البيولوجيا وعلوم الحياة

قضية زرع الأعضاء المأخذوة من حديثي الولادة بدون أدمغة

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

البيولوجيا وعلوم الحياة

تعتبر هذه القضية من القضايا التي تثير الاهتمامات حول حقوق الإنسان في الطب البيولوجي. 

والسبب الرئيسي الذي يؤدي إلى اعتبار المواليد بدون أدمغة وبدون قشرة دماغية ولكن مع وجود جذع مخي عامل، مصدرا للأعضاء، هو عدم توافر أعضاء لنقلها للأطفال حديثي الولادة. 

ولقد وضعت جامعة لوماليندا في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية صيغة خاصة في هذا المجال للتعبير عن تقدير القيمة العاطفية للآباء الذين يقدمون مواليدهم المنعدمي الأدمغة (الذين يموت 95% منهم خلال الأسبوع الأول من الولادة) للإسهام في الحفاظ على حياة الآخرين. 

 

وعلى الرغم من ازدياد عدد الأجنة المنعدمي الأدمغة التي تجهض بعد الفحص الذي يتم قبل الولادة، ورغم حقيقة أن غالبيتهم يولودون أمواتا يبدو أن من المحتمل إذا ما أمكن إتاحة الفرصة للتوسع في البرامج وتنظيم العملية أن يفضل عدد كبير من الوالدين التبرع بأعضائهم بدلا من إجهاضهم، لكي يسهموا في الاستفادة من الحمل المأساوي  ..

فالاعضاء التي تؤخذ من هؤلاء المواليد المصابين بانعدام المخ يمكن أن تكون إسهاما قيما في الإمداد بأعضاء للأطفال (تروج Truog وفليتشر Fletcher 1989، ص 388). 

بيد أن هذه الفكرة تواجه التحدي بالبيانات التي تثبت انخفاض نسبة تكرار حالات انعدام الدماغ، وارتفاع نسبة احتمالات عدم صلاحية الاعضاء التي تؤخذ من هؤلاء المواليد، مما يقلل احتمالات الحصول على نسبة معقولة من الأعضاء حتى مع صدور قانون يحتم ذلك (ميدياريس Medearis وهولمز Holmesن 1989). 

 

والقانون الذي نتحدث عنه يدخل في إطار القانون الأمريكي لتقرير حالة الموت (الصادر سنة 1980)، والذي يتطلب أن تخضع حالات انعدام الدماغ للمعايير المقرر لموت الدماغ، بما في ذلك توقف نشاط جذع المخ قبل استخدام الأعضاء للتبرع بها، مثل اي حالة تبرع بأعضاء.

والمشكلة التقنية التي يثيرها هذا المطلب تتمثل في أن الأعضاء الصلبة التي قد تؤخذ من أمثال هؤلاء الاطفال حتى لو لقيت العناية العادية، كثيرا أو غالبا ما تتعرض لإصابات بنقص في أكسجين الدم أثناء العملية، ومن ثم تصبح غير صالحة للنقل عند الموت. 

وبأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار أعطيت لستة من هؤلاء الاطفال عناية مركزة منذ الولادة وستة آخرين أعطيت لهم العناية المركزة عند ظهور أعراض الموت. 

 

فوجد أنه مع إعطاء العناية المركزة منذ الولادة أمكن الاحتفاظ بوظائف الأعضاء، ولم يتوقف نشاط جذع المخ إلا في طفل واحد خلال الأسبوع الأول (بيبودي وآخرون Peabody et al.، 1989) وأدى ذلك إلى أن استخلص هؤلاء الباحثون أنه في ظل القانون الحالي لا يعتبر الاطفال المولودون بدون أدمغة مصدرا عمليا مناسبا للأعضاء التي تنقل وتزرع.

وعُلقت الصيغة التي أدكرتها جامعة لوماليندا في أواسط 1988 بعد سبعة أشهر من التجريب، وكان السبب السالف الذكر او لأسباب هذا التعليق أو الإلغاء.

وكان السبب الآخر هو قلة الاقتناع لدى المشاركين بالرغبة في الجانب المعنوي من المشروع.  وتضمنت الأسباب أيضاً خشية أن يمتد هذا إلى الاتجاه بصورة أو بأخرى إلى حالات أقل خطورة على الوليد أو خشية الانزلاق في الخطأ أو ما يسمى بالمنحدر الزلق في الجدل وقد عبر (شيومون ورفاقه Shew-mon et al 1989) عن هذه النقطة الأخيرة بأسلوب في غاية التطرف بقولهم:

 

أي نوع من أنواع قتل الإنسان يجب أن يباح بالقانون لو كان الدافع له هو إنقاذ روح شخص آخر لا يهدده المقتول بالقتل، وإلا فإن قتل الإنسان يصبح مشروعا إذا كانت الضحية على حافة الموت بأي طريقة. 

ولكن إذا ما انطبق هذا المبدأ على المولودين بدون أدمغة فلا بد أن يطبق أيضا على كل المرضى الآخرين، إذا لم ينص القانون على أي استثناءات وربما استخدم هذا الغموض شفائهم في المراحل النهائية من المرض أو حتى المساجين المحكوم عليهم بالإعدام والذين قد تكون أعضاؤّهم أصلح للنقل والزرع من أعضاء المصابين بغيبوبة دماغية.

ويمكن إرجاء تنفيذ أحكام الإعدام في هؤلاء المساجين إلى الوقت الذي تكون فيه الحاجة ملحة لمريض جاهز لاستقبال الأعضاء (ص1775).

 

وكان رد (والترز Waters 1989) الذي يعد واحدا من الأطباء القياديين في بروتوكول لوما ليندا loma Linda الذين بذلوا مجهودا في هذا المجال بأن القضية الرئيسية ليست في ان المصابين بعدم وجود الدماغ لهم وضع معنوي مختلف، لكن المسألة تتعلق بقيمة الحياة البشرية ذاتها ..

فالمسألة المتعلقة بالجنب المعنوي للمولودين بدون أدمغة وأمثالها من الحالات التي على حافة الموت، قضية فلسفية، وهي قضية ليس لأحد أن يقرر بشأنها شيئا إلا المجتمع كله (والترز، Waters 1989، ص 2093).

 

وقد ذكر المحامي أوبرمان Oberman أنه:

إذا صح مفهوم موت الدماغ إذن فالسبب الحقيقي الوحيد لعدم اعتبار المولودين بدون أدمغة كالموتى نتيجة غيبة المخ، هو أن هناك خطر حدوث تشخيص خاطئ. 

فإذا ما أمكن استبعاد هذه الخطورة فسنجد أن الخوف من أن يستخف المجتمع بقيمة حياة الأفراد الشديدي الإعاقة في المستقبل، ويتجه إلى اعتبارهم مصدرا للأعضاء يجب ألا يؤدي إلى تبرير وقف أو منع التبرع بالأعضاء من المواليد المصابين بعدم وجود الدماغ اكثر من تبرير حظر التوقف عن العلاج كلية.. (أوبرمان Oberman، 1989، 2093).

ولكن (ميدياريس وهولمز Medearis and Holmes 1989، ص 393) يعتقدان في ان المولودين بدون أدمغة لا يمكن تمييزهم بصورة قاطعة عن المواليد المصابين باي اضطرابات أخرى داخل الدماغ مما لا يبرر تغيير القانون.

 

والتساؤل المرتبط بذلك هو ما إذا كانت المرأة الحامل التي تعلم أن جنينها مصاب بعدم وجود الدماغ سوف تستمر في حملة فقط لتقديم أعضائه كهبة فحسب أم أنها لن تستمر في الحمل (شابيرو Shapiro، 1988). 

وتاييدا لهذا يرى سيفالو Cefalo وإنجلهارت Engelhardt (1989) أن من حق المرأة أن تجهض الجنين، وفي هذه الحالة لن يكون هناك أي أساس تشريعي لمعارضة المرأة التي تبحث عن معنى لحملها عن طريق زيادة الفرصة للآخرين لاستخدام أعضاء وليدها المصاب بانعدام الدماغ في لحظة إعلان موته (ص 25). 

ومن جهة أخرى فإنه من المحتمل أن تسبب التعديلات في قانون تحديد الموت أو قانون التبرع التشريحي بالأعضاء بما يسهل عملية التبرع بأعضاء الأطفال المصابين بانعدام الدماغ أن يسبب ضغوطا شديدة، اقتصادية أحيانا تدعو إلى حمل مثل هذه الأجنة حتى تاريخ الوضع. 

 

فعلى من يقدمون المشورة للنساء اللائي يحملن أجنة مصابة بانعدام الأدمغة أن يكونوا هادئين نزيهين والا تكون لديهم مصالح خاصة أو عواطف خاصة لها صلة بالحاجة إلى اعضاء لنقلها أو للنصح بإنهاء الحمل الذي قد يُظن أنه غير مرغوب بيه.

ولا بد أن يكونوا ملتزمين بإعلام الأمهات بكل المعلومات وضمان حريتهن في اتخاذ القرار حول ما بقى من فترة حملهن (ميدياريس وهولمز، Medearis and Holmes 1989، ص 392).

هذا ويمكن إعادة صياغة ما يدور حول هذه التساؤلات من جدل، علي أساس ما إذا كانت المعايير العادية الموجودة لحماية حياة الإنسان يجب أن تطبق أيضا على حالات انعدام الدماغ أم لا. 

 

ولكن بعد مراجعة الأوضاع الخاصة بالعديد من الجماعات الطبية بما في ذلك مؤتمر كليات الطب الملكية في لندن، أعلنت الشبكة المتحدة للمشاركة بالأعضاء (1989) معارضتها لتطبيق أي معايير خاصة على الأطفال المولودين بدون أدمغة سواء باستبعاد اعضائهم من التبرع أو بتطبيق شروط موت الدماغ الوحيد عليهم، ويمكن صياغة السؤال بجانبيه بطريقة اكثر قوة وفعالية بالسؤال عن ماهية المولود بدون دماغ، وعما إذا كان شخصا أم لا. 

ويذكر كل من سيفالو وإنجلهارت Engelhardt and Cefalo (1989) أن أدنى شرط لمدلول الشخصية هو القدرة على الإحساس والوعي الأولى وأنه نظرا لعدم إمكانية تحقق هذه القدرة لمصاب بانعدام الدماغ لا يعتبر أبدا شخصا حيا. 

وهما يؤيدان مراجعة تحديد تعريف أو تعاريف الموت (على أن يعتبر الأشخاص قد ماتوا عندما يكون دمار أدمغتهم شديدا وبليغا إلى الحد الذي يمنع أي وجود واع آخر لهم في الدنيا ص 38. 

 

ويترتب على ذلك أنه "لا يصح أن يكون هناك اعتراض – بعد الإعلان الصحيح – على التبرع بأعضاء المواليد بدون أدمغة كما يحدث بعد موت الدماغ كله حتى مع استمرار وظيفة عصب الدماغ (ص25). 

ويفضل كل من تروج Troug وفليتشر Fletcher (1989) إدخال التغيير، ويقترحان كمعيار للموت "حالة مميزة ومحددة بدقة تتصف فيها وظيفة المخ المتكاملة بعدم التواجد لدرجة أن يعتبر الموت الجسدي وشيك الحدوث بانتظام، (ص389). 

وينطبق هذا المعيار على كل من حالة انعدام الدماغ وعلى المرضى ذوي المخ الميت، ولكنها تستبعد من هم في حالة خمود كامل لأنهم لا يواجهون الموت الفعلي.  ويستبعد هذا التعريف أيضا كل الأخطار الاخرى المتسببة عن الغيبوبة المؤقتة.

 

وهناك رأي معارض (اراس Arras وشينار Shinnar 1988) يعلن أن المحافظة على حياة الطفل المصاب بانعدام الدماغ لفائدة الآخرين فحسب تعتبر انتهاكا للقانون الأخلاقي. 

ويلمح شيومون ورفاقه Shwemon et al. إلى عدم استساغة بديهية وعاطفية لهذا الإجراء ويذكرون أن "إمكانية تحديد حدود عصبية واضحة وثابتة بين الأشخاص ذوي الكيان ومنعدمي الكيان، هو السبب في أن الجميع حتى العامة الذين يعزون ذلك إلى نظرية عدم الوجود الشخصي لا يؤديون تطبيقها قانونيا (ص 1776).

أما الحوار المترتب على تجربة جامعة لوما ليندا فإنه يدور حول أن التكاليف التي يتحملها المجتمع نتيجة استمرار المشروع قد تفوق كثيرا الفوائد التي قد تتحقق منه. 

 

وتتضمن هذه التكاليف حدوث تشويش معنوي مع فقدان القيود الاجتماعية القانونية التي تحد من التصرف في الحياة البشرية، بدءا بالتوسع في المعايير التي بناء عليها يعتبر الأطفال المولودون حديثا بعيوب مصدرا للأعضاء. 

ومن جهة أخرى نجد أن إنجلهارت وزملاءه وكذلك تروج وفليتشر يرون في دراستهم أن زيادة الوضوح المفهومي في هذا المجال قد تؤدي في وقت من الأوقات إلى إمكان استخدام المواليد الجدد بدون أدمغة لأغراض التبرع بالأعضاء بتكالف اجتماعية أقل من تكاليفها الحالية، ويمكن تسهيل ذلك بزيادة العمل العلمي لضمان صلاحية أنسجتهم الرقيقة السريعة التلف.

والأمر الأكثر إلحاحا هو أن إدراك حقوق الإنسان المتأصلة في العلاقات قد يدعم استخدام أعضاء المواليد بدون أدمغة لمواليد جدد آخرين يمكن أن تنقذ حياتهم ويعيشوا بهذه الأعضاء. 

 

ويمكن أن ينبني حق الطفل الذي يحتاج إلى نقل أعضاء في الحياة على كون هذا الطفل كشخص محبوب ومحب وكذلك ينبني على الحب الذي يربط هذا الطفل فعلا بأبويه اللذين يبحثان عن أي وسيلة لإبقائه حيا. 

وعلى العكس من ذلك فإن المولود بدون دماغ لن يصبح حساسا، ولن تهيئ مكوناته الحيوية له استقلالية البقاء والاستجابة وممارسة العلاقات مع الآخرين. 

 

ومن جهة النظر الاكلينيكية لا يوجد اي تصور عما إذا كان الوليد المصاب بانعدام الدماغ أو أي نوع آخر من العيوب الدماغية المدمرة الشديدة، سوف تكون له قدرة على الحياة كشخص كامل بأي نوع من التكنولوجيا يمكن تصورها. 

وفي ظل هذه الظروف تبدو واضحة مشروعية الخطأ الذي ترتب على الجدل الدائر حول هذا الموضوع، ونظرا لأن هذه المشروعية تحرم الأبوين، والمواليد الذين يمكن إنقاذهم من أساسيات الحياة فإنها لا تساير حقوق الإنسان.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى