سلوك مريض فقدان الشهية العصبي
1997 فقدان الشهية العصبي
الدكتور أحمد محمد عبدالخالق
KFAS
سلوك مريض فقدان الشهية العصبي الطب
يعد فقدان الشهية العصبي وحدة نفسية جسمية Psychosomatic مميزة جداً ومتناقضة.
ويمكن القول بأن المرضى بهذا الاضطراب يكشفون عن جوانب محددة في سلوكهم تميزهم كمجموعة، وتجعل لهم خصائص مشتركة.
ومن ناحية أخرى فإن ضحايا هذا الاضطراب – بشكل حرفي ودون قصد واضح – يدخلون في برنامج ممتد وطويل من "تحطيم الذات"، مع رفض جهود الاخرين الملحة والعاجلة لإنقاذهم.
ويوجى كل ذلك ويشير بقوة إلى أن وراء حالات فقدان الشهية العصبي مكوناً نفسياً (سيكولوجيا) أساسياً. ولكن تحديد جوهر هذا المكون وطبيعته – للأسف – ما زال أمراً تأملياً نظرياً، ولم تتوصل البحوث المتعددة إلى نتائج نهائية مؤكدة بخصوصه.
وتحدث بداية فقدان الشهية العصبي بين عمري العاشرة والثلاثين. وبداية الاضطراب غير شائعة اي نادرة قبل العاشرة أو بعد الثلاثين، والحالات التي تخرج عن هذا المدى العمري تعد غير نموذجية، ولذلك يجب أن يراجع تشخيص مثل هذه الحالات، وغالباً يكون مشكوكاً فيه.
وبعد عمر الثالثة عشرة يتزايد حدوث بداية المرض بشكل سريع، بحيث يحدث الحد الأقصى للتكرار في أعمار 17، 18 سنة.
ويطور حوالي 85% من كل حالات فقدان الشهية العصبي المرض بين عمري 13، 20 عاماً.
وبعض المرضى قبل سن العاشرة ممن يصعب إرضاؤهم في مسألة الأكل، أو ممن لديهم مشكلات متكررة في الهضم.
والجانب الأساسي في فقدان الشهية العصبي هو "وسواس النحافة" أي الانشغال الوسواسي بالرغبة في أن يكون الفرد نحيلاً نحيفاً، كما لو كانت هناك فكرة متسلطة على الفرد تجبره على طاعتها ولا يستطيع منها فكاكاً، ولا يجد منها مهرباً، ويحدث ذلك عادة لدى الإناث.
وضحية هذا المرض يمكن أن يصبح هشاً وضعيفاً من الناحية الجسمية مصاباً بالدنف Cachectic (اي الاعتلال العام والهزال).
وقد يؤدي التجنب القهري للطعام بالمريض إلى درجة متطرفة من عدم الحيوية والجوع بحيث يمكن أن تحدث الوفاة. ويمكن أن نشاهد هؤلاء المرضى في عنبر الطوارئ في حالة سيئة من الجوع الشديد والجفاف. ولهذا السبب فإن إلحاق المريض بالمستشفى وتغذيته بالإكراه يصبح أمراً ضرورياً.
كما نلاحظ بعض الأعراض اللافتة للنظر، فنجد الجلد جافاً مع فقد الشعر الطبيعي، هذا فضلاً عن عدد من الاضطرابات الكيميائية الحيوية التي تعد ثانوية لزيادة الجوع أو التجويع الإرادي، اي مترتبة عليهما. ونعرض فيما يلي لأهم جوانب سلوك المريض وشخصيته.
أولا: سلوك المريض
يذكر "كابلان" وصحبه عام 1994م أن مصطلح فقدان الشهية – لسوء الحظ – مصطلح مضلل، لأن بعض هؤلاء المرضى يفكرون باستمرار في الطعام، مع اهتمامهم بجمع وصفات الطعام أو طرق إعداده، وكذلك تحضير وجبات متقنة للآخرين.
وبعض المرضى لا يستطيعون الاستمرار في السيطرة على تقييدهم الإرادي لكمية ما يتناولونه من طعام، ومن ثم يحدث لهم ما يدعي "حفلات الأكل" Eating binges بحيث يأكل فيها الفرد كمية ضخمة من الأطعمة، وتحدث هذه الحفلات عادة بطريقة سرية، وفي الليل غالباً.
ويحدث كثيراً أن يتلو حفلات الأكل هذه تقيؤ إرادي أي يُحدثه الفرد بنفسهن كما يسيء المرضى استخدام ملينات المعاء، ومدرات البول، حتى ينقصوا من وزنهم.
ومن الأنشطة الشائعة لدى هؤلاء المرضى، التمرينات الرياضية التي تتم كالطقوس؛ اي الواجبات المحددة التي يؤديها الفرد بطريقة معينة دقيقة ومنظمة كركوب الدراجات بتكرار شديد، والمشي، والركض، أو الجري… وغير ذلك من أنواع الرياضة البدنية التي قد لا يتناسب الجهد المطلوب في بعضها مع حالة المريض الصحية.
وكثيراً ما تمارس المريضة هذه الأنشطة الرياضية بشكل مفرط وتكرار شديد لا يناسبها. والهدف من ذلك بطبيعة الحال هو فقد مزيد من الوزن، ومع ذلك تقدم المريضة لممارستها الرياضية البدنية بمعدل زائد، أسباباً سطحية خارجية واهية، تتصل غالباً بالرشاقة وحسن المظهر.
والعريب في الأمر أن معظم المرضى يعترفون بالجوع، فيضطرون إلى تناول قدر من الطعام، يلي ذلك – بشكل نمطي نموذجي – شعور بالذنب، ومضاعفة الجهود لتجنب الطعام. ومن ثم فإن الملامح الأساسية ذات جانبين:
أولا: شعور قاس لا هوادة فيه لتحقيق النحافة، والذي يمكن أن يصاحبه زيادة تقدير لحجم الجسم وشكله الحقيقي.
ثانياً: محاولة يائسة لتحقيق السيطرة على الدفعات الداخلية التي ترعب المريض، وكذلك المحافظة على هذه السيطرة. ويتضح ذلك من الحالة الواقعية التالية:
حالة مرضية
"آمال" شابة متزنة، كانت فيما مضى مطيعة و "طيبة"، وكانت آمال اسرتها معقودة عليها عندما تصل إلى الرشد، ومن بين هذه الآمال والتوقعات أن تتحكم "آمال" بشدة في نفسها، وأن تضبط تصرفاتها, وأن تكون مسؤولة عن سلوكها.
ويعد تحقيق السيطرة على كمية الأكل التي تتناولها طريقة من الطرق التي تشعرها بالأمان ضد الخوف الشامل والمدمر من أن تطلق العنان لرغباتها وأهوائها.
ومن ثم أصيبت بحالة شديدة من فقدان الشهية العصبي, الذي بدأ بهدف معتدل وهو الاحتفاظ برشاقة جسمها كمظهر من مظاهر التحكم في سلوكها بنفسها, وانتهى إلى حالة من الهزال الشديد, مما اضطر أسرتها إلى إدخالها المستشفى طلباً للعلاج.
ويورد " كريد, فيفار" (المرجع والموضع نفسه) الدليل على أن مثل هؤلاء البنات ربما كن زائدات الوزن فيما مضى, إما كجانب من تطور ناتج عن عملية البلوغ, أو انعكاس لتركيز شاذ على الطعام من جانب الأسرة.
ولذلك فإن المراحل المبكرة من فقدان الشهية العصبي قد لا يمكن تمييزها عن النظام الغذائي العادي, ولكن المريض يستمر في فقد وزنه حتى يصل إلى نقطة غير معقولة, ويتجنب الأطعمة الغنية بالنشويات والسكريات بوجه خاص.
ويكشف بعض المرضى بهذا الاضطراب – بوجه عام- عن سلوك شاذ ومتناقض متصل بالطعام, فهم يخفون الطعام في مختلف أرجاء المنزل, وغالباً ما يحملون كميات كبيرة من الحلوى في جيوبهم وحقائب يدهم.
ولكنهم عندما يتناولون وجباتهم فإنهم يحاولون التخلص من الطعام في مناديل المائدة أو يخفونه في جيوبهم. كما أنهم يقطعون قطع اللحم الخاصة بهم إلى قطع صغيرة جداً, ويقضون وقتاً طويلاً جداً في إعادة تنظيم قطع الطعام في أطباقهم.
وإذا واجه فرد ما مثل هؤلاء المرضى بأن سلوكهم غريب, فإنهم ينكرون عادة أن سلوكهم غير طبيعي, أو يرفضون صراحة مناقشة ذلك.
ويورد "ماركس" أنه لوحظ أن هؤلاء المرضى يتزايد استهلاكهم للقهوة ومضغ اللبان بشكل مسرحي (درامي).
وقد يجد مريض فقدان الشهية العصبي أن من المستحيل عليه أن يأكل مع الآخرين, ولذلك يأكل بمفرده دون إشراف من أحد أو مراقبة منه, ويكون ذلك عادة في حجرة أخرى, كما قد يرفض الأكل في أماكن عامة, وينكر وجود مشكلات جسمية أو انفعالية من أي نوع.
ومن الشائع كثيراً لدى مثل هؤلاء المرضى أن يتحول اهتمامهم الشديد بالطعام إلى المطبخ, وإلى إعداد أطباق شهية ذات سعرات مرتفعة لأسرتهم, على حين ينجحون في السيطرة على رغبتهم في تناول مثل هذه الأطباق ذات السعرات المرتفعة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الطعام قد يكون مختزناً أو مخفياً أو مصحوباً أو مطروحاً جانباً.
والقاسم المشترك بين كل الحالات هو الخوف الزائد من إعادة اكتساب الوزن الطبيعي, وقد يجتر المريض بفقدان الشهية العصبي أفكاره لعدة ساعات بعد تناوله وجبة ما, خوفاً من إمكانية حدوث زيادة في وزنه, وقد تخشى المريضة التي استعادت شهيتها من أنها قد تفقد السيطرة عليها والتحكم فيها, وبالتالي تخاف أن تكتسب وزناً يصل إلى حد البدانة.
والملاحظ عادة أنه من النادر أن تتقدم المريضة للعلاج بنفسها, لأنها تنكر أن لديها مشكلة, ولكن أحد الوالدين غالباً هو الذي يحضر بها إلى المستشفى برغم معارضتها.
ونتيجة لكل ذلك يمكن القول بأن أهم جوانب السلوك الشائعة لدى كا المرضى بهذا المرض, تتسم بسلوك التجويع الذاتي, نتيجة الخوف الشديد من زيادة الوزن, ومن أن يصبحوا بدناء يزداد وزنهم بشكل مفرط , ويسهم ذلك- دون ريب- في نقص اهتمامهم بالعلاج أو حتى مقاومته.
وأهم جوانب السلوك الشاذ الشائعة – إضافة إلى ما سبق ذكره- والتي لوحظت في فقدان الشهية العصبي, والتي أوردتها الدراسات العديدة, كل من: السلوك الوسواسي القهري (تسلط فكرة أو الشعور بالاضطرار إلى إتيان عمل ما كغسل اليدين أو المراجعة), والاكتئاب (الانقباض والحزن والضيق), والقلق (الشعور بالخوف من شيء غير محدد).
ومن المألوف أيضاً أن يصاب مرضى فقدان الشهية العصبي بعدد من الشكاوى الجسمية, وبخاصة الآلام في جدران البطن الأمامية أو المناطق الواقعة فوق المعدة.
كما تشيع السرقة القهرية, وتكون عادة للحلويات وملينات الأمعاء, ولكن هذه السرقة تحدث أحياناً للملابس وأشياء غيرها (المرجع والموضع نفسه).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]