية بالنسبة للعمل المنجز. لقد كانت حالة كلاسيكية لتدهور تصميم متين تداعى تدريجياً بحجة الاقتصاد والكفاءة، ومن نافل القول، إنه تم اعتماد معايير جديدة إثر الهزات الأرضية في نورثبردج وكوبي، وهي أمور ما كان لها أن تكون ضرورية لو تمَّ الحفاظ على الاعتبارات الأساسية التي كانت متبعة في التصاميم القديمة عند اعتماد التعليمات الجديدة – بعبارة أخرى، لو كان هناك اهتمام أكبر بالذاكرة المؤسسية والوعي للتطورات التاريخية ضمن مهنة هندسة الإنشاءات .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]