البيولوجيا وعلوم الحياة

قضية “نظرية التطور البيولوجي” لـ”داروين” من أغرب القضايا في التاريخ العلمي

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

نظرية التطور البيولوجي داروين التاريخ العلمي البيولوجيا وعلوم الحياة

في التأني… الندامة!!

لم يتعجل داروين في نشر نظريته بل ظل صامتاً فترة طويلة صمت القبور.

وقد قدَّم مؤرخوه تفسيرات كثيرة لذلك الصمت. فمن قائل إنه كان مشغولا بتجميع حقائق وبلورة أفكار، ومن قائل إنه لم يرغب في مضايقة فيتزروي قبطان البيجل، ومن قائل إن الهجوم على كتاب (الآثار) قد أفزعه، ومن قائل إنه رأى من الأصوب ألَّا يعلن رأيه في تلك القضية الشائكة – قضية التطور – إلَّا بعد أن ينتشر صيته ويذيع كعالمٍ من علماء الصف الأول.

ولعل السبب الأساسي كان يكمن حقاً في شخصيته، إذ أنه كان أميل بطبعه إلى تجنب العاصفة التي ستهب حتما بمجرد نشر آرائه.

كان يطيب له أن يؤجِّل ذلك الحدث وان يجتر آراءه مع بعض أصدقائه ومحبيه من مثل لايل عالم الجيولوجيا وجوزيف هوكر عالم النبات.

وربما أضفنا إلى كل ذلك أن داروين كان من أسرة ميسورة الحال منذ حياة جده إراسموس، ومن ثم كان في وضعٍ يسمح له بتكريس كل جهودة في البحث من غير تعجلٍ في إعلانه.

وكان داروين قد كتب الخطوط العريضة لنظريته في عام 1842، ثم عاد في عام 1844 وألَّف عنها كتاباً كاملاً ولكنه لم ينشره.

وفي ربيع عام 1858 حذَّره صديقه الأول لايل من هذا التباطؤ قائلاً له: (من الأفضل أن تنشر ما وصلت إليه وإلَّا سبقك إليه غيرك). ووعده داروين بأن يُسارع في النشر، غير أنه تباطأ مرة أخرى..

وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان…

 

أغرب…القضايا!

بينما كان داروين على وشك أن ينشر نظريته – خلاصة أبحاثه وفكره وصبره الطويل – في عام 1858-وإذا بالمفاجأة- مفاجأة؟ نعم لقد استيقظ ذات صباح ليجد أن عالماً آخر قد سلب- دون عمد- كل نفائسه وذخائره. كيف؟.

لقد تلقى داروين من ألفريد رسل والاس في 18 يونية من ذلك العام بحثاً مبتكراً عن التطور مصحوباً برجاء أن يرسل إليه، أي إلى والاس، بنقده الصريح ورأيه عن مدى صلاحية هذه النظرية وصحتها.

وكان والاس يعيش في ذلك الحين في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وكان لا يدري أبداً أن داروين قد توصَّل هو الآخر في الوقت نفسه تقريباً إلى نفس ما توصَّل إليه!.

وهكذا تقدم والاس، في براءة تامة، إلى داروين ليقدمه للعالم على أنه صاحب نظرية التطور البيولوجي!.

يا له من موقفٍ عجيب… ماذا ستفعل يا داروين في هذا المأزق الحرج؟ لقد كانت رسالة والاس تكاد تكون نسخة (كربونية) لما توصل إليه هو بشأن تلك النظرية. إذن لقد ازداد الأمر تعقيداً. و

(مع هذا فلماذا لا أرسل خطاباً لصديقي دكتور لايل عالم الجيولوجيا الكبير لآخذ رأيه) – هكذا حدثت داروين نفسه . ومن ثم كانت الكلمات التالية : (إنني لم أر في حياتي كلها – يا دكتور لايل – تطابقاً أكثر إثارة للدهشة من هذا التطابق! ولو أن والاس كان أمامه البحث الذي انتهيت إليه في عام 1842 لما استطاع أن يلخصه بطريقة أفضل مما كتب!!).

 

وكان أول ما خطر على بال داروين أن يتنحَّى جانباً ويعطي لوالاس الفخر الكامل لذلك الكشف، وقال في ذلك كلمة تنم عن إنكار ذات : (إنني أفضل ألف مرة أن أحرق بحثي كله على أن يظن والاس أو غيره أنني قد تصرفت بروحٍ حقيرة).

ولكن دكتور لايل أصرَّ على أن من واجب داروين، لكي يكون منصفاً لنفسه، أن ينشر آراءه فوراً، وأعرب عن اعتقاده في أن والاس سوف يتقبل هذا الموقف بروحٍ عاليةٍ بمجرد أن يعلم أن داروين قد سبقة إلى ذلك الكشف بما يقرب من عشرين عاماً تقريباً.

ووافق داروين في نهاية الأمر على أن تقدم النظرية إلى (مجمع لينيوس) على أنها عمل (مشترك) بين والاس وبينه. ولكن والاس أراد من جانبه ألا يكون أقل شهامة من صاحبه فأعلن أن حسن الحظ النادر قد أعطاه نصيباً في كشف يرى هو أنه من حق داروين وحده. فعلاً التصقت نظرية التطور البيولوجي في النهاية باسم داروين وحده.

وهكذا انتهت قضية من أغرب القضايا في التاريخ العلمي، قضية حاول فيها كلاً من (الخصمين) أن يقدم مصالح الآخر على حساب مجده هو!.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى