دور الليمون في علاج مرضى الأسقربوط
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
حوالي سنة 1617 لاحظ طبيب جراح اسمه "وودهول" قيمة الليمون في الشفاء من الأسقربوط، ولكن ما العلاقة بين ذلك الدواء الهندي وبين الليمون ؟ هل هي المصادفة المحض؟ لقد أصدر طبيب اسمه "فيرنيث" حوالي سنة 1760 كتاباً حول الأسقربوط، ولكنه لم يقطع بشيء لا حول طبيعة المرض ولا حول الدواء وبقى المجهول مجهولاً.
حتى أتت سنة 1734 حين أكد الطبيب الهولندي أن الأسقربوط ينجم عن أكل الخضار والفواكه غير الطازج، لكن هل حل المشكلة الطبية في الأعماق؟ .
وكان عام 1747 حين أقلعت سفينة حربية حول سواحل بريطانيا الجنوبية لاستطلاع أية سفينة معادية لمدة ثلاثة شهور. لم تهاجمهم أية سفينة معادية حقاً، ولكن الذي هاجمهم كان أخطر من سفن الأعداء، إذ هاجمهم الأسقربوط وتملك من البحارة.
كان على متن السفينة ضابطها الطبيب الاسكتلندي الصغير ذو الإحدى والثلاثين سنة من العمر، هو الدكتور "جيمي لند". لقد بدأ البحارة يتساقطون من أعالي صواري السفينة، وكانت أفواههم دامية، وأجسامهم متقرحة وأعينهم غائرة.
لم يكن هناك أي علاج سوى اليأس الذي كان يدب في قلوب البحارة الثمانمائة وضباطهم، إلا واحداً فقط كان شجاعاً عاقلاً متزناً، هو الدكتور "جيمس لند" الذي كتب في مذكراته:
"في العشرين من مايو 1747 فيما كانت السفينة "سالسبوري" تمخر عباب البحر، أخذت 12 مريضاً بالأسقربوط تشابهت حالاتهم وأرقدتهم في مكان مناسب من مقدمة السفينة.
لقد تناول الجميع غذاء واحداً مكوناً من العصيدة المحلاة بالسكر صباحاً، أما الغذاء فكان حساء لحم الضأن الطازج. وفيما بين العشاء والغذاء كنت أقدم لهم البسكويت المحلى بالسكر.
أما عن العشاء فكان أرزاً أو شعيراً مخلوطاً بالزبيب. لقد أعطيت رجلين منهم ربع جالون من عصير النعناع كما أعطيت رجلين آخرين ملعقتين من الخل ثلاث مرات يومياً، ثم أعطيت رجلين غيرهم ثوماً ومسطردة، هذا إلى رجلين آخرين أعطيتهما ربع لتر من ماء البحر.
ثم هناك رجلاً فقط أعطيتهما برتقالتين وليموناً في كل يوم لمدة ستة أيام حتى نفذت مؤونة السفينة!.
وكانت المفاجأة لقد شفى الرجلان الأخيران اللذان أخذا البرتقال والليمون، بل وقاما على خدمة المرضى الباقين إلى أن وصلنا إلى ميناء "بلايموت".
لقد دون جميع ملاحظاته بالتفصيل في كتاب سماه"نبذة عن الأسقربوط" ثم استطرد "لند" في مذكراته التي دونها في كتابه عن الأسقربوط فقال معلقاً بسخرية:
"لا يمكن للكثيرين من الناس أن يصدقوا أن مرضاً مخيفاً كهذا المرض يمكن له أن يشفى بهذه السهولة، وقد كان علينا أن نصنع دواء معقداً، نضفي عليه الفخامة، ونلقبه بالإكسير الذهبي المضاد للأسقربوط حتى يصدقنا الناس".
لقد كان تقليداً في الأسطول البريطاني القديم أن يصرف لكل بحار كأس من الروم الممزوج بالماء يومياً، لهذا طلب "لند" إضافة أوقية أو أوقيتين من عصير الليمون لهذا الشراب، ولكن مجلس رعاية المرضى في الإدميرالية البريطانية رفض الطلب فهو طلب سخيف….
ولم يصدق أحد تجربة "لند" الذي اختار كيفما اتفق أدوية ورجال التجربة وحده، كان "كوك" الرحالة هو الذي عمل بوصية "لند" فخزن عصير الليمون قبل القيام برحلته المشهورة، لهذا لم يمرض أحد من رجاله ابداً، وعليه فقد منحته الجمعية الملكية ميدالية ذهبية تقديراً منها لعمله الجيد، فيما نسيت الدكتور "لند" صاحب الفضل!… نسيت أبا الطب البحري الذي مات مغموراً عام 1794 ولم يذكره أحد.
ولكن بعد موته بعام واحد فقط وبالتحديد عام 1795 أمر الأسطول البريطاني كل قباطنة سفنة أن يعطوا كافة البحارة جرعة من عصير الليمون في كل يوم.
على أن ذلك ظل فترة طويلة من الأسرار الحربية وبخاصة أيام الحروب النابليونية، وظل الأسطول الفرنسي خلال ذلك يعاني من الأسقربوط في حين كان الأسطول البريطاني في منجاة منه، وقد لا يكون كذباً أن نقول إن "لند" ساهم بقدر ما أسهم نلسون الإنكليزي في معركة الطرف الأغر وفي نصره ضد الفرنسيين.
الغريب أن رجال الأسطول الأميركي كانوا يسخرون من بحارة الأسطول البريطاني على هذا، فيلقبونهم بلقب ساخر هو باللهجة المصرية الدارجة (بتوع الليمون) LIMY أو (هواة الليمون) أو (رجال الليمون) استهزاء بهم.
المعركة الآن بدأت لاكتشاف السر الذي في الليمون مما يمنع ويشفي من الأسقربوط. وكان يجب أن ننتظر حوالي القرن ونصف القرن لمعرفة السر!! لكن هذا الداء كان قد توارى كثيراً خلال ذلك بسبب مكافحته بعصير الفواكه.
بداية المعركة اقتحمها كيماوي بولندي كان يعمل عام 1914 بمدينة لندن يسمونه "فونك أدي الي" فتح الباب على مصرعيه، فأطلق اسم فيتامينات على مواد "أمينية" اعقد أنها حيوية ولازمة للجسم لا غنى له عنها، وبدأ بعدها كشف الفيتامينات الواحد بعد الآخر وكان التساؤل هل ينجم الأسقربوط عن نقص واحد أو أكثر من هذه الفيتامينات؟
ثم جاء من بعد ذلك بعشرين عاماً عالم أميركي من جامعة "بتسبرج" اسمه "شارلز كينج" ليتمكن من فصل بلورات فيتامين (ج) من كأس بها عصير الليمون… لقد كان هذا عام 1932 وتوالت الأيام … حتى إذا كان عام 1960 قدروا ما أنتجته المصانع الأميركية من فيتامين (ج) بحوالي 50 طناً من هذا الفيتامين فهل تعلم ماذا يعني 50 طناً؟
إنها تعني محتوى عصير ألف مليون برتقالة (بليون) فكم يا ترى إنتاج العالم كله في نهاية القرن العشرين؟ دون شك سيكون الحصول على البرتقال الطازج أو الليمون الطازج أمراً عسيراً لتحقيق الكفاية الطبية من فيتامين (ج).
لهذا عمدوا إلى تصنيع الفيتامين الذي اكتشفوا تركيبه الكيماوي على أنه حامض "الاسكوربيك" لهذا صنعوه عام 1933.
وكان الفضل في تصنيعه لعالمين كل منهما صنعه على حده، الأول بولندي صنعه في سويسرا اسم "تاروس ريكستين"، والثاني إنجليزي اسمه "ولترنورمان هاورث" وكان أن استأثر الثاني بجائزة نوبل لعام 1937
على هذا الفضل! لا شك أن للسياسة دورها في هذا التحيز لطرف دون آخر، لكننا لم نتشيع لهذا أو لذاك، فالفضل لكليهما لا فضل لإنجليزي على بولندي فهما في الفضل سواء… على الإنسانية كلها لقد توارى الأسقربوط عن العالم فلم يعد مرضاً رهيباً ما دام أمره غذائياً، غير أن سر شفاء فيتامين (ج) الأسقربوط لم ينكشف رغم كل ذلك إلى اليوم …! هل من يهمه معرفة "السر"؟.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]