الفيزياء

كيفية حساب نظرية العزم المغناطيسي للإلكترون

1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً

KFAS

نظرية العزم المغناطيسي للإلكترون الفيزياء

إن ميادين الفيزياء التي نهتم فيها بمسائل مثل: لماذا كان الحديد (26 بروتوناً) مغنطيسياً في حين أن النحاس (29 بروتوناً) غير مغنطيسي؟

أو لماذا كانت بعض الغازات شفافة وبعضها غير شفاف؟ إن هذا الفرع من العلم يحمل اسم ((فيزياء الجسم الصلب)) أو ((فيزياء الموائع)) أو أيضاً ((الفيزياء ذات الوجه البشري)). أ

ما مجال الفيزياء الذي نهتم فيه بتلك النهوج البسيطة الثلاثة فيسمى ((الفيزياء الأساسية)) – لقد اختير هذا الإسم لتوليد..  عُقد لدى الفيزيائيين الآخرين! وأكثر المسائل أهمية هذه الأيام – وأجداها على الصعيد العلمي – تنتمي إلى فيزياء الجسم الصلب. لكن هناك من قال ذات يوم أن لا شيء أفضل عملياً من نظرية جيدة، والألكتروديناميك الكمومي نظرية جيدة بالتأكيد!.

أحب أخيراً أن أعود إلى العدد 1.001  159  652  21  الذي تكلمت عنه في محاضرتي الأولى وذكرت أنه قيس وحُسب بعناية كبيرة.

إن هذا العدد يمثل استجابة الإلكترون لحقل مغناطيسي خارجي – شيئاً نسميه ((العزم المغناطيسي)). كان ديراك، وهو أول من وضع القواعد لحساب هذا العدد، قد استخدم الوصفة من أجل E (A إلى B) وعثر على نتيجة بسيطة سأتخذها، في وحداتنا القياسية، مساوية 1.

والبيان المتعلق بهذا الاقتراب الأولي من العزم المغنطيسي للإلكترون بسيط جداً: إلكترون يذهب من نقطة لأخرى في الزمكان ويقترن مع أحد فوتونات مغنطيس (شكل 73).

 

وبعد بضع سنوات شعرنا أن هذا العزم المغنطيسي لا يساوي 1 بالضبط بل أكثر بقليل – شيئا مثل 1.001 .

كان شوينغر قد حسب التصحيح ، j x j  مقسوماً على  π 2 ، في عام 1948 ، وهو ينتج عندما تؤخذ في الحساب إمكانية أخرى متاحة للإلكترون كي يذهب من نقطة لأخرى، فبدلا من أن يفعل ذلك مباشرة يذهب الإلكترون فجأة، وكأن شيئاً لم يكن، إلى مكان يُصدر فيه فوتوناً، ثم (يا للفظاعة!) يعود فيمتصه (شكل 74).

قد يكون هذا تصرفاً من الإلكترون ((غير أخلاقي)) لكنه يفعله مع ذلك! وحساب السهم المتعلق بهذا الأسلوب يقتضي صنع سهم لكل موضع يمكن للإلكترون أن يُصدر فيه فوتونه ولكل موضع يمكن أن يمتصه فيه. وهذا يستدعي إضافة اثنين من E (A إلى B) وP (A إلى B) واحد أو اثنين من j، تُضرب كلها معا. ويتعلم طلاب ما بعد الإجازة هذا الحساب في مقدمة دروس الإلكتروديناميك الكمومي .

 

ولكن تمهلوا قليلاً : إن تجارب قياس سلوك الإلكترون دقيقة لدرجة تستدعي التفكير أيضاً بأساليب أخرى في حساباتنا ، كإمكانيات أن يقوم الإلكترون ،  في أثناء ذهابه من نقطة لأخرى ،  بأربع اقترانات إضافية (شكل 75).

يمكن للإلكترون أن يصدر فوتوناً ويمتصه بثلاث طرائق مختلفة . ويوجد أيضاً إمكانية جديدة مثيرة (مثلناها في يمين الشكل 75)، هي أن يصدر الإلكترون فوتوناً يتحول بعدئذ إلى زوجي إلكترون / بوزتزون – ومرة أخرى – ، ولو سمحتم هنا بهذا التعبير، يعمد الإلكترون  والبوزترون إلى إفناء بعضهما بعضاً، فيولدان فوتوناً جديداً يمتصه الإلكترون في النهاية. لا بد من أخذ هذه الإمكانية بعين الاعتبار.

لقد اضطر فريقان فيزيائيان ((مستقلان)) إلى قضاء عامين لحساب هذا التصحيح الجديد،  وعاماً ثالثاً لاكتشاف خطأً فيه – كانت التجارب قد أعطت قيمة مختلفة قليلاً عن القيمة الحسابية فتولد،  لفترة ما وللمرة الأولى ، الظن بأن النظرية غير متفقة مع التجربة، ولكن كلا : كان الأمر مجرد خطأ في الحساب .

ويمكن أن نتساءل كيف أمكن لفريقين أن يرتكبا الخطأ نفسه . الواقع أن الفريقين كانا،  قبل إنجاز الحساب بقليل، قد قارنا نتائجهما فأصلحا ما كان بينهما من خلاف . فهما إذن لم يكونا مستقلين تماماً.

 

وهذا وإن وجود ستة مضاريب من j يعني مزيداً من الأساليب في وقوع الحادث ، وأرسم لكم تواً بعضا منها (شكل 76). وقد اقتضى الأمر عشرين عاماً للحصول على هذه الدقة الإضافية في القيمة النظرية للعزم المغنطيسي للإلكترون .

وفي أثناء ذلك تفنن التجريبيون في ((تنعيم))  قياساتهم ، فأضافوا بضعة أرقام معنوية للنتيجة – التي ظلت متفقة مع النظرية.

وهكذا ، نرسم لإجراء هذه الحسابات بيانات نترجمها إلى لغة رياضية،  ونجمع السعات معاً – إنها ((وصفات طبخ)) آلية. ويمكن إذن أجراؤها  في الآلات الحاسبة. وقد تم، في الحواسيب الفائقة هذه الأيام، إنجاز حساب الحد الذي يحوي ثمانية مضاريب إضافية من j والعدد النظري هو اليوم:652 46 159 1.001، أما التجربة فتعطي  1.001 159 652 21بارتياب قدره 4 في الرقم الأخير.

ويعود بعض الارتياب في القيمة النظرية (وهو تقريباً 4 على الرقم الأخير) إلى ما يرتكبه الحاسوب في ))تدوير(( الأرقام، أما الجزء الأكبر (قرابة 20 على الرقمين الأخيرين) فيعود إلى أن قيمة j ليست معروفة بالضبط. والحد الذي يحوي ثمانية إضافية من j يمثل قرابة عشرة آلاف بيان، كل منها ذو خمسمئة حد – حساب جنوني قيد الإجراء الآن.

 

إنني على يقين من أننا سنتمكن، في غضون سنوات قليلة قادمة، من إضافة بضعة أرقام عشرية، سواء إلى القيمة التجريبية أو القيمة النظرية للعزم المغنطيسي للإلكترون. ولئن كنت لا أملك الحق في التأكيد بأن هاتين القيمتين ستظلان دوماً على وفاق، فما ذلك إلا لأن رجل العلم لا يستطيع البتة أن يقول ذلك قبل إجراء الحساب وتنفيذ التجارب.

وهكذا نكون قد أنجزنا العودة إلى العدد الذي كنت اخترته كي أُذهلكم منذ بدء هذه المحاضرات. والآن أعتقد أنكم فهمتم، أو آمل ذلك، مغزى الإلحاح على هذا العدد: إنه يمثل في حقيقة الأمر مدى الصحة المدهش الذي بلغته نظرية الإلكتروديناميك الكمومي الموضوعة باستمرار على محك التجربة.

لقد كان أحد أهدافي الممتعة ، في هذه المحاضرات، أن أُريكم أن الثمن الواجب دفعه لحساب نظرية على هذه الدرجة من الدقة  كان تبدل مفهومنا المنطقي للأمور. علينا أن نتقبل من الطبيعة تصرفات عجيبة جداً: احتمالات تتزايد وتتناقص، انعكاس الضوء بكل أجزاء المرآة، سير الضوء في طرق غير الخط المستقيم، فوتونات تسير بأسرع أو بأبطاً من سرعة الضوء المتعارف عليها، الإلكترونات التي تعود القهقرى في الزمن، الفوتونات التي تتفكك فجأة إلى زوجي إلكترون / بوزترون، وهكذا دواليك. ذلك ما يجب أن نذعن لقبوله إذا أردنا أن نفهم ما تفعله الطبيعة حقاً في أعماق معظم الظواهر التي نلحظها في هذا العالم.

 

وهكذا أكون قد شرحت لكم، باستثاء تفاصيل الاستقطاب التقنية، الإطار الذي يتيح لنا أن نفهم كل هذه الظواهر: نرسم السعات من أجل كل الأساليب المتاحة لوقوع الحادث المدروس، ثم نجمعهما معاً، وذلك في ظروف عادية نتوقع أن تستوجب جمع الاحتمالات، أو أن نضرب السعات معاً في ظروف نتوقع أن تستوجب ضرب الاحتمالات. لكن تناول ذلك كله بطريقة السعات لا بد أن يطرح بعض الصعوبات في البدء، بسبب ما يبدو في هذه السعات من سمات مختلفة.

لكننا في زمن قصير نتعود على هذه اللغة المستغربة. وفي أعماق الحشد المتنوع من الظواهر التي نراها يوميا لا يوجد سوى ثلاثة نهوج أساسية: يتمثل أحدها بعدد الاقتران البسيط j، ويتمثل الآخران بوصفتين –P ( A إلى B) و E (A إلى B) بينهما صلة وثيقة. هذا كل ما في الأمر، ومنه تخرج كل قوانين الفيزياء الأخرى.

بيد أنني أود أن أضيف بضع ملاحظات قبل أن أُنهي هذه المحاضرة. فلئن كان بالإمكان فهم روح الإلكتروديناميك وطبائعه ، دون ذكر تفاصيل الاستقطاب التقنية ، إلا أنني على يقين من أنكم  قد تشعرون ببعض الأسف إذا لم أُضف شيئاً بخصوص ما استبعدته حتى الآن .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى