كيفية بناء الأهرامات بواسطة المصريين القدامى
2016 أصل العلوم ما قبل التاريخ
جون كلارك مع مايكل ألابي وإيمي جان بيير
KFAS
التاريخ الأحافير وحياة ما قبل التاريخ
تعتبر الأهرامات الكبرى في الجيزة الوحيدة من بين عجائب الدنيا القديمة السبع الباقية كاملة حتى اليوم، ويمثل وجودها بعد ٤,٥٠٠ عامٍ من بنائها شاهداً على عظمة التقانة والإبداع والمهارات التنظيمية للحضارة المصرية القديمة التي بنتها.
يبدو أن الإنسان مدفوع غريزياً لتشييد المباني الشاهقة، كان الهيكل الوحيد الممكن تشييده منذ ٤,٠٠٠ سنة يتمثل في بناء قاعدة عريضة يأخذ ارتفاعها عن سطح الأرض شكل خيمة، ليتوفر بذلك الاتزان اللازم لبقاء الهيكل من ناحية وتسهل وسائل نقل مواد البناء إلى الأعلى من ناحية ثانية.
ويحتمل أن الشكل الهرمي المنساب هو تطور طبيعي انبثق من شكل الزقورة؛ الزقورة معبد على شكل متعدد الطوابق تقل مساحة طبقاته كلما ارتفعنا عن سطح الأرض، شيدته حضارات بلاد فارس وبلاد الرافدين (السومريون والآشوريون والبابليون) ما بين عامي ٣٠٠٠ و ٥٠٠ ق.م.
ويحتمل أيضاً أن هذه الزقورات مثلت جبالاً مقدسة أو سلالم تربط الأرض بالسماء حيث تسكن الآلهة.
وقد شيدت الزقورات من الداخل باستخدام الطابوق الطيني، بينما يغطي الطوب المشوي سطوحها الخارجية، وغالباً ما يكون الطوب الخارجي مصقولاً بالألوان بشكل متقن، وتتعدد طبقات الزقورة ما بين طابقين إلى سبعة طوابق.
ومن أجمل الزقورات زقورة أور(البصرة) في العراق وزقورة ماردوك في بابل الذي يعتقد بأنه الهيكل المشار اليه ببرج بابل في الإنجيل.
بني أول الأهرامات في مصر في منطقة سقارة حوالي عام 2630 ق.م. تكريماً للملك زوسر (حكم البلاد في الفترة 2630-2611 ق.م.).
هرم زوسر هو هرم متعدد الدرجات يشبه الزقورة مع فارق مهم إذ أنه شيد من الصخور وليس من الطوب الطيني.
خلال ٣٠ سنة طور المصريون التصميم وبدؤوا تشييد أهرامات مصقولة السطوح مثل الهرم الأحمر في دهشور والذي يعتبر أول هرم «حقيقي»، وعلى الرغم من الاستمرار في تشييد البناء الداخلي من قطع كبيرة من الحجر لكن التكسية الخارجية بنيت من قطع أصغر حتى يظهر السطح الخارجي أملساً تقر العيون بالنظر إليه.
شيدت الأهرامات كمدافن تخليداً للملوك (أو الفراعنة) الذين اعتبرهم الناس آلهة على قيد الحياة. وكان الملك نفسه يختار موقع بناء الهرم، وتوضع تفاصيل خطط البناء بواسطة الحرفيين المهرة على أوراق البردي (لم يتم اختراع الورق قبل 105 ميلادي).
كان موقع البناء يختار في بعض الأحيان بحيث تتوافر فيه خصائص طبيعية، من مثل الطبقات البارزة من المناطق الصخرية. وعلى الرغم من أن مثل هذا الاختيار يعني الحاجة إلى مواد بناء أقل تستورد من أماكن أخرى، إلا أنه سبب صداعاً (معضلة) للمعماريين، إذ إن الأرض غير المنبسطة أصعب في المسح والقياس الدقيق علماً بأن الدقة كانت من الشروط الإلزامية.
جميع أهرامات مصر مبنية على محور الشمال – الجنوب بشكل دقيق، وقد تم هذا الإنجاز قبل اختراع البوصلة المغناطيسية بآلاف السنين، ولذلك استعان المصريون بآلة مسح لتحديد اتجاه الشمال الحقيقي بواسطة النجوم (المترجم: تتكون الآلة من قطعتين، الأولى عصا قصيرة يوجد شق في الطرف السميك منها والأخرى مسطرة شاقولية ويحتاج تحديد اتجاه الشمال بواسطة هذا الجهاز إلى شخصين).
ويوضح التماثل الكامل في الأهرامات القائمة أن قدماء المصريين كانت لديهم المعرفة التامة بالهندسة، مما سمح لهم وضع علامات على قاعدة الهرم تشكل، عند توصيلها، مربعاً كاملاً.
ولو كانت زوايا تلاقي أضلاع القاعدة أقل بمقدار صغير جداً عن ٩٠o لما تلاقت السطوح الجانبية للهرم عند نقطة سمته، كما أن كمال التماثل كان مطلوباً في كل حجر من أحجار البناء التي شحذها البناؤون المهرة.
لعل أكثر الأسئلة المحيرة لعلماء الآثار عبر السنوات كانت: كيف تمكن البناؤون من نقل الكتل الصخرية ؟ وكيف استطاعوا رفعها إلى هذا العلو الشاهق؟ فالحجارة المستخدمة في بناء الأهرامات الكبرى في الجيزة يبلغ وزن الواحد منها بين 2.5 طناً و15 طناً (2-14 طناً مترياً)، كما رفعت الأحجار التي تشكل القمة مسافة 480 قدماً (147 م) عن سطح الأرض.
والجواب على السؤال الأول أن الصخور الطبيعية المتوفرة في الموقع استخدمت إلى أقصى حدٍ ممكن، وكل ما احتاجه البناؤون زيادة على ذلك أتى من أماكن بعيدة على سطح مراكب عبر نهر النيل.
ولنقل الأحجار إلى هذا العلو استخدم المصريون سطوحاً مائلة – إذا كانت زاوية الميل صغيرة يصبح بالإمكان سحب الكتل الحجرية على زلاقات خشبية. وعندما تصل الأحجار إلى الارتفاع المطلوب استخدم البناؤون رافعات مصنوعة من الخشب والبرونز للتحكم فيها وتثبيتها في أمكانها.
لكن شكل السطوح المائلة التي استخدمت مازال محل جدل،والاحتمال الأكبر أن المصــــريين استخدمـــــــــــــوا أشكالاً مختلفة من السطوح المائلة، فبعضها كان مستوياً والبعض الآخر متعرجاً والنوع الثالث ارتفع عن سطح الأرض تدريجياً بشكل حلزوني ولا شك أن التصميم الهندسي للسطوح المائلة كان بحد ذاته فذاً مثيراً للإعجاب.
أما قطع الأحجار الأصغر، التي استخدمت لتكسية السطوح الخارجية، فيحتمل أنها رفعت إلى مواضعها باستخدام رافعات ميكانيكية. وقد استعرض المؤرخ الإغريقي هيرودوتس وصفاً لمثل هذه الرافعات، لكنه وصف مختصر جداً لا تمثل أدلة معمارية تبين لنا كيفية عمل هذه الرافعات.
على الرغم من أن التقدم التكنولوجي لعب دوراَ محورياً في تشييد الأهرامات، لكن السر الحقيقي لنجاح قدماء المصريين يكمن في الهيكل التنظيمي لعددٍ كبيرٍ جداً من القوى العاملة.
ويتراوح تقدير عدد العاملين في بناء الأهرامات ما بين بضعة ألوف وحتى ١٠٠,٠٠٠ عامل. وبشكل عام يتناقص العدد المحتمل مع زيادة معارفنا عن التكنولوجيا المصرية والمهارات التنظيمية للمصريين، كما أن من غير المحتمل أن العبيد شكلوا قوام القوى العاملة، فهناك دلائل آركيولوجية موثوقة حديثة تشير إلى وجود مجتمعٍ مزدهر مركزه موقع بناء الأهرامات وفر السكن والخدمات الأخرى لعدد كبير من القوى العاملة المتخصصة.
السطوح المائلة، لماذا؟
شيدت أبسط السطوح المائلة باتجاه الأهرامات. لكن، وحتى تكون زاوية الميل صغيرة لابد أنها كانت غاية في الطول وتحتوي مواد بناء تساوي كتلتها الكمية اللازمة لبناء الهرم نفسه، وفي المقابل فإن التصاميم المتعرجة والحلزونية تحتوي موادا أقل، لكنها هياكل أكثر تعقيدا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]