حجية الصورة في حال توافر شروطها
1995 الحاسوب والقانون
الدكتور محمد المرسي زهرة
KFAS
حجية الصورة الحاسب الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
إذا توافرت الشروط السابقة ، كان من الطبيعي أن يعترف المشرع للصورة بحجية "معينة" في الإثبات ، تختلف – دون شك – عن حجية الصورة بوجه عام . فما هي ، على وجه التحديد ، حجية الصورة المستوفية للشروط السابقة ؟
نود في البداية ان ننوه إلى أن ثمة فروض لا خلاف عليها . فالصورة التي تستجمع الشروط السابقة ليس لها ، بإجماع الفقهاء الفرنسيين، حجية الأصل .
بعبارة أخرى ، تأتي هذه الصورة في مرتبة اقل من الكتابة الأصلية . فهي إذن ليست دليلاً كتابياً كاملاً . ويترتب على ذلك نتيجة بديهية وهي أنه يجوز إثبات عكس الصورة الثابتة والدائمة بأية طريقة من طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن .
كما أن مثل هذه الصورة – من ناحية أخرى – لها حجية تفوق حجية الصورة العادية . فهذه الصورة الأخيرة ليست لها ، في حالة عدم وجود الأصل ، أي حجية إلا إذا كانت صورة لورقة رسمية بشروط وحدود معينة (م 1334، 1335 مدني فرنسي) .
إذا استبعدنا الفروض السابقة ، فإن البعض يرى أن المشرع قد سلك مسلكاً وسطاً ، فاعتبر الصورة التي تستجمع شرطي التطابق والدوام في مرتبة أعلى من مبدأ الثبوت بالكتابة ، لكنها أقل من مرتبة الكتابة الأصلية (الأصل) .
ويترتب على ذلك أن القاضي يستطيع أن يستند في إصدار حكمه على هذه الصورة وحدها ؛ إذ هي تصبح حجة في حالة عدم الاحتفاظ بالأصل. فالصورة الثابتة والدائمة تكفي وحدها في تكوين عقيدة القاضي دون الحاجة إلى دليل آخر .
على عكس مبدأ الثبوت بالكتابة الذي لا يكفي وحده ، وإنما يجب تكملته بالبينة . وهذا الخلاف بينهما ناتج عن أن الصورة الثابتة والدائمة تجعل الحق المدعى به مؤكداً ، وليس فقط ، كما هو الحال في مبدأ الثبوت بالكتابة، قريب الاحتمال . فليس لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة في الإثبات إلا إذا كملته البينة.
والحقيقة – في اعتقادنا – أن هذا الرأي غير محدد : فضلاً عن أنه لا يقدم حلاً واضحاً لحجية الصورة الدائمة والثابتة .
فهذه الصورة ، في رأي أنصار الرأي السابق ، ليست اصلاً ، فهي اقل منه مرتبة ، كما أنها ليست أصلاً ، فهي أقل منه مرتبة ، كما أنها ليست "بداية" ثبوت بالكتابة ، فهي أعلى منه مرتبة . وهي بالتأكيد تختلف أيضاً عن الصورة "العادية" التي ليست لها – كقاعدة – حجية في حالة عدم وجود الأصل .
فما هي إذن حجيتها على وجه التحديد ؟ وهل هي دليل جديد من أدلة الإثبات أراد المشرع إضافته إلى الأدلة الأخرى التي حددها في المادة 1316 مدني وهي : الكتابة ، البينة ، القرائن ، الإقرار ، اليمين ؟ نعتقد أن مثل هذا الحل يصعب القول به وذلك لما يلي :
فهو – من ناحية – حل لا يُضيف جديداً . إذ يبقى أن نحدد أحكام هذ الدليل وحجيته في الإثبات ، الأمر الذي لم يستطع أنصار الرأي السابق تحديده .
والقول بأن القاضي يمكنه أن يستند على الصورة الثابتة والدائمة والمطابقة وحدها لتكوين عقيدته لا يُفيد كثيراً ، إذ هو يعني – ببساطة – ترك تقدير حجية هذه الصورة لسلطة القاضي دون رقابة عليه من محكمة النقض . إن شاء استند عليها ، وإن شاء تنكر لها ، وإن شاء طلب من القرائن ما يعززها ويُكملها .
وهو حل لا يتفق – من ناحية أخرى – من إرادة المشرع . فالمكان الذي اختاره المشرع للتعديل الجديد ، حتى ولو كان منتقداً ، يقطع في أن المشرع لم يرد إضافة دليل جديد من أدلة الإثبات .
وأخيراً ، فإن القول بأن الصورة الثابتة والمطابقة تجعل الحق المدعى به مؤكداً يعني أنه كان يجب إعطاءها حجية الاصل ، وهو ما لم يقل به أحد من أنصار الرأي السابق ، وليس فقط حجية، على حد تعبير البعض، تعادل تقريباً حجية الأصل Une valeur Presque équivalante à celle de I’origine .
والحقيقة أننا نعتقد ، مع فريق آخر من الفقه الفرنسي، أن عدم الاحتفاظ بالأصل وتقديم صورة تعقد نسخاً مطابقاً وثابتاً للاصل إنما يؤدي إلى تعطيل إعمال مبدأ الإثبات بالكتابة ، ويجعل ، من ثم ، الإثبات حراً بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن . اي أنه يجوز – حينئذ – إثبات ما كان يجب إثباته بالكتابة بكافة طرق الإثبات .
وحجتنا في ذلك ، ليست فقط المكان الذي اختاره المشرع للتعديل الجديد – حيث أورده ضمن الاستثناءات التي ترد على مبدأ الإثبات بالكتابة – وإنما ايضاً ، وبالدرجة الاولى ، صياغة الفقرة الثانية من المادة 1348 مدني ذاتها .
فبعد أن نص المشرع على مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية – كقاعدة – إلا بالكتابة ، أورد على هذا المبدأ عدة استثناءات في المادة 1348 مدني . وهي : استحالة أو تعذر إعداد جليل كتابي وقت إبرام التصرف سواء كانت الاستحالة مادية أو معنوية ، وفقد الدليل الكتابي بعد إعداده بسبب أجنبي .
وقد أضاف المشرع استثناء ثالثاً بالتعديل الجديد بقوله في الفقرة الثانية من المادة 1348 : "يرد على القواعد السابقة (المتعلقة بوجوب الإثبات بالكتابة) أيضاً استثناء إذا لم يحتفظ أحد الأطراف أو المودع لديه بالاصل ، وقدم صورة تعد نسخاً ليس فقط مطابقاً وإنما أيضاً…".
فإرادة المشرع واضحة في ان مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية ، كقاعدة ، إلا بالكتابة لا يطبق على سبيل الاستثناء ، في حالات معينة منها تقديم صورة ثابتة ومطابقة للاصل في حالة عدم الاحتفاظ بهذا الأخير .
ولو أراد المشرع خلاف ذلك لأمكنه بسهولة إدخال التعديل على المادتين 1334 ، 1335 مدني اللتين تنظمان حجية صورة المحررات الكتابية . أما وأنه لم يفعل فيجب – من ثم – احترام إرادته حتى ولو بدت للبعض منتقدة .
فالمشرع الفرنسي قد اراد ، ببساطة ، إضافة استثناء جديد إلى الاستثناءات التي تُعطل إعمال مبدأ وجود الإثبات بالكتابة . ولم يُرد إضافة دليل جديد من أدلة الإثبات .
فقد لاحظ المشرع – بحق – أن مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة يقف عقبة أمام الاعتراف لمخرجات الحاسب الإلكتروني بحجية قانونية في الإثبات . وذلك لسبب بسيط هو أن هذه المخرجات لا يتوافر لها – غالباً – عناصر الدليل الكتابي الكامل .
ولذلك أعتقد المشرع أن استبعاد مبدا الإثبات بالكتابة قد يساعد على حل مشكلة حجية السندات الجديدة في الإثبات .
ومن ناحية أخرى ، فإن الرأي الذي نقول به ، فضلاً عن اتفاقه مع إرادة المشرع ، فإنه يؤدي عملاً إلى ذات النتيجة التي انتهى إليها أنصار الرأي الأول .
فالصورة الثابتة والمطابقة لا يقتصر دورها فقط على استبعاد تطبيق مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة ، وإنما يمكن للقاضي – بعد ذلك – الاستناد إليها وحدها أو مع قرائن أخرى ، في تكوين عقيدته .
بعبارة أخرى ، فإن الصورة الثابتة والمطابقة تلعب دوراً مزدوجاً : فهي من ناحية مانع من تطبيق أحكام الدليل الكتابي ، وهي – من ناحية أخرى – "حجة" يمكن ان يستند إليها القاضي في تكوين عقيدته .
وقد تكفي وحدها لإصدار حكمه ، وقد تحتاج لدليل آخر يُكملها ويُدعمها . فالأمر إذن متروك لتقدير القاضي الذي قد يُهدر قيمتها في الإثبات ، وقد يطمئن إليها شرط أن يتوافر لها عنصرا الثبات والدوام.
فالعقبة التي كانت تقف أما حجية مخرجات الحاسوب في الإثبات قد زالت بفعل الصورة الثابتة والمطابقة ، وأصبح طريق الإثبات حراً ، ومن ثم يكن للقاضي أن يستند إليها في تكوين عقيدته وإصدار حكمه .
وبذلك يكون المشرع الفرنسي قد أوجد ، بمقتضى تعديله الجديد ، نوعاً خاصاً من الصور له حجية متميزة عن حجية الصورة "العادية" .
والسؤال الآن هو كيف يمكن تفسير الفقرة الثانية من المادة 1348/1 بالمقارنة بالمادتين 1334، 1335 مدني فرنسي ، اللتين تنظمان حجية صور المحررات بوجه عام .
يفرق المشرع الفرنسي ، ضمناً ، فيما يتعلق بحجية صور المحررات عموماً بين المحررات العرفية والمحررات الرسمية : فصور المحررات العرفية ليس لها حجية إلا إذا وجد الأصل وبمقدار تطابقها مع هذ الأصل .
فإذا لم يوجد الأصل ، لأي سبب، فليس لها أي حجية قانوناً . أما المحررات الرسمية ، فقد فرق المشرع ، فيما يتعلق بحجية صورها ، بين حالتين :
الأولى ، وجود الأصل ، فلا يكون لاي صورة رسمية حجية إلا بمقدار مطابقتها للأصل فعلاً . الثانية ، فقد الأصل ، فالصورة الأولى ، والصورة التي يحررها القاضي ويضعها محل الاصل عند سحبه لضمه إلى ملف إحدى الدعاوى بناء على قرار من المحكمة لها حجية الأصل على سبيل الاستثناء بشرط إثبات واقعة الفقد .
أما الصورة الرسمية الأخرى المنقولة عن الاصل فتكون لها حجية الأصل أيضاً إذا كانت قديمة . أما قبل مضي هذه المدة فتعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة . وأخيراً فإن الصورة المنقولة عن صورة أخرى وليس عن الأصل ، فيجوز الاعتداد بها على سبيل الاستئناس فقط (1335 / 4 مدني) .
فإذا جاء المشرع بعد ذلك وقرر – في تعديله الجديد – أن الصورة الثابتة والمطابقة لها حجية متميزة عن الصورة "العادية" (م 1348/2 مدني) ، فإن الامر يحتاج إلى يضاح من أكثر من ناحية .
فالتعديل الجديد قد جاء – من ناحية أولى – عاماً بحيث يشمل الضور الثابتة والمطابقة للأصل سواء كان هذا الأخير محرراً رسمياً او محرراً عرفياً .
ونص المادة 1348/2 مدني صريح في استبعاد أحكام إعداد الدليل الكتابي إذا لم يحتفظ ذوو الشأن بالأصل ، وقدموا صورة تعد نسخاً مطابقاً ودائماً له . وهذه الصورة ، التي أضفي عليها المشرع حجية "متميزة"، قد تكون صورة لورقة رسمية ، وقد تكون صورة لورقة عرفية .
لكن هذا التفسير يعني ، إذا صح ، إلغاء الأحكام الواردة في المادتين 1334 ، 1335 مدني إلغاء ضمنياً.
فالمشرع لا يعترف ، طبقاً للمادتين 1334، 1335، لصور الورقة العرفية بحجية في الإثبات إلا إذا كان الاصل موجوداً وبمقدار ما تهدي إلى الأصل .
كما أنه ، أي المشرع ، لا يعترف لصور الورقة الرسمية بحجية في الإثبات ، في حالة فقد الاصل ، إلا في حدود وبشروط معينة .
فإذا جاء ، رغم ذلك ، واعترف للصورة الثابتة والمطابقة بحجية متميزة عن حجية الصورة "العادية" ، فإن الأمر قد يحمل على أنه إلغاء لأحكام المادتين 1334 ، 1335 مدني ، أو على الأقل تعديل لهما .
ويترتب على ذلك أنه يوجد في القانون الفرنسي ، بعد التعديل الجديد ، نوعان من الصور : صور "عادية" وهي التي لا تتوافر لها شرطاً الثبات والمطابقة ، وتخضع – من حيث قوتها في الإثبات – لأحكام المادتين 1334، 1335، والصور الثابتة والمطابقة وتخضع لأحكام المادة 1348/2 مدني .
لكن ذلك قد يؤدي ، عملاً ، إلى عدم تطبيق أحكام المادتين 1334، 1335 مدني إلا فيما ندر . إذ غالباً ما يتوافر للصورة شرطا الدوام والمطابقة .
فالصورة الفوتوغرافية مثلاً هي صورة ثابتة ، وقد تكون مطابقة إذا لم يكون هناك ما يوحي بالشك في مظهرها . وهنا يجب إخضاعها ، طبقاً للتفسير السابق ، لأحكام المادة 1348/2 مدني المعدلة بالقانون الصادر سنة 1980.
بل إننا نعتقد أن المشرع لم يأت بجديد حينما اشترط توفر شرطي الثبات والمطابقة في الصورة "الخاصة" ذات الحجية المتميزة .
فهي شرط تفرضها القواعد العامة ، فالصورة ، اياً كانت ، لا يمكن الاحتجاج بها قانوناً إلا إذا كانت مطابقة للأصل ، وليس لها حجية إلا بمقدار هذا التطابق. هذا إذا كان الأصل موجوداً .
أما إذا لم يكن موجوداً ، فقد رأينا أن التحقق من التطابق يُصبح مستحيلاً عملاً ، وليس أمام القاضي – هنا – سوى الاعتماد على ظاهر الصورة وشكلها الخارجي.
أما الدوام ، أي الثبات على مر الزمن، فليس من المتصور إعطاء الحجية لاي مستند ، أصلاً كان أم صورة ، إلا إذا كانت دعامته ، أي مادته التي صُنع منها، تبقى على مر الزمن .
أياً كان الامر ، فإن الواقع الفرنسي أصبح يعرف – بعد التعديل الجديد – نوعين من الصور : صور "عادية" تخضع لأحكام المادتين 1334، 1335 مدني ، وصور "خاصة" ثابتة ومطابقة تخضع لاحكام المادة 1348/ 2، وهو أمر سيخلق مشاكل عملية في التفسير فقهاً وقضاء .
اللهم إلا إذا قلنا بإلغاء المادتين 1334، 1335 مدني بناء على صدور التعديل الجديد للفقرة الثانية من المادة 1348 مدني.
وحينئذ تخضع الصور عموماً ، اياً كان نوعها ، لأحكام المادة 1348/2 مدني . وهي نتيجة يبدو أن المشرع الفرنسي لم يكن يقصدها.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]