البيولوجيا وعلوم الحياة

عمليتا تحديد النسل والإجهاض: هدفهما وووسائل استخدامهما وتخطبات كبيرة حولهما

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

ربما ساعد ستبتو وإدورادز آل براون في نوع من المشكلات الطبية، لكن العديد من النساء الأخريات أردن مساعدة من نوع آخر. كن يردن عدداً أقل من الأطفال، أو على الأقل القدرة على بعض التحكّم في توقيت الولادات ووتيرتها.

أي منع الحمل بدلاً من الحمل. وتبيّن أن النساء الفقيرات العاملات حريصات على وجه الخصوص على الحصول على المعلومات والمساعدة، وربما يرجع ذلك في جانب كبير منه إلى أنهن لا يستطعن الوصول بسهولة إلى الأطبّاء مثل النساء الأكثر ثراء.

لم تكن فكرة تحديد النسل جديدة البتة. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، اعتُبر أن من المهم الإعلان عن القيم الملائمة للطبيب. وكانت أخلاقيات المهنة في قسم أبقراط تقتضي من الطبيب ألا يحثّ على الإجهاض.

وكان هناك معرفة بالفعل عن هذه الأشياء. فقد وفّرت الفرازج (Pessaries) حاجزاً ميكانيكياً ومبيدات النطاف حاجزاً كيميائياً بين البيضة والنطفة، وثمة العديد من المُجهضات العشبية التي يمكن أن تُنهي الحمل، مع أن النتائج نادراً ما كانت مثالية. وتراكمت المعرفة الشعبية عن طريق التجربة والخطأ.

على الرغم من تقدّم المعرفة في أواخر القرن التاسع عشر، أو ربما بسببها، أقرّت "قوانين كومستوك" في الولايات المتحدة للحدّ من المعلومات وتقييد الخيارات. ففي سبعينات القرن التاسع عشر سنّ الكونغرس وكل ولاية تقريباً قوانين مستوحاة من داعية مكافحة الرذيلة المتحمّس أنطوني كومستوك (Anthony Comstock). حظرت هذه القوانين توزيع مواد منع الحمل والمعلومات المتعلّقة بها ووصفتها بأنها "فاجرة". بل إن القوانين في بعض الولايات قيّدت المعلومات التي يمكن أن تعرضها الكتب الطبية.

كانت الممرّضة والمصلحة الاجتماعية مارغريت سانجر (Margaret Sanger) ممن وجدوا هذه القوانين غير مقبولة وشرعت في تقديم المساعدة لمنع الحمل رغماً عن القوانين. في سنة 1916، أنشأت سانجر أول عيادة لتحديد النسل في الولايات المتحدة، إلى جانب شقيقتها، وهي ممرضة أيضاً، ومشاركة أخرى.

 

وقد ألقي القبض على الثلاث في بروكلن لأنّهن يوزّعن موادّ "فاجرة"، بما في ذلك كتيّب سانجر، ما يجب أن تعرفه كل فتاة (What Every Girl Should Know). لتكملة برامج الخدمات العيادية، أنشأت سانجر في سنة 1923 مكتب البحوث السريرية لتحديد النسل، باعتباره فرعاً للرابطة الأميركية لتحديد النسل.

ومارس المكتب ضغوطاً من أجل إنشاء برامج لمنع الحمل في المختبرات لكنه حقّق نجاحاً محدوداً. لم يكن العلماء ذوو المناصب في الجامعات راغبين في المخاطرة بالاضطلاع بعمل لا يعتبره زملاؤهم جديراً بالاحترام، أو يُعتبر أشبه بالنشاط الاجتماعي من العلم "الحقيقي". مع ذلك تحقّق التقدّم.

في سنة 1920 اكتسبت النساء حقّ التصويت، وفي سنة 1925 موّل زوج سانجر أول صانع أميركي للعوازل المانعة للحمل (Diaphragms) [للنساء]، وفي ثلاثينات القرن العشرين بدأت القيود التشريعية بالسقوط.

في أثناء الكساد في ثلاثينات القرن العشرين، شكّل الفقر حافزاً كبيراً لخفض حجم الأسرة ومساعدة النساء المحظوظات بالعمل في المحافظة على وظائفهن.

 في أميركا فرانكلين ديلانو روزفلت (Franklin Delano Roosevelt) ، تغيّرت الأحاسيس بعض الشيء وشهدت الثلاثينات سيلاً منسقاً من القرارات التي تؤيّد تحديد النسل زيادة الضغوط لتغيير القوانين التقييدية القديمة.

على سبيل المثال، في سنة 1936 حكم قاضٍ في محكمة الاستئناف الدورية الأميركية بأنه لا يمكن استخدام لغة كومستوك لمنع طبيب ما من استيراد مواد مانعة للحمل لأغراض طبية. وبما أن المعلومات والمواد المانعة للحمل أصبحت أكثر تطوّراً بكثير ومتاحة بيسر في أوروبا واليابان، فقد اعتُبر هذا الحكم تقدّماً كبيراً.

 

وبعد ذلك حكم القاضي أغسطس هاند (Augustus Hand) بأن الأدلة الجديدة تُظهر مخاطر الحمل، واقترح أن أعضاء الكونغرس ما كانوا سيعلنون أن تحديد النسل فجور لو عرفوا قيمته الطبية في منع هذه الحالة الخطيرة.

وفي السنة التالية، 1937، أقرّت الجمعية الطبية الأميركية رسمياً تحديد النسل باعتباره جزءاً من الطب. وفي سنة 1942، أصبحت الرابطة الأميركية لتحديد النسل تحمل اسم الاتحاد الأميركي لتنظيم الأسرة، وتولّى مصلحون آخرون الدعوة للقضية. استغرق حدوث تغيير مهم عقوداً عدة، لكن المعلومات والتنظيم تقدما باطراد في أوائل القرن العشرين.

كان هذا النشاط الاجتماعي والسياسي يهدف إلى إسقاط القيود على خيارات تحديد النسل الراهنة: سوائل عشبية أو كيميائية مستخدمة بمثابة دوش، أو عوازل، أو عوازل ذكرية، أو فرازج تستخدم لمنع تفاعل البيضة والنطفة، ومختلف المجهضات، وغالبيتها عشبية، التي تستخدم لمنع الحمل إذا خصّبت البيضة.

وأضافت البحوث في الخمسينات خيارين جديدين. في ذلك الوقت، اكتسب الباحثون فهماً أكبر بكثير للعمليات التي ينطوي عليها الإنجاب. واعتقدوا أن منع مراحل الإباضة أو الإخصاب أو الغرس المهمة يوفّر الاحتمالات الأرجح لتحديد النسل.

كان منع الإخصاب سهلاً نسبياً باستخدام العوازل الذكرية، وكل ما يدعو إليه هذا النهج صناعة الواقيات وزيادة فرصة الحصول عليها. وبدا منع الغرس الخيار الأكثر صعوبة إذ لم يكن هناك نهج ميكانيكي أو كيميائي يحتمل استهدافه على وجه التحديد. وبدا أن منع الإباضة واعد، وبخاصة في ضوء المعرفة الحالية عن الدورات الهرمونية.

في سنة 1951، اتضح من الدراسات على الحيوانات أن حقن هرمون البروجسترون الستيرويدي يمكن أن يكبح الإباضة، في بعض الظروف على الأقل. وكانت الخطوة الواضحة التالية تطوير مانع حمل هرموني للنساء وضمان أنه جدير بالثقة.

وكما أوضحت المؤرخة إليزابيت واتكنز (Elizabeth Watkins) ، فإن معظم شركات الأدوية اختارت البقاء بعيداً عن منع الحمل. بما أن معظم الولايات لا تزال تنظم بيع موانع الحمل والإعلان عنها، وبما أن الشركات لا ترغب في المخاطرة بغضب الكنيسة الكاثوليكية، فإن شركة سيرل (Searle) للأدوية فقط قبلت التحدّي، واستثمرت على  نحو متواضع في البداية.

 

كان غريغوري بنكوس يعمل في مؤسسة ورسستر ومستشاراً لشركة سيرل بسبب عمله على هرمونات الكورتيزون، لكنه لم يحصل إلا على نتائج محدودة. أوضحت واتكنز العلاقة ولماذا جعل التمويل الخارجي السخي من كاترين دكستر ماكورميك (Katherine Dexter McCormick) الأبحاث ونجاحها في النهاية ممكنة.

قدّمت ماكورميك سلسلة من التبرّعات إلى اتحاد تنظيم الأسرة بلغ مجموعها في النهاية مليوني دولار، وقد وجّهت نحو تطوير موانع حمل فموية.

تابع بنكوس بحوثه الكيميائية. وسعى للتعاون مع طبيب النساء والتوليد جون روك (John Rock) في هارفرد من أجل الاختبارات السريرية. وكما أوضحت واتكنز، جلب روك معه عدداً من مواطن القوة. أولاً، كما لاحظت سانجر، "بما أنه كاثوليكي صالح، ووسيم جداً، فإن بإمكانه الإفلات من أي شيء". ثانياً، صلته بهارفرد منحت عمله سلطة ومرجعية. ثالثاً، لم يعطِ الانطباع بأنه متعصّب، وإنما اختار دعم الجهد بعد تفكير لأنه "لم يقتنع إلا بعد الحرب العالمية الثانية بأن الأسر الصغيرة، التي يتيحها منع الحمل، هي الردّ الضروري على تهديد الزيادة المفرطة السكان".

نجح روك وبنكوس، وفي سنة 1960 وافقت إدارة الأغذية والأدوية على أول حبة منع حمل فموية ستيرويدية. وبعد ثماني سنوات وافقت على اللولب الرحمي لمنع الغرس. وأصبح اختيار التحكّم بالخطوات التي تؤدّي إلى بداية حياة بشرية متاحاً.

على الرغم من أن البابا بولس السادس (Paul VI) أعاد تأكيد منع الكنسية الكاثوليكية تحديد النسل "الاصطناعي"، فقد أنتجت ستينات القرن العشرين سلسلة من التغيّرات الإنجابية الكبرى. في سنة 1969، تحدّث الرئيس نيكسون علناً عن السكان وتنظيم الأسرة ودعا إلى مزيد من التمويل الاتحادي لخدمات تنظيم الأسرة.

وربط تنظيم الأسرة بقضايا تحديد السكان الأوسع وتأمّل في أحد مصادر التوتّرات في  حركة تحديد النسل. صحيح أن تعاظم المعرفة والحصول على تقنيات منع الحمل منحت كل امرأة مفردة حرية أكبر للتحكّم بمصيرها الإنجابي، لكن فكرة الاستخدام القسري لتحديد النسل أو الدعاية المضادة للتكاثر لدى سكان معيّنين أثارت رؤية العودة إلى حركة تحسين النسل.

 

من ناحية ثانية، فإن تشجيع الشابات على الاختيارات الفردية لممارسة تحديد النسل وتقديم خدمات مجانية أو بأسعار مخفّضة أفاد ما فُهم بأنه الصالح العام – من الناحية الاقتصادية والطبية والاجتماعية. لقد كان نيكسون مصلحاً طبياً واجتماعياً، ولعله فاجأ نفسه.

جلبت ستينات وسبعينات القرن العشرين ما بدا أنه حرية إنجابية لمعظم النساء. فلا حاجة للنساء في سنّ الجامعة إلى الخوف من الحمل إذا جرّبن الجنس، واتخذت إدارات الكليات قرارات بشأن مقدار ما تُبلغ طلابها وما الخدمات التي تقدّمها.

وعندما قبلت جامعة يال الفتيات لأول مرة في سنة 1969، أذكر أن مدير الخدمات الصحية عقد على الفور جلسات توجيه بشأن منع الحمل، والأمراض المنقولة جنسياً، والمسؤولية الإنجابية للوافدات الجدد، بافتراض أن التعليم جيد والاختيار القائم على العلم أفضل من مواجهة عواقب خطأ يغيّر الحياة.

وأفهمنا بوضوح أنه يُنتظر منا نحن جميع الفتيات الجديدات في يال أن نتصرّف بمسؤولية وإلا نضطر إلى الهرب إلى نيويورك من أجل الإجهاض أو الخروج من الكلية للولادة. كانت العفّة جيدة بطبيعة الحال، لكننا تعلّمنا جميعاً مختلف الخيارات، في حال أرادت أي واحدة أن تنشط جنسياً.

وعلى الرغم من أننا أبلغنا عن بعض الدراسات التي توحي بالمخاطر المحتملة لحبوب منع الحمل وآثارها الجانبية، فإن دراسات أخرى أوحت بوجود منافع صحية من انتظام الدورات والجرعات الهرمونية "السوية". كانت الرسالة واضحة: العلم جيد، لقد وفر الوسائل لتحرير النساء ومنحنا الخيارات.

لم يكن ذلك وقتاً سهلاً بطبيعة الحال. وكثير من المؤسسات والأفراد لم يستغلّوا الفرصة لتعظيم الانفتاح والاختيار. وغالباً ما قاوم المسؤولون في المدارس العامة تقديم أي تعليم جنسي جادّ، وقدّموا معلومات أقل بكثير عن تحديد النسل.

 

وتردّد قادة الكنيسة في بحث خيارات تحديد النسل أو الجنس بأكمله. ربما كان تعليم تنظيم الأسرة مثالياً، لكنه ظل إلى حدّ كبير في أيدي الأطبّاء أو عدد متنامٍ من اختصاصيي التدريب الذين يعملون في العيادات أو منظمات العمل الاجتماعي.

غير أن الأخطاء كانت تقع حتى مع توفّر موانع الحمل. فالعوازل الذكرية لم تكن كاملة، حتى عندما تستخدم بشكل صحيح، ولم تكن أخطاء المستخدمين غير شائعة. وقد حقّقت موانع الحمل الفموية معدّلَ نجاحٍ مرتفعاً – لكن عندما تؤخذ بشكل صحيح.

وبما أن جرعة الستيرويدات المفرطة في الحبوب المبكّرة تجعل النساء يشعرن بالغثيان، فقد كن يتجاهلن الجرع أو يقللن منها بطريقة تدمّر فعاليتها. ولم تكن بعض النساء يتحمّلن تكلفة موانع الحمل، أو لا يستطعن الحصول عليها، أو يشعرن بالندم الأخلاقي بشأن استعمالها.

فاتخاذ القرار الحاسم في النهاية – أي التوجّه إلى الطبيب، والحصول على وصفة، وملئها، واستخدامها بانتظام – يوحي بالنية على القيام بنشاط جنسي.

وفضّل بعضهن التظاهر بأن الجنس أمر عَرَضي وأنهن لا يمكن أن يحملن لأنهن "فتيات صالحات". لكن كان الحمل غير المرغوب فيه يقع بطبيعة الحال.

كان لدى الحوامل خيارات عدة، ليس بينها خيار صالح. يمكنهن مواصلة الحمل حتى الولادة، مع ما يصاحب الحمل من مخاطر والتكاليف التي تليه، سواء ربين الطفل أو قدّمنه للتبني. وما زلنا اليوم نقرأ عن حالات شابات من الطبقة الوسطى يجهضن الأجنّة في حمامات المدارس الثانوية، على سبيل المثال، وكان الإجهاض المحرّض ذاتياً خياراً في ذلك الوقت أيضاً.

 

ويمكنهن المخاطرة بإجراء إجهاض في العيادة، وذلك غير قانوني في معظم الولايات. كانت النساء اليائسات ينزفن حتى الموت في الأزقة الخلفية لمكاتب المجهضين، أو في المنزل بعد أن يتم بزلهن (ثقبهن) بعلاقة ملابس.

وقد أشار تقدير في سنة 1990 صادر عن منظمة الصحة العالمية إلى أن 200,000 امرأة يمتن سنوياً نتيجة عمليات الإجهاض غير الآمن في جميع أنحاء العالم. ربما لا يبدو ذلك إحصاء رهيباً، بالنظر إلى أن عمليات الإجهاض تقدّر بنحو 50 مليون عملية، لكن المأساة تكمن في أن نصف هذه العمليات غير قانوني، وهو ما يسبّب غالبية الوفيات.

كما أنه مقابل كل وفاة تقع ما بين عشرين وثلاثين حالة عدوى، أو إصابة حادّة، أو عقم دائم. ولم يكن الوضع أفضل في ستينات وسبعينات القرن العشرين بالتأكيد. فتصاعدت الضغوط للسماح قانونياً بالحصول على الخيارات، بما في ذلك الإجهاض.

من الناحية الاجتماعية، تميّزت ستينات وسبعينات القرن العشرين بالتأييد القوي للحريات المدنية الفردية والاستقلالية. ركّزت حركة الحقوق المدنية الأميركية على المظالم العرقية بطبيعة الحال، وتصدّت الحركة النسوية لمجموعة من الشكاوى.

وانضمّت الدعوات للاستقلالية الإنجابية إلى الجوقة. وفي سنة 1971، أبطل الكونغرس رسمياً ما تبقى من قوانين كومستوك. كما أنه مع إقرار الباب العاشر من قانون الخدمات الصحية العامة، بدأت الخدمات الصحية والإنسانية التابعة لوزارة الصحة الأميركية بتمويل برامج طوعية في تنظيم الأسرة. وأنشئت الجمعية الوطنية لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، وبدأت المنظمات الخيرية دعم العيادات والتعليم وبرامج منع الحمل.

في 22 كانون الثاني/ يناير 1973، أصدرت المحكمة الأميركية العليا قراراً بشأن قضية رو مقابل ويد (Roe v. Wade). عند كتابة قرار المحكمة، أقرّ القاضي بلاكموم (Blackmum) أن القضية كانت صعبة وذات آراء أخلاقية شديدة الاختلاف ترشد القرار. واستشهد بأوليفر وندل هولمز: الدستور "موضوع للناس الذين لديهم آراء مختلفة جوهرياً، وإذا ما وجدنا أراء معيّنة طبيعية ومألوفة أو مبتدعة بل صادمة فيجب ألا يجعلنا ذلك نحكم على مسألة هل القوانين التي تجسّدها تتعارض مع دستور الولايات المتحدة".

 

تطلب الأمر من المحكمة بعض الشجاعة لتتجاوز الحساسيات القائمة، لكن الزمان كان يشهد تغيّراً. ليس علينا مراجعة القضية بأكملها، وقد تم تشريحها من عدة زوايا، لكن بعض سماتها ذات صلة مركزية بنقاشنا. أولاً، استعرض القرار تاريخ الإجهاض وأسباب منعه. وأشارت المحكمة إلى أن الولايات لم تمنع الإجهاض إلا في أواخر القرن التاسع عشر.

وكانت الحجّة الأساسية لتغليب مصالح الولاية على مصالح الأم الثني عن الجنس غير المشروع في المقام الأول. بيد أن القضية التي رفعتها ولاية تكساس ممثلة في رو لم تكن كذلك. كما أن توافر منع الحمل بسهولة قد جعل هذه الحجة شديدة الضعف، وإن لم يعبّر القرار عن ذلك على هذا النحو. ثانياً، إذا كان هناك إجراء طبي خطير، فإن الولاية يمكن أن تقيّد استعماله لحماية المواطنين. ربما كانت الحال كذلك في السابق، لكن المحكمة أوضحت أن الظروف تغيّرت.

ثالثاً، ربما يكون من مصلحة الولاية، بل من واجبها، حماية الحياة قبل الولادة. إذا كان الجنين "شخصاً" بالفعل، فيجب أن يدخل ذلك تحت حمايات التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركي. وحتى إذا كان "شخصاً محتملاً"، فإن لدى الولاية سبباً مشروعاً على الأقل لتوخّي العناية الشديدة بشأن انتهاك حقوقها الواضحة.

وهذا الخط من التعليل في القرار هو الذي أثار الاهتمام الشديد والنقاش. فقد حكمت المحكمة في سنة 1973 بأن تعريف "شخص" "كما استخدم في التعديل الرابع عشر لا يشمل غير المواليد". غير أن هذا الاستنتاج لا يتطلب تعريف "الحياة". فقد تكون البيضة المخصّبة، والمُعيدة، والمضغة، والجنين، والطفل غير الوليد حيّة، لكنها لا تستوفي شروط "الشخص" في حكم المحكمة.

أوضح القرار أنه في ظل الظروف القائمة، "لا حاجة بنا إلى حل المسألة الصعبة الخاصة بمتى تبدأ الحياة. عندما لا يتمكن المتدرّبون في اختصاصات الطب والفلسفة واللاهوت من التوصّل إلى أي إجماع، فإن القضاء، في هذه المرحلة من التطوّر في المعرفة البشرية، ليس في موقف يتيح له النظر في إعطاء الجواب". التعاليم الماضية – من الفلاسفة الرواقيين واليهود، وبعض الكتاب البروتستانت وحتى بعض الكاثوليك – ذكرت أن الحياة تبدأ بعد الحمل وقبل الولادة ببعض الوقت، ربما في اليوم الأربعين أو حتى في وقت لاحق. لكن المحكمة قرّرت للأغراض القانونية لهذا الحكم بشأن حقوق الإجهاض أن القضاة ليسوا بحاجة إلى تقرير متى تبدأ الحياة – وهم لا يمكنهم تقرير ذلك شرعياً.

 

في القسم العاشر من قرار المحكمة، لاحظ الرأي أن معدّل الوفيات لدى النساء في الفصل الأول، أو الأشهر الثلاثة الأولى، من الحمل أعلى مما لدى غير الحوامل. لذا فإن من المشروع بوضوح إنهاء الحمل في هذا الوقت، لأن القيام بذلك فيه فائدة طبية للأم من الناحية الإحصائية.

وفي نهاية الفصل الثاني، لا يكون الجنين قد وصل إلى القدرة على الحياة باستقلالية، لذا يجوز إجراء الإجهاض في هذا الوقت. لكن في "المرحلة التي تلي القدرة على الحياة"، أو في الأشهر الثلاثة الأخيرة، يجوز للولاية أن تنظّم الإجهاض بل أن تصفه. لم تفعل ذلك على الفور إلا قلة من الولايات، لكن العديد سعى لمنع ما أسمته "إجهاض الولادة الجزئية" وتنظيم الإجهاض في مرحلة ترقّب الولادة وبكل طريقة يسمح بها حكم المحكمة. لقد حاولت الضغط لاختبار حدود الحكم.

إذا كانت ستينات وسبعينات القرن العشرين قد جلبت مثل هذا التقدّم الطبي والتقدّم الاجتماعي نحو الاستقلالية والتركيز على الحقوق الفردية، فمن أين تأتي المقاومة؟ التطوّرات الأخرى الحاصلة في الوقت نفسه هي التي أنتجت معارضة الإجهاض.

ففي حين صفّقت الحركة النسوية لخيارات منع الحمل الجديدة والحصول على حق إجراء إجهاض قانوني وأسلم طبياً، أنشأ المؤتمر الوطني للأساقفة الكاثوليك في سنة 1973 لجنة وطنية للحق في الحياة. ربما يكون الوصول إلى المعلومات الأساسية ومسارات العمل البديلة هدفاً واضحاً في المجتمع الديمقراطي، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى الملتزمين التزاماً جوهرياً باعتبار مواقفهم الخاصة مطلقة وثابتة، من دون إمكانية التوصّل إلى تسوية أو توفيق.

وجد الكاثوليك التقليديون قضية مشتركة مع الأصوليين البروتستانت المحافظين وسواهم ممن اعتبروا الإجهاض، بل حتى تحديد النسل، شكلاً من أشكال الجريمة. جاء أعداء الإجهاض من أقلية صغيرة من الشعب الأميركي في سنة 1973، لكنهم نموا وحصلوا على دعم مالي كبير.

كما أن هذه الفئة أصبحت أكثر جهراً بالرأي بل عنيفة، وذات ميل حربي في بعض الأحيان، ولجأت في بعض المناسبات إلى القتل باسم إنقاذ الحياة. وأظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن الحركة المؤيّدة للحياة الأشدّ تطرّفاً تمثّل أقلية من الأميركيين، لكن العديد من هؤلاء متحمّسون في التزامهم.

 

ثمة أساب واضحة تدعو هذه الفئة لمعارضة الابتكارات مثل "حبة الإجهاض" أو "حبة عدم الحمل"، كما شاعت تسمية حبة RU-486. وهي أساساً مضادّ للهرمون يعمل بطريقة شبّهها مطوّرها الفرنسي، إتيان- إميل بوليو (Etienne-Emile Baulieu) ، بالتشويش على الإشارة الراديوية. تحيّد حبة RU-486 البروجسترون اللازم لكي تنغرس المُعيدة في الرحم وبالتالي تحرّض على نوع من الإجهاض المبكّر قبل الغرس.

ذكّر بوليو قرّاءه بأن أكثر من نصف البيوض المخصّبة (أو الزيجوت) "تجهض" تلقائياً، ولا تنغرس لأسباب طبيعية، مثل الشذوذات الوراثية، والعيوب الميكانيكية، والكيميائية، والهرمونية. وأي من هذه الأسباب يمكن أن يمنع الزيجوت من بلوغ المرحلة التالية.

ولاحظ بوليو أن "أي إجهاض يمثّل فشلاً – محاولة لعكس حالة، وتصحيح خطأ، وإزالة حقيقة". وتابع مستشهداً بالاختصاصي الإنجابي الأسترالي روجر شورت (Roger Short) ، "الإجهاض مثل الفقر: لا أحد يحبّه، لكنه يصاحبنا على الدوام".

النقاش المثير للاهتمام ليس قائماً بين المتطرّفين الذين يشجّعون الإجهاض بطيش ومن يسعون إلى إنكاره تماماً. فالإجهاض، كما أشار بوليو، يقع بأعداد كبيرة. الأسئلة الاجتماعية والطبية المهمة هي متى يجب السماح بحدوثه، ولماذا، وتحت أي ظروف.

متى وفي أي الظروف يكون مقبولاً لدينا وقف ما يمكن أن يصبح حياة، أو ما هو حياة أصلاً، بهذه الطريقة؟ كيف نتخذ القرار بالنظر إلى تنوّع الادّعاءات المتنافسة؟ والأمر مماثل بالنسبة إلى تحديد النسل: متى وفي أي الظروف يكون منع الولادات مقبولاً، بل حتى مرغوباً فيه؟ وفي حالة الإخصاب في المختبر، متى يكون هذا التدخّل الاصطناعي ملائماً وفي أي الظروف، ولماذا؟ تتطوّر الأسئلة، وكذلك الإجابات، إزاء خلفية من المخاوف المستمرة بشأن حصول النساء على أطفال معافين.

تعنى هذه الأسئلة جميعاً بالخيارات الإنجابية الفردية. ماذا يحدث عندما نجمع كل هذه الخيارات الفردية بحيث تحدث تأثيراً اجتماعياً؟ هذا هو ما اهتم به دعاة تحسين النسل على الدوام. مرّة أخرى، الأسئلة تتطوّر، ولكنها تنطوي أيضاً على المخاوف الأساسية نفسها. ذكّرتنا غيل كولنز (Gail Collins) في مقالة حديثة في صحيفة نيويورك تايمز أننا لم نبتعد كثيراً عن مخاوف تحسين النسل في أوائل القرن العشرين.

 

وأشارت إلى أن تيودور روزفلت (Theodore Roosevelt) قال بصوت مدوٍّ إنه "إذا اتبع الأميركيون الأصيلون حياة العزوبية الأنانية… أو إذا أصيب المتزوّجون بالخوف الأساسي في الحياة الذي… يمنعهم من الحصول على أكثر من ولد أو اثنين، فإن الكارثة ستكون في انتظار هذه الأمة". وقد أنجب روزفلت ستة أبناء. وتابعت كولنز أن "ج. ستانلي هول (G. Stanley Hall) كان قد حذّر من أنه إذا لم تتحسّن النساء في إنتاج المزيد من الذرية الصالحة، فإن على الرجال اللجوء إلى اختطاف جديد للسابينيين". وكما أشارت كولنز: "إن مما يبعث على الراحة دائماً في وقت الأزمة أن نلاحظ أننا سرنا على هذه الطريق من قبل وما زلنا قلقين من حالة الرصيف". وخلصت إلى أن "عدم إنجاب النساء اللواتي يخترن مهناً تتطلب مهارات عالية أطفالاً في الغالب يحتل مرتبة منخفضة في قائمة المشاكل الاجتماعية الأميركية. وعلى أي حال، لا بد أن تتحسّن الأمور عند انتهاء القرن الثاني والعشرين".

ربما كان الأمر كذلك. بيد أن بعض الأشخاص يروّجون للمسؤولية الاجتماعية عن إنجاب الأطفال – أن يحصل الأشخاص الملائمون على الأطفال الملائمين على الأقل – لكن آخرين يدّعون بأن المسؤولية تقتضي عدم إنجاب الأطفال. ويلتمس الأخيرون مقولة استنزاف الموارد المشتركة. لدينا بالفعل الكثير من الناس، وقليل جداً من الموارد لإعالتهم، ونوعية حياة منخفضة جداً.

وقد رأى داعية الأخلاق الطبية جوزيف فلتشر (Joseph Fletcher) أن "الحقوق الإنجابية ليست مطلقة لذا يجب عدم السماح للمعرّضين لخطر نقل جينات مضرّة جداً على نحو واضح وأمراض وراثية موهنة بممارسة حقّهم الإنجابي". كما أن "الخصيات والمبايض مشاع وفقاً للطبيعة، ويجب من الناحية الأخلاقية التحكّم بها عقلانياً لصالح المجتمع". وقد عبّر عن ذلك بنتلي غلاس (Bentley Glass) في سنة 1970، "في عالم مفرط السكان، لا يمكن التأكيد بأن حقّ الرجل والمرأة بالإنجاب كما يحلو لهما لا يمكن انتهاكه".

إن ضرورة تشارك موارد الأرض المحدودة ربما تقنع بعض الأشخاص باقتراح أن علينا عدم إنجاب أطفال "معيبين"، أو عدم إنجاب أطفال البتة، أو الحصول على مزيد من الأطفال "الملائمين". تحديد النسل أو عدم تحديد النسل.

زيادة الخصوبة أو عدم زيادة الخصوبة. كثير من الأشخاص يدافعون عن "حقائقهم" بحماسة في الغالب. علينا أن نتعلّم كيف نتجنّب مقولة استنزاف الموارد وكيف نفصل بفعالية بين الآراء المتنافسة التي غالباً ما تقدّم بالأسود والأبيض، باعتبارها ادعاءات مطلقة لليقين الأخلاقي لا يمكن التوفيق بينها. لكننا سنواصل تكرار دورات رد الفعل والإفراط في ردّ الفعل من دون سياسة علمية وطبية مدروسة ترشد أفعالنا، ومن دون تأمّل كبير في الحالات المماثلة من الماضي.

 

إن أنواع القرارات نفسها التي واجهها الرئيس نيكسون والأمة في ستينات القرن العشرين أخذت تعاود الظهور، مدفوعة بالتطوّرات الجديدة التي تواجهنا بتحدّيات اجتماعية واقتصادية. وقد أوضحت ميشال أندروز (Michelle Andrews) في تعقيب حديث على الأوضاع أن من المرجّح أن تكون الخيارات الجديدة مكلفة جداً للكثيرين.

عندما أكّد الرئيس نيكسون أنه "ما من امرأة أميركية يجب أن تُحرم من الحصول على المساعدة في تنظيم الأسرة بسبب وضعها الاقتصادي"، فإنه أدرك أن تقديم الأموال العامة من خلال البند العاشر لبرنامج تنظيم الأسرة يوفّر الأموال في الواقع. ورأت أندروز أن الرئيس بوش لا يدرك على ما يبدو أن كل دولار ينفق من الأموال العامة على خدمات تنظيم الأسرة يوفّر ثلاثة دولارات من العناية الطبية التي تنفق على الحمل ورعاية المواليد الجدد.

من المرجّح أن تكلّف الرقعة الجلدية الأسبوعية والحلقة المهبلية كل ثلاثة أسابيع من أجل منع الحمل أكثر مما تحتمله العيادات العامة أو النساء الفقيرات. لا يمكننا أن نتحمّل تكاليف عدم إتاحة جميع الخيارات لمجرّد أن الرئيس والمشرّعين يشعرون بأننا لا نستطيع أن ندفع من الأموال العامة مقابل هذه الخدمات.

وكما اشتكى المدير التنفيذي لمجلس تنظيم الأسرة (الذي يشرف على العديد من العيادات التي تموّلها الحكومة)، "عليك القيام باختيارات رهيبة… طالما كنا نمارس تقديم أساليب تحديد النسل لجميع النساء، بصرف النظر عن دخلهن. لكنني لا أعتقد أن في وسعي الاستمرار في ذلك". إذا قرّرنا ألا نستثمر أموالاً حكومية في توفير الخيارات، فإن علينا أن نتحمّل النتائج – أياً تكن، بما في ذلك نتائج تحديد ما يعتبره بعض الأشخاص حياة تامة واختيارها وإجهاضها. مرة أخرى تحثّنا الحجج القوية على وضع سياسة اجتماعية حكيمة تسترشد بالعلم لكن لا يمليها العلم وحده.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى