كيفية حدوث ظاهرة “السَراب” الضوئية
2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الحادي عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
السَّرابُ ظاهرةٌ ضوئيّةٌ مألوفَةٌ لسكّانِ المناطِقِ الصحراوِيَّةِ المُنْبسِطَةِ في الأيّام القائظَةِ، حيثُ يشاهِدونَ للأشجارِ أو التِّلالِ على سطحِ الأرضِ صُوَراً خياليَّةً مقلوبَةً، شبيهةً بتلك الصورِ التي تحدثُ بالانعكاسِ عند سَطْحِ الماءِ، فيظنونَ أَنَّ هناك بحيرةً صغيرةً أو برْكةً من الماءِ قد تَكَوَّنَتْ.
فإذا ما سلكوا طريقَهُم إليها لا يجدون عِنْدَها أيَّ أَثَرٍ لوجودِ الماءِ، ثم يتكرَّرُ المنظرُ أمامَهم في أماكِنَ أخرَى، وهكذا.
كذلك يمكنُ ملاحظَةُ السراب صيفاً، وبخاصةٍ وقتَ الظهيرةِ، في الطرقِ المعَبَّدةٍ بالأسْفَلْتِ التي تبدو لراكبِ السيّارَةِ كما لَوْ كانتْ مُغَطَّاةً بالماءِ.
ولم يَتَّضِحْ التفسيرُ العلميُّ لظاهرةِ السرابِ إلا في العصر الحديثِ بعد أن عُرِفَتْ قوانينُ انعكاسِ الضَّوءِ وانعطافهِ (انكسارِه) في الأوساطِ المتتابِعةِ، واكتُشِفَتْ خاصيَّةُ الانعكاس الكُلِّيِّ الداخِلِيِّ.
فتفسيرُ ذلك أنَّ رِمالَ الصحراءِ الساخنة، أو حرارةَ الطرقِ المرصوفةِ، ترفعُ درجةَ حرارةِ طبقاتِ الهواءِ المُلاصِقَةِ لها، فتقلُّ كثافَتُها عن كثافةِ الطبقاتِ التي تَعْلوها.
ويترتَّبُ على ذلك أنْ ينعطفَ الضوءُ القادمُ من السَّماءِ، مبتعداً تدريجيّاً عن الاتِّجاهِ الرأسِيِّ كُلَّما اخترقَ طبقاتِ الهواءِ القريبةَ من الأرضِ.
وعندما تصبحُ زاويةُ مُرور الشعاعِ الضوئيُّ من إحدى الطبقاتِ إلى الطبقة التي تَحْتَها أكبرّ من حدٍّ معيَّن (يسمَّى: الزاوِيةَ الحَرِجةَ)، ينعكسُ الشعاعُ الضوئِيُّ »انعكاساً كلِّياً« عند السطح الفاصلِ بين هاتيْن الطبقتيْن.
ويَتَّخذُ مساراً منحنياً إلى أعلَى خلالَ طبقاتِ الهواءِ الأكثر برودةً، حتى يصلَ إلى العيْنِ التي ترَى صورةَّ تقديريَّةً لجزءٍ من السَّماءِ.
ويبدو السطحُ الفاصلُ الذي حَدَثَ عنده الانعكاسُ الكُّلِّيُّ كما لو كان مرآةً مستَوِيةً، أو سَطْحَ ماءٍ ساكِنٍ، ويتوَّلَدُّ لدَى المشاهِد انبطاعٌ بوجودِ ما يُشبه بحيرةً صغيرةً من الماءِ على الأرضِ، ويكونُ ما يراه هو السرابُ.
وإذا تَصَّوْرنا شعاعاً ضوئيّاً صادراً من قِمَّةِ شجرةِ نخيلٍ، مثلاً، في مكانِ السرابِ، فإنَّ العينِ سوف تستقبلُ هذا الشعاعَ بعد انعكاسِهِ انعكاساً كليّاً وتَرَى على امتدادِه صورةً تقديريةً لقمةِ النخلةِ تَقَعُ أسفلَها تماماً، وبذلك يخيَّل للناظِرِ أن هناك ماءً بالقرب ِ من هذه النخلةِ.
وظاهرةُ السرابِ مألوفةً أيضاَ لدَى سكّانِ الشواطئِ والمناطقِ القُطْبِيَّةِ، حيثُ تبدو صورُ الأجسامِ الطافيةِ على سطحِ الماءِ، مثل السفنِ والقواربِ، وكأنَّها مُعَلَّقَةٌ في الفضاءِ في وَضْعِ مقلوبٍ رأساً على عَقِب.
لكنّ حدوثَ السرابِ في هذه الحالةِ يتمُّ بطريقةٍ معكوسةٍ، حيثُ تكون طبقاتُ الهواءِ السُّفْلَي هي الباردةَ، بينما تهبُّ في الطبقاتِ العليا تياراتٌ هوائيةٌ ساخنةٌ أو دافئةٌ.
ويترتَّبُ على ذلك أن تقلَّ كثافةُ طبقاتِ الهواء بازدياد بُعْدِها عن سطحِ الأرضِ، ويَتَّخذَ شعاعُ الضوءِ تَبَعاً لذلك مساراً منحنياً مبتعِداً عن الاتِّجاهِ الرأسِيّ كلّما اخترقَ طبقاتِ الهواءِ المتتالية بعيداً عن سطحِ الأرضِ.
وعندما تصبحُ زاويةُ سقوطِهِ في إحدىَ الطبقاتِ أكبرَ من الزاويةِ الحَرِجَةِ بالنِّسبَةِ إلى الطبقةِ التي تعلوها فإنه ينعكسُ »انعكاساً كليّاً« إلى أسْفَلَ عند السطح الفاصِلِ بين هاتيْن الطبقتيْن.
ويتخذُ مساراً منحنياً خلالَ طبقاتِ الهواءِ الأكثرِ برودةً حتى يصَل إلى العيْن التي ترَى على استقامَتِه صورةَ الجسمِ الصادرِ منه هذا الشعاعُ مقلوبةً ومُعَلَّقَةً في الهواءِ.
وهكذا نجدُ أنّ كلَّ ما يُكَوِّنُه السرابُ مجرَّدُ صُوَر وهمُّيةٍ لا وجودَ لها في الواقِع.
وتستعملُ كلمة »سراب« مجازيّاً لتدلَ على هذا المعنىَ، فقد أخبر القرآنُ الكريمُ أن أعمالَ الكفّارِ التي عَمِلُوها في الدُّنْيا وظنُّوها أعمالاً صالحةً أشبهَ بالسَّراب الذي يُرى في الفَلَوات، ويبدو كأنه ماءٌ، حتى إذا بَلَغَهُ من يحتاجُ إليه لم يجدْه شيئاً.
قال تعال( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (النور: 39) ، (قيعَة: جمعُ قاعٍ؛ والقاعُ: الوادي، والأرضُ المُسْتَوِيَةُ بينَ الجبالِ).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]