العلوم الإنسانية والإجتماعية

عملية “التسلسل” التي يمر بها طفل ما قبل العمليات في ضوء نظرية بياجيه

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

عملية التسلسل التي يمر بها طفل نظرية بياجيه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

يربط بياجيه بين ظهور المنطق المبكر لدى الطفل في مرحلة ما قبل العمليات ، وبين قدراته على الأداء في مهام كل من عمليتي التصنيف والتسلسل ، على اعتبار أن هاتين العمليتين هما وجهان لعملة واحدة ، رغم ما قد يبدو من استقلالية لكل منهما عن الأخرى .

ولإيضاح عملية الربط المنطقي بين كل من التصنيف والتسلسل ينبغي أن نتذكر أن الطفل ما أن يخرج من مرحلة الذكاء الحسحركي إلا وتصبح أفعاله المعرفية تصورية ذهنية ونشيطة وذات مخططات عقلية أكثر فأكثر.

ومن ثم تتحرر بالتدريج من صفاتها الحسية المادية ، مما يسمح للطفل بأن يأتي فعلاً يلغي به فعلاً سابقاً ، أو أن يستخدم فعلين يشتركان في تحقيقه لفعل ثالث ، الأمر الذي يساعده على تكوين أنساق حقيقية من الأفعال ذات خصائص تركيبية محددة ، هي ما أطلق عليه بياجيه مصطلح العمليات العقلية المنطقية .

لكنه في نفس الوقت وصف ما قبل العمليات بأنه لا يصل إلى هذا المستوى متجمعة في كليات متماسكة ، ورغم ذلك فقد أشار بياجيه إلى العديد من هذه العمليات أو أشباه العمليات التي تظهر في هذه المرحلة من العمر مثل عمليات الجمع أو الإضافة المنطقية وما يقابلها من عمليات الطرح سواء فيما يتصل بالأنواع أو العلاقات . 

 

وإذا كنا قد تعرضنا سلفاً لاستجابات الأطفال لمجموعة من الاشياء ذات الخصائص المتشابهة وكيفية تكوين المجموعات أو الفئات منها خلال عملية التصنيف . 

فإننا الآن أمام استجابات الأطفال لعمليات فصل واستخراج العناصر من المجموعات على اساس ما بينها من علاقات التشابه والاختلاف من خلال ما يعرف بالتسلسل .

ولفهم فكر بياجيه حول النمو العقلي المعرفي سواء في مجال التسلسل أو التصنيف أو غيرهما من العمليات المعرفية ، ينبغي أن نضع في اعتبارنا ، أن الطفل لكي يكون مجموعة أو يرتب عدداً من العناصر ، لا بد وأن يتعرف على النوع أو العناصر والمجموعة تعرفاً منطقياً حقيقياً ، أكثر منه صيغة إدراكية وقتية ، أو مجرد مجموعة عناصر متفرقة.

لا بد ان يكون لديه قدرة على وضع أو إضافة عناصر أخرى وأن يطرح او يبعد عناصر لا تنطبق عليها الخصائص المشتركة التي حددها كمحك لتكوين المجموعة . 

 

مثل هذه الاعتبارات التي يتوقف عليها أداء الطفل في كل من التصنيف والتسلسل حددها بياجيه في ضوء نموذجه الرياضي – المنطقي بما يشتمل عليه من تجميعات Groupments، ومجموعات Groups وشبكة علاقات Lattices، وينظر بياجيه إلى هذه التراكيب الرياضية – المنطقية على أنها نماذج لتنظيم عملي التفكير في مرحلة ما قبل العمليات وما يليها من مراحل.

وعلى هذا الأساس ، فإن بياجيه عندما يقول إن طفلاً ما يظهر لديه سلوك ترتيبي أو تسلسل معين في عمر السادسة مثلاً فإنه يقصد بذلك أن تنظيم تفكير الطفل في مجال التسلسل أصبح يتصف بخصائص معينة مثل القابلية للانعكاس وأن هذه الخصائص شبيهة بتلك الخصائص السائدة في تركيبات الجبر المنطقي . (غنيم، 1974: 258) .

ومن الجدير بالملاحظة ، أن استعمال بياجيه لكل من المنطق أو الرياضيات يختلف عن الاستخدام السائد لكل منهما في علم النفس بشكل عام ، حيث جرت العادة أن يستخدم بعض الباحثين في علم النفس مفاهيم رياضية.

وبخاصة إحصائية من أجل صياغة نتائج السلوك في صورة كمية ، أو أن يستخدموا المنطق باعتباره يتكون من مجموعة قضايا عقلية وما بينها من علاقات في صياغة نظرياتهم مما يوفر لها قواعد تؤكد صحتها ، لكن بياجيه لا يستعمل الرياضيات لتكميم نتائج السلوك.

 

بل إنه يهتم أساساً بالاستعمال غير الكمي للرياضيات من اجل وصف العمليات والتراكيب السيكلوجية ، كما ينظر إلى المنطق باعتباره داخلاً في محتوى النظرية ذاتها وليس مجرد إطار شكلي لصياغة النظرية في حدوده . 

والأهم ان بياجيه رغم ما يراه من جدارة النموذج الرياضي – المنطقي وإمكانية إستخدامه في تفسير البنى المعرفية بدءاً من ظهور العمليات العقلية فصاعداً ، إلا أنه أبدى تمسكاً ملحوظاً بضرورة احتفاظ كل من النموذج المنطقي والتراكيب السيكلوجية باستقلاله عن الآخر ، وذلك لأن النموذج المنطقي – الرياضي ، ورغم هذه الاستقلالية ، فإن كلا النظامين يمكن أن يدعم الآخر ويمكن من دراسته بشكل افضل (Ginsuburg & Opper, 1988 PP 123-130) .

قدم بياجيه مصطلحه الخاص بالتجميعات المنطقية استناداً إلى نموذجه المنطقي – الرياضي ، وتعبيراً عما يستخدمه المناطقة والرياضيون تحت اسم المجموعة وشبكة العلاقات.

 

ويتكون هذا المصطلح من وجهة نظر بياجيه من ثمانية تجميعات بعدها بمثابة نماذج للمعرفة في مجال النشاط العقلي المتعددة ، وهذه التجميعات الثمانية منها ما يخص التصنيف وقد سبق التعرض له.

ومنها ما يخص التسلسل وهو ما تناوله بياجيه في توضيحه لمفهومه عن شبكة العلاقات وما تتضمنه من علاقات التماثل واللاتماثل وعلاقات التعدي ، والعلاقات غير المتعدية ، وفي ضوء هذه العلاقات بأنواعها رسم بياجيه مراحل نمو وتطور عملية التسلسل عند الأطفال .

 

والتسلسل عند الأطفال يعني " تنظيم الأشياء أو مجموعة الأشياء وفق نظام معين وفي اتجاه معين وذلك من خلال قاعدة ما"   (Copeland, 1979, P. 420)، أي أن الطفل عندما يرتب مجموعة أقلام من الاقصر إلى الأطول.

فإنه يكون قد فهم معنى كلاً من "أقصر من" ، "أطول من".  والتسلسل هو " ترتيب أشياء طبقاً لما بنيها من فروق سواء كانت هذه الفروق في الطول ، الوزن ، الحجم ، الكتلة أو غيرها "  (Wadsdworth, 1989, P.97).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى