غضب شعبي واسع في المكسيك حول استخدام الذرة المهندسة وراثياً
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
في آذار/ مارس من عام 2004، التقى في مدينة أواكساكا المكسيكية كل من دعاة البيئة (Environmentalists) ومنتجي الذرة، واحتجّوا بندوة شعبية عامة انضم إليها نخبة من العلميين لمناقشة موضوع الذرة المهندسة وراثياً ومسألة التنوع البيولوجي.
فقد احتشد المتظاهرون في قاعة المؤتمر وشرعوا بالسيطرة على الميكرفون، وقدموا على مدى ساعات شهاداتهم [بحق التكنولوجيا الحيوية]، وأعرب النشطاء المناهضون للذرة المهندسة وراثياً [عن سخطهم] من خلال وضع إشارات احتجاجية وتدخلات مسرحية مثل وضع فسيفساء ملونة للذرة على الأرض.
وكما وصفها أحد أعضاء مجموعة استشارية، فأن بعض المتحدثين يبدو أنهم "أميركيون مخبولون (Crazed Americans) من الذين ربما يلوكون (يمضغون) الكثير من الخصلاء الوليامسية (Peyote)".
فلقد كان هناك العديد من التصريحات للمزارعين والسكان الأصليين، حيث إن بعضهم ممن تحدث عن تجاربه ومعتقداته حول الذرة إلى لجنة الخبراء الخاصة ارتدى الملابس التقليدية (المكسيكية) (US Scientist, Telephone Interview, May 30, 2007).
وقد سمّى المزارعون والنشطاء أنفسهم بـ "شعب الذرة" (People of Maize)، لتأكيد أهمية ومصداقية وجهة نظرهم بهذا الموضوع، وطرح أنفسهم كصوت لمجموعة هي الأكثر تضرّراً بشكل مباشرٍ وعميق من الذرة المهندسة وراثياً.
على الرغم من اعتقاد النشطاء أن هذا المنتدى كان فضاءً محقّاً للتعبير عن الاحتجاج، فقد كان لفريق الخبراء المشاركين في المنتدى وجهة نظر مخالفة تماماً. إذ توقّعوا أن تكون هناك مناقشة معلّلة بمعلومات أساسية معدة سلفاً، فالعديد منهم كان مستاءً لأنه وجد تلك الاحتجاجات فوضوية، وقد أدلى المزارعون وغيرهم من النشطاء الحاضرين بمشاهدات طويلة.
لقد وصف لي أحد علماء البيئة ذلك بقوله "لقد استحوذوا على الاجتماع كلياً، وتحدّثوا بخطبٍ طويلة، واستمعنا لهم، وقدّموا لنا الفطائر، وأشعلوا لنا الشموع، وقدّموا كل أنواع الأصناف (وكان الضحك قليلاً)، فلذلك كان أقرب إلى الاحتجاج منه إلى الحوار، وأنا شخصياً كنتُ أودُّ أن يكون هناك المزيد من الحوار"(US Scientist, Telephone Interview, September 8, 2005).
في حين وصف عالم آخر هذه التجربة "بالتعذيب" (Mexican Scientist, Mexico City, November 11, 2005). وهناك آخر ما زال يصور خبرته بالطريقة التالية:
كانت الأجواء حقاً مشحونة سياسياً، مع لافتات عديدة مكتوب على إحداها "لن أنسى أبداً، وأُخرى مكتوب عليها "الموت لوزير الزراعة فيكتور فيلالوبوس (Victor Villalobos)، ملك المحاصيل المهندسة وراثياً"… رئيس الجلسة فالدكتور ساركوهان (Sarukhan) قال لي "لماذا لا تقول شيئاً"، فالسبب يعود إلى أني لستُ أحمق… كنتُ لا أُحبّذ أن أضع نفسي في خطر.
حقاً كانت بيئة عدوانية، وبالتأكيد كان مسيطراً عليها بالكامل من مجموعات المعارضين(Mexican Scientist, Mexico City, November 14, 2005). كان ناسهم يحملون تلك الشعارات، وكان المشاركون يدلون بشهاداتهم، في حين أن البعض منهم يبدأ بالقول بعد ذلك بـ "حركة للدفاع عن الذرة" تتألّف من: "تعبئة حماة البيئة، ومروجي الزراعة البيئية (Agroecology)، ومجتمعات السكان الأصليين، ومنتجي الذرة المحلية"، حيث سأُشير إليهم لاحقاً بـ "حركة الذرة" (Maize Movement) أو "نشطاء الذرة" (Maize Activism).
سيركز هذا الفصل على حركة واحدة تعتبر بالغة الأهمية في المراحل المبكرة من مسيرة (Episode) هذه الحركة.
ففي عام 2002، ناشدت مجموعة تتألف من نشطاء وعلميين وقادة مجتمعات ريفية محلية، مطالبةً وضع تقييم للآثار الناتجة من التهجين الضمني (Introgression) بواسطة التعديل الوراثي للسلالات المحلية (أصناف المزارعين) من الذرة المحلية في المكسيك.
وقد أُرسلت تلك المناشدة إلى لجنة التعاون البيئي (Commission For Environmental Cooperation: CEC)، وهي لجنة ثلاثية انبثقت من اتفاق منظمة التجارة الحرة لشمال أميركا بخصوص الجانب البيئي من الاتفاق ذاته، واستجابت لجنة التعاون البيئي لتلك المناشدة، بعد عدة أشهر من البحث والمداولة، التقى الخبراء العلميون الذين تم اختيارهم للتحقق من موضوع عقد جلسة علنية في قلب الدولة التي يكتشف فيها تلوث الذرة الأصلية (الأم).
وشارك في الندوة علميو البيئة وعلميو الأحياء الجزيئية وعلميو الاجتماع وغيرهم من العلميين العاملين في هذه اللجنة وفوجئوا بالاحتجاجات الحماسية الحية، وفي نظرهم كان احتجاجاً جماهيرياً تسوده الفوضى. حيث استخدم المئات من المزارعين والبيئيين الندوة لتكون مكاناً لإعادة صياغة قضية الذرة من حيث القيم الثقافية وآثار العولمة فيها، واستقلالية الشعوب الأصلية (السكان المحليين).
لقد نتج من اجتماع أواكساكا إقامة علاقة جديدة بصورة احتيالية (Forged) ما بين الحركة والخبراء العلميين، أدّت إلى عدم وضوح الحدود الفاصلة التي عادة ما تكون (مصطنعة) ما بين التقييم التقني والخلاف السياسي.
فحينما أصدرت – في النهاية – مجموعة الخبراء الاستشاريين توصياتها بعد عدة أشهر [من الندوة]، كان تأثير المحتجين في التوصيات لا لبس فيه: تناول التقارير العلمية ظاهرياً موضوع المشاركة الديمقراطية والقيم الثقافية والروحية وسبل العيش المستدامة، وأصبح الخبراء العلميون بعد ذلك حلفاء مهمين للحركة في هذه الحالة بالذات، فأوصلوا في وثيقتهم النهائية العديد من مخاوف النشطاء [إلى الجهة التي خولّتهم].
هذه الحالة ما هي إلا حلقة رئيسية من مسيرة الحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية، التي أصبحت فيها الجينات الناشزة مشكلة اجتماعية واضحة. كما أنها قدمت رؤى نقدية عن العلاقة ما بين العلميين والحركات الاجتماعية، وحيث إن العدد المتنامي من الحركات الاجتماعية يتعامل مع قضايا معلومة ومعروفة أو حتى مع قضايا انتجتها التطورات الجديدة في العلم والتكنلوجيا، فعليه [يمكن التساؤل]، كيف تمّ استخلاص، أن العلميين حلفاء [للحركات الاجتماعية]؟ وكيف غيّر ذلك الجدلية [السابقة] التي وضعها العلميون؟
لذا ففي هذا الفصل سأعرض كفاح الذرة المكسيكية موضحاً عملياتها بعملية يطلق عليها "الارتداد المعرفي" (Epistemic Boomerang)، وذلك من خلال المجموعات المحلية والمنظمات غير الحكومية التي أُصيبت بالإحباط نتيجة استبعادها عن مناقشات وضع السياسات. فهؤلاء [المحبطون] ذهبوا في مناشدتهم للعلميين إلى ما هو خارج القنوات السياسية المعتادة، أملاً منهم في حشد جهود البحث العلمي لدعم أهدافهم الاجتماعية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]