كيمياء البلازما
2002 في رحاب الكيمياء
الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي
KFAS
نعرف أن للمادة حالات ثلاث .. هي الغازية والسائلة والصلبة. ونتعامل مع المواد في حياتنا العادية ضمن هذه الحالات .
ونتساءل .. هل للمادة حالات أخرى ؟ علماء الفيزياء الحديثة ذكروا سبع حالات للمادة .. لكننا لا نعرف عن بعضها إلا القليل .
وفي مجال الكيمياء .. تعامل العلماء مع المواد في حالاتها الثلاث لقرون عديدة .. ولم يبدؤوا التعامل إلا منذ زمن وجيز مع الحالة الرابعة وهي البلازما .
ويمكن القول إن البلازما هي في واقع الأمر غاز… لكنها ليست غازاً عادياً ، فهي تحتوي إلى جانب الذرا والجزيئات المتعادلة .. أيونات وإلكترونات.
وتجدر الإشارة إلى أن الغاز العادي يحتوي على جسيمات متأينة وأنها تزداد عدداً بزيادة درجة الحرارة . لذا فليس هناك فاصل حقيقي بين الغاز المتأين والبلازما .
ونقول عادة إن الغاز قد تحول إلى بلازما حينما يبدأ في حمل خواصها الرئيسة وعلى رأسها الموصلية الكهربائية .
وقد يبدو غريباً أن نقول أن البلازما هي الحالة السائدة في الكون. فمادة الشمس والكواكب وغازات الفضاء الخارجي توجد جميعاً في حالة البلازما ، وجميعها بلازما طبيعية .
أما على الأرض فلا بد من تحضيرها اصطناعية في جهاز يسمى بلازموترون Plasmotron . ويتم في هذا الجهاز تحويل الغازات المختلفة مثل الهيليوم والهيدروجين والنتروجين والأوغون إلى بلازما بواسطة قوس كهربائي .
ويتم ضغط البلازما النفاثة الوهاجة في القناة الضيقة للبلازموترون ، وكذلك بمساعدة مجال مغناطيسي ، مما يؤدي إلى تكون حرارة تبلغ عشرات الآلاف من الدرجات السليزية .
وقد حلم الكيميائيون منذ قديم الزمان بمثل هذه الحرارة ، لما يمكن ان تلعبه في العديد من العمليات الكيميائية .
والآن .. تحقق الحلم وأصبح حقيقة رائعة .. وبدأ فرع جديد في الكيمياء هو كيمياء البلازما أو بصورة أدق كيمياء البلازما "الساخنة" والتي تصل حرارتها إلى مليون درجة سليزية .
والبلازما "الساخنة" هي التي يستخدمها الفيزيائيون في الاصطناع الحراري النووي .. وبتعبير آخر تحقيق التفاعل النووي المحكوم لتحويل الهيدروجين إلى هيليوم .
لكن الكيميائيين قانعون بالبلازما الباردة … التي توفر لهم حرارة تصل على عشرة آلاف درجة سليزية او يزيد . وفي البداية كان المتشائمون يعتقدون أن استخدام هذه البلازما في التفاعلات الكيميائية ما هو إلا مضيعة للوقت والجهد .
ذلك أنه عند مثل هذه الحرارة تتكسر المركبات والجزيئات الكيميائية وتتلف وتتحول إلى ذرات وأيونات متفرقة . لكن الحقيقة ليست كذلك ، وهي أكثر تعقيداً مما كان يظن في البداية .
فالبلازما ، وإن كانت تتلف المركبات وتكسرها ، إلا أنها تساعد على بناء مركبات جديدة أيضاً ، وبعض هذه المركبات الجديدة لا يمكن الحصول عليها بطرق أخرى .
وهناك العديد من المواد الجديدة الغريبة التي لم يسبق وصفها في المراجع الكيميائية مثل Al2O ، Ba2O3 ، SO، SiO ، CaCl وغيرها ، والتي يظهر للعناصر فيها تراكيب غير عادية .
وإذا كان هذا أمراً مثيراً … فإن كيمياء البلازما تقدم لنا المزيد ، إذ يمكن عن طريقها إنتاج مود معروفة بطرق رخيصة وسريعة ، مما يقدم خدمة كبيرة للصناعات الكيميائية .
ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك تحضير الأستيلين ، الذي يعتبر مادة أولية لإنتاج العديد من المركبات الكيميائية مثل اللدائن والمطاط والأصباغ والعقاقير . والطريقة القديمة لتحضير الأستيلين تعتمد على تكسير كبريد الكالسيوم بالماء ، وهي طريقة مكلفة وغير مريحة .
لكن الأمر يختلف تماماً حينما ننتقل إلى البلازموترون ، فالبلازما الناتجة من الهيدروجين تبلغ حرارتها 5000 درجة سليزية .
وتحمل البلازما المنطلقة طاقتها الهائلة إلى مفاعل يحتوي على الميثان ، ويخلط الميثان بقوة مع الهيدروجين ، وخلال جزء من عشرة آلاف من الثانية يتحول %75 من الميثان إلى أستيلين .
ومن أهم المجالات التي يمكن لكيمياء البلازما أن تقدم فيها الخدمات الجليلة ، هو مجال تثبيت النتروجين الجوي . وذلك أن إنتاج المركبات التي تحتوي على النتروجين مثل الأمونيا ما زال صعباً ومكلفاً .
فهل تقدم كيمياء البلازما الحل فتفتح بذلك المجال أمام زيادة إنتاج المركبات النتروجينية التي تستخدم كمخصبات زراعية ؟.
إن تحقيق هذا الأمر سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة في حل مشكلة الغذاء في عالمنا المعاصر .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]