قصة إصابة الملك الفرنسي “شارل الثامن” بمرض الزهري
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
مرض الزهري الملك الفرنسي شارل الثامن التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
حين وصل المرض إلى إنجلترا كان وباء الجدري يفتك بالناس هناك، ولكنهم وجدوا في الزهري أكثر فتحاً.
لهذا سموه عندهم بالجدري، وشاع هذا الاسم بينهم وفي هذا يقول شاعرهم شكسبير في رواية "هاملت" على لسان حفار القبور وهو يجيب هاملت على سؤاله:
– بعد كم من الوقت تتعفن جثث الموتى.
فيقول الحفار: هناك أجسام تتعفن قبل موتها لإصابتها بالجدري الكبير!
هكذا ردت معركة الاسماء في مطلع الأيام الخوالي حين حل الزهري بالأرض الأوروبية إلى أن استقر في أجسام أهلها، فأصاب الكبير والصغير، ووصلت عدواه إلى الملوك وإلى الصعاليك، وتمكن من العابثين والماجنين، ولم يترك حتى العابدين ورجال الدين، ولكن لا أحد يدري للأمر سبباً ولا للمرض علاجاً.
لقد أصيب به الملوك والبابوات، حتى أنه ساهم في كتابه التاريخ الأوروبي من خلال تصرفاتهم التي كان يمليها عليهم المرض في مراحله الأخيرة، حين يصيب الجهاز العصبي بالتوتر والانفعال بل والجنون إن لم يكن الموت.
غير أن التعليل في إصابة كل من هؤلاء أمر يدعو إلى الضحك والسخرية، إذ قال بعضهم أن عامة الناس تصاب بالزهري عبر الإتصال الجنسين غير أن رجال الذين يصابون من خلال الهواء الذي يتنفسونه فقط.
فيما ذهب بعضهم إلى أنه وباء ينتج من التقاء كوكب زحل بكوكب المريخ، فتنتج ريح سامة عن ذلك هي السبب فيه! وهكذا ذهب كل منهم في تعليل إصابته مذهبه لكن أحداً في ذلك الزمان لم يكن يعرف له سبباً، وقائمة ضحايا الزهري طويلة لا حيلة لنا أن نحصيها، ولكن الأمثلة كثيرة نختار منها ما يتوفر لنا عليها دليل.
فالغريب أن الملك الفرنسي "شارل الثامن" صاحب مأساة "نابلي" ومرضها لم يصب ذاته بالمرض أو لعله أصيب بعوارض شفي منها فيما بعد، ولكن ابنه "فرانسوا الأول" الذي اعتلى عرش فرنسا فيما بعد في عام 1515 حتى عام 1547 أصيب بالزهري وإصابته تستحق التسجيل والرواية:
لقد كان الملك الفرنسي رجلاً خليعاً مغرماً باللهو والعبث ومجالسة النساء، وكانت له خليله مشهورة يدعونها "لابيلا فورتير" يحتفظ متحف اللوفر في باريس بصورة لها في إحدى ردهاته.
ولما علم زوج هذه المرأة بالعلاقة التي تربط بين زوجته وجلالة الملك، اراد أن ينتقم منهما معاً، فتردد على بيوت الدعارة عله يصاب بمرض الزهري، وقد اصيب الرجل فعلاً بالمرض فنقله بدوره إلى زوجته التي نقلته بدورها إلى الملك العاشق وهي لا تدري! لقد تحسنت حالة الرجل لحسن حظه بينما ماتت زوجته بسبب المرض.
أما الملك فقد لازمه المرض طوال حياته واتسمت تصرفاته بالعصبية والشذوذ، مما تأثر معها تاريخ فرنسا، وتأثرت علاقاتها بالدول المجاورة يومذاك.
لقد كان الملك "فرانسوا" في مطلع حياته شجاعاً مقداماً طموحاً يحلم لبلاده بإمبراطورية واسعة الأطراف، ولكنه انهزم فيما بعد في كثير من حروبه بسبب مرضه.
وحين حاول الأطباء علاجه استعملوا معه ما كان معروفاً في زمانه من دواء وهو "الزئبق"، ثم حاولوا معه عقار "الجواياكم" الذي كان نادراً فكانوا يرسلون له السفن لتجلبه من البرازيل خصيصاً لعلاجه، ومع هذا فلم ينفع وحالته تسوء يوماً بعد يوم، لهذا أصبح ضيق الصدر، سيء التصرف، أعصابه مجهدة حتى وصل به الحال إلى جنون العظمة، فيما كان من حوله يبررون الأمر بأنه بسبب إجهاد الفكر وشحذ القريحة.
ولما فشل الملك في حروبه بحث له عن حليف، فوجد في "هنري الثامن" ملك إنجلترا ضالته أو هكذا توهم، لهذا دعاه إلى باريس حيث بالغ في إكرامه جداً، فبنى له قصراً فخماً مؤثثاً بأفخر الأثاث، ووفر له فيه أجمل النساء مما كلف الخزينة أموالاً طائلة.
أثرت على ميزانية فرنسا. ومع هذا تنكر له "هنري الثامن" (الذي أصيب هو الآخر بالزهري) وطمع في ثروة فرنسا، على أية حال فقد مات "فرانسوا" وكتبوا على قبره "هنا يرقد الملك فرنسيس الذي مات من الزهري عام 1547".
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]