شكل الخلايا
2000 الرياضيات والشكل الأمثل
ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
لندرس الآن تأثير القوى الفيزيائية وطاقتها التكوينية formative power في الكائنات الحية. إن هذا ميدان واسع يزخر بالعجائب غير المتوقعة، ولا نستطيع هنا أن نفعل أكثر من تقديم بعض الأمثلة الرائعة وجذب انتباهك إلى كتاب حول النمو والشكل On Growth and Form الذي ألفه .D> طومسون<. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب لم يكن يسير قط في الاتجاه السائد للبحوث البيولوجية، وأنه فضلاً على ذلك، تجاهل علم الوراثة وعلم الكيمياء الحيوية، فإنه أضحى من المصادر الكلاسيكية الموثوقة في الفلسفة الطبيعية. وقد أجمع علماء البيولوجيا على أنه ذو أثر كبير، مع أن هذا الأثر "غير ملموس وغير مباشر".
سطوحٌ H دورانيةٌ كوحيدات خلية (قارن بالشكل على الصفحة 157).
وفي المقابل، فإن علماء الرياضيات كانوا، وما زالوا، مأخوذين بروعة الاعتبارات التي أوردها طومسون.
وهكذا فإن شكل أي جزء من المادة، سواء أكانت حية أم ميتة، والتغييرات في شكلها التي تحدث أثناء حركتها ونموها، يمكن تعليلها في جميع الحالات بأنها ناتجة عن فعل القوى. وخلاصة القول، فإن شكل جسم هو "مخطط للقوى" diagram of forces، بمعنى أنه يمكننا أن نستنتج انطلاقاً من شكل الجسم القوى التي تؤثر فيه، أو التي كانت قد أثرت فيه: وبهذا المعنى الدقيق والخاص، فإن الشكل، في حالة جسم صلب، هو مخطط القوى التي كانت قد أثرت فيه خلال تشكله والقوى التي تمكنه من الاحتفاظ بشكله، وفي حالة السائل (أو الغاز)، هو مخطط القوى التي تؤثر فيه أنياً كي تكبح أو توازن حركته الذاتية. وفي حال العضويات، الكبيرة أو الصغيرة، فليست طبيعة حركات المادة الحية وحدها هي التي يجب تفسيرها بالقوى (استناداً إلى علم الحركيات (kinetics ، بل أيضاً تشكل العضويات نفسها، التي يفسر بقاؤها أو توازنها كما يجري في علم السكون statics.
وعلينا أن نذكر أن الظواهر البيولوجية بالغة التعقيد، وأن ليس كل ما هو واضح صحيحاً. وهنا يتحتم علينا اتخاذ النماذج الرياضياتية لهذه الظواهر على أنها مجازات metaphors، وليس على أنها "قوانين" كما في علم الفلك أو الفيزياء. بيد أنه قد يأتي ذلك اليوم الذي يمكن فيه وصف الأشكال والعمليات البيولوجية بالدقة الرياضياتية نفسها التي ترد في الفيزياء.
لننظر في تأثير التوتر السطحي في الكائنات الوحيدة الخلية، التي يمكن أن نصفه على نحو غير دقيق بأنها قطرات من البروتوبلازما من سائل شديد اللزوجية معلقة في الماء، ومن ثم، فإن علينا أن نتوقع كونها كروية الهيئة، وهذا ما نراه في الواقع في العديد من العضويات البسيطة.
بيد أن الأشكال الكروية تكون عادة، كما لاحظ طومسون، سلبية، في حين تبدو الكائنات الوحيدة الخلية التي شكلها يختلف جداً عن الكرة متحركة إلى حد ما، وغالباً ما تمتلك سياطاً whips صغيرة لها شكل أهداب cilia أو أذناب. ويرى طومسون أن هذه السياط تسعى إلى حفظ الأشكال التي لولا السياط لكانت أشكالاً غير مستقرة، ويبدو أنها تقوم بدور مشابه لما تفعله الحدود (الأطر) في تجارب الأغشية الصابونية والفقاقيع الصابونية، وفضلاً على ذلك، فقد وجد طومسون جميع أنماط السطوح H الدورانية بين وحيدات الخلية. وكما لاحظ طومسون، فإن هذه الأشكال كان يمكن أن تكون غير مستقرة غالباً لو لم تكون هذه الأهداب في حركة دائمة عند "الحافات الحرة".
وقد كان طومسون بالغ الحذر عندما صرح بأنه ليس من الواضح إن كان التوتر السطحي الحقيقي true sur-face tension مسؤولاً عن جميع هذه الظواهر، إذ إن التوتر الغشائي membrane tension قد يؤدي دوراً ما. وقد بينت البحوث التجريبية الحديثة أن كلا النوعين من التوتر يؤثر في حدود الخلية، ولكن طومسون لاحظ أنه، لدى توفر تحديدات واسعة، فإن كلا القوتين تولد أشكالاً متماثلة.
درس طومسون أيضاً العظمية السليسية silicious للشعاعيات، وقام بخطوة إلى الأمام عندما شرح الكيفية التي يمكن أن تكون قد تكونت وفقها هذه الهياكل وقد أجرى مقارنة بين جسم الشعاعيات وبين
بروتوبلازما رقيقة تطفح على هيئة فقاقيع ذات حجيرات أو تجاويف صغيرة مملوءة بمائع لا يختلف كثيراً عن ماء البحر. وتبعاً لظروف توترها السطحي، فإن هذه التجاويف قد تبدو بدرجة أو أخرى معزولة وكروية، أو متصلة بعضها ببعض في "زبد" من خلايا بشكل كثيرات وجوه؛ وفي هذه الحالة الأخيرة، التي هي الأكثر شيوعاً، تميل الخلايا إلى أن تكون من حجم واحد، كما تكون شبكة المضلعات الناتجة منتظمة على نحو جميل.(يتعين على زبد الفقاقيع أن يحقق القاعدتين اللتين وجدهما پلاتو تجريبياً، واللتين شرحناهما آنفاً).
أوضح طومسون بعد ذلك أن قوى الامتزاز adsorption forces كانت شديدة بخاصة في حافات الزَّبد، وهذا أدى إلى ترسيب المواد غير العضوية على طول هذه الحافات، وتوليد الإطار السليسي للهيكل العظمي للشعاعيات. لذا فإن الانتظام الرائع للهيكل العظمي ليس سوى تجسيد لقاعدتي پلاتو.. بيد أن اقتراح طومسون هذا لا يفسر سبب وجود عدة أنواع مختلفة من أشكال الهياكل العظمية بين الأنواع العديدة من الشعاعيات. ونحن لا نزال مذهولين مثل E>.هاكل< الذي صنع 4700 رسم للشعاعيات التي درسها تحت المجهر. لكن “سحلبيات البحر" orchids of the sea، كما جرت تسميتها، هي قطعاً تطور لا يستهان به، والعكس، فلما كانت الشعاعيات تنتمي إلى طائفة أقدم الكائنات الحية على الأرض، فإنها نوع من المستحاثات الحية، ومن الضروري أن تكون هياكلها العظيمة إنشاءات دقيقة جداً. ومن سوء الحظ، فليس لدينا فكرة عن سبب توصل الطبيعة إلى هذه الأشكال، مع أن التجربة علَّمتنا أن نتوقع كون هذه الشعاعيات نافعة بطريقة أو بأخرى.
وقد أوصلتنا التحريات الحديثة للشعاعيات الحية تحت المجهر الإلكتروني إلى حقيقة مذهلة أخرى حول أشكالها الهندسية.
فكل شعاعي يمد خيوطاً لدنة مستقيمة تماماً ورفيعة جداً (قد يصل عددها إلى المئات) تسمى أكسوبودات axopodes، وهي لازمة لعملية الأيض (الاستقلاب) metabolism، عبر الثقوب الدقيقة في الهيكل العظمي. ويجري انتقال المادة بوساطة الخلية عبر أنابيب بالغة الدقة تسمى ميكروتوبولي microtubuli. ومن المذهل حقاً أن هذه الأنابيب منتظمة جداً. وعلى سبيل المثال، ظهر على بعض القطع العرضية نسق مسدس الشكل تمامًا مماثل لقرص العسل. هذا وتتصل الميكروتوبوليات المرتبة وفق مضلعات سداسية بواسطة جسور تقوم بوظيفة مضخات.
وهكذا نرى أن الطبيعة تبدو وكأنها تؤثر الترتيب والانتظام حتى في أدق بناها. ويبدو أنه قد تم البرهان الآن على أن قوى التوتر في سطح الخلية توضح، ولكن بصورة جزئية فقط، شكل الخلية؛ ومن المحتمل جداً أن تكون البنى الداخلية، مثل الميكروتوبوليات، هي المسؤولة إلى حد كبير عن شكل الخلية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]