حلول عملية لاثبات حجية “مخرجات” الحاسب الإلكتروني
1995 الحاسوب والقانون
الدكتور محمد المرسي زهرة
KFAS
اثبات حجية المخرجات مخرجات الحاسب الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية الحواسيب، الانترنت والأنظمة
ذكرنا فيما سبق تصورنا العام لبعض المقترحات التي يمكن الأخذ بها تشريعياً لحل مشكلة حجية مخرجات الحاسب الإلكتروني في الإثبات ، فالقانون ، باعتباره انعكاساً لواقع المجتمع ، يجب أن يتطور بتطور هذا الواقع ، وإلا انفصل القانون عن واقعه، وأصبح غريباً عنه دخيلاً عليه .
لكن تدخل المشرع قد يتأخر لسبب أو لآخر . وهنا يأتي دور الفقه والقضاء لمحاولة "تطويع" نصوص القانون لاستيعاب التغيرات التي تطرأ على المجتمع ولو جزئياً .
ومن هذا المنطلق نقترح بعض الحلول التي يمكن الأخذ بها في ضوء قواعد الإثبات الحالية .
وقد رأينا أن الصعوبة الحقيقية في حجية "مخرجات" الحاسب الإلكتروني تكمن في قاعدة عدم جواز إثبات التصرفات القانونية ، كقاعدة ، إلا بالكتابة .
فوسيلة الإثبات الوحيدة المقبولة – هنا – هي الكتابة ، أي الدليل الكتابي الكامل . وراينا أن عناصر الدليل الكتابي الكامل – وخصوصاً عنصر التوقيع – لا تتوافر، غالباً، بالنسبة لمخرجات الحاسب . كما أن غالبية هذه المخرجات هي – في حقيقة الأمر – صور وليست أصلاً ، ولا حجية – كقاعدة – للصورة في الإثبات .
ولذلك اتجه تفكيرنا إلى البحث في الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية إلا بالكتابة . فالمشرع ، في مصر والكويت ، قد أورد بعض الاستثناءات على المبدأ السابق .
وتؤدي هذه الاستثناءات ، إذا توافرت شروطها ، إلى الأخذ بمبدأ الإثبات الحر ، ومن ثم جواز إثبات ما كان يجب إثباته بالكتابة بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن ، فإن ما استطعنا – بالتالي – إثبات توافر أحد هذه الاستثناءات بالنسبة لمخرجات الحاسب الإلكتروني ، أمكن – حينئذ – الأخذ بها في الإثبات .
وقد انتهينا إلى توافر الاستثناءات التالية في حالة التعامل بالحاسب الإلكتروني :
1- اعتبار التعامل بالحاسب مانعاً بحكم العادة
أجاز القانون ، في مصر والكويت ، إثبات التصرف القانوني بكافة طرق الإثبات إذا وَجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي .
وقد استقر الفقه والقضاء ، كما رأينا، على أنه إذا جرت العادة على عدم إعداد دليل كتابي كامل في نوع معين من المعاملات ، ولو لم تكن ثمة استحالة مادية أو أدبية تمنع من إعداد دليل كتابي ، فإن هذه العادة تُجيز – حينئذ – الإثبات بكافة طرق الإثبات . وهو ما يُسمى المانع بحكم العادة .
وقد انتهينا إلى اعتبار التعامل بالحاسب الإلكتروني مانعاً بحكم العادة من إعداد دليل كتابي كامل ، فقد انتشر الحاسب انتشاراً هائلاً في معظم مجالات الحياة ، واعتاد الأفراد على التعامل من خلاله في كثير من المعاملات . واعتادوا – في هذه الحالة – على الاكتفاء بمخرجات الحاسب كدليل على إنجاز معاملاتهم .
ومن ثم يجب اعتبار التعامل من خلال الحاسب في ذاته مانعاً من إعداد دليل كتابي كامل ، إذ لولا انتشار الحاسب والاعتياد على التعامل بوساطته لكان في الإمكان إعداد دليل كتابي .
ويترتب على ذلك الأخذ بمبدأ الإثبات الحر، وإثبات الواقعة محل النزاع بكافة طرق الإثبات . ويمكن – حينئذ – للقاضي أن يعتد بمخرجات الحاسب في تكوين عقيدته قبل إصدار حكمه .
2- اعتبار مخرجات الحاسب "بداية" ثبوت بالكتابة
نص المشرع ، أيضاً ، على جواز الإثبات بكافة طرق الإثبات إذا وجد "بداية" أو مبدأ ثبوت بالكتابة . ونعتقد أنه يمكن بسهولة اعتبار بعض مخرجات الحاسب الإلكترونية مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهي المخرجات المكتوبة كالأشرطة والبطاقات المثقبة ، والاستمارات الورقية المتصلة إذا كانت – بطبيعة الحال – تجعل الأمر المدعى به قريب الاحتمال .
أما بالنسبة لبقية مخرجات الحاسب الإلكتروني ، وهي المخرجات غير المكتوبة ، مثل الأشرطة والأسطوانات الممغنطة ، فلا يتوافر فيها شرط "الكتابة".
فمبدأ الثبوت بالكتابة هو كتابة تصدر عن الخصم من شأنها أن تجعل الأمر المدّعى به قريب الاحتمال.
لكن القضاء كما رأينا، قد فسر شرط الكتابة تفسيراً واسعاً لدرجة يمكن معها القول بانه أصبح غير موجود .
وفي ضوء هذا التفسير يمكن اعتبار كافة مخرجات الحاسب مبدأ ثبوت بالكتابة حتى ولو لم تكن مكتوبة .
ويترتب على اعتبار مخرجات الحاسب الإلكتروني مبدأ ثبوت بالكتابة نتيجتين : الأخذ بمبدأ الإثبات الحر ، ومن ثم جواز الإثبات بكافة طرق الإثبات ، بما فيها البنية والقرائن ، كما يمكن – من ناحية أخرى – اعتماد مخرجات الحاسب كدليل إثبات يكفي لتكوين عقيدة القاضي إذا عُزز بالبينة أو القرائن .
أي أن مخرجات الحاسب تلعب – هنا – دوراً مزدوجاً : استبعاد مبدأ عدم جواز إثبات التصرفات القانونية – كقاعدة – إلا بالكتابة ، واعتبارها دليلاً يقوم مقام الكتابة إذا تم استكماله بالبينة أو القرائن .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]