عشق الجاحظ للكتب جعله يتوفى بجانبهم
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
الجاحظ التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
ومن الحب… ما قتل!
كان الجاحظ، كما ألمحنا، عاشقاً للقراءة مولعاً بالكتب، وفي بدايته كان يقصد حوانيت الورَّاقين، يقيم فيها يقرأ وينقل ويحقِّق ويثبت ويكتب، مما دفعه إلى أن يصف الكتاب بأنه ثروة فكرية ومؤنس محبوب يستحق كل الحب والإخلاص.
يقول : (والكتاب وعاء مُلئ علماً، وحُشي ظُرفاً، وإناءٌ شُحن مزاحاً، إن شئت أعيا من باقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل، وإن شئت سرّتك نوادره، وشجعتك مواعظه. ومن لك بمؤنسٍ لا ينام إلا بنومك ولا ينطق إلا بما تهوى، آمن من في الأرض، وأكتم للسر من صاحبه).
وعند ما قدم الجاحظ إلى بغداد، التي كانت كعبة العلماء ومقصد الأدباء، ليعلِّم ويحاضر ويؤلِّف ويناقش، قرأ المأمون مؤلَّفاً له (الإمامة) فأعجب به، واستدعاه، وأثنى عليه، وكلَّفه بتأليف رسالة عن الدولة العباسية فأنجزها الجاحظ على خير وجه مما ضاعف من إعجاب المأمون به.
ومن ثم توثقت العلاقة بين الخليفة وعالمنا. وذات يوم عرض عليه المأمون تولي وظيفة (رئاسة ديوان الرسائل)، أهم المناصب الأدبية في الخلافة الإسلامية، فوافق مكرهاً ومحرجاً، ولم يبق فيها سوى أيام ثلاثة اعتذر بعدها للخليفة الذي قبل عذره وأعفاه.
وكان سبب الاعتذار إدراك الجاحظ أن ذلك المنصب سيفرض عليه قيوداً، كما أنه سيعيقه عن الاطلاع والدراسة والاجتماع بكبار العلماء، خاصة في الفلسفة وعلم الحيوان. وحقاً فعل.
إذ لو بقي في المنصب لما استطاع أن يؤلِّف أكثر من ثلاثمائة وخمسين بين كتابٍ ورسالة في: علم الحيوان، وعلم النفس، والنبات، والاجتماع، والتربية، والجغرافيا، والطب، والكيمياء، والفلك، ولم يجد الوقت لطلاب العلم الذين يأتونه من كل حدبٍ وصوب ليتتلمذوا عليه في بغداد.
هكذا كان عالمنا كما قلنا عاشقاً للقراءة مولعاً بالكتب ومُفضِّلها على أي منصبٍ مهما علا. ولكن من الحب – كما يقولون – ما قتل!
ذات مساء، وبينما كان الجاحظ جالساً في مكتبته التي يعتبرها كل ما يملك يقرأ في أحد كتبه الأثيرة إلى نفسه، وإذ فجأة يحدث ما لم يكن في الحسبان ما الذي حدث؟ انهالت عليه محبوبته، كتبه، سقطت فوق رأسه من علٍ فمات دفينا بمصنفاته!. مات وقبره الكتب التي كانت نسيج حياته ورفيقة دربه مذ مولده وحتى أن قضى نحبه.
مات الجاحظ ولم يُخلِّف إلَّا مؤلَّفاته التي لا تخلو منها كتب التاريخ والأدب والنقد والشعر والفلسفة والعلوم الطبيعية، فهو لم يترك زوجاً له ولا ولداً؛ لأنه لم يُكتب عليه الزواج بل أوقف حياته لخدمة العلم والمتعلمين.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]