متطلبات إزالة الأمراض أو استئصالها
2013 استئصال الأمراض في القرن الواحد والعشرين
والتر ر.دودل ستيفن ل.كوشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
قبل دراسة قيمة وتقييم إزالة أو استئصال الأمراض، من المهم أن نوفر النطاق الذي يتعلق بدورة حياة الأمراض ومتطلباتها لإزالة الأمراض أو استئصالها.
ففي نطاق وقعهم على صحة الإنسان في العالم نستطيع أن نصف الأمراض بأنها تحدث حسب المراحل التالية:
1- الظهور Emerging (الكشف الأولي لها / اندلاع مرض جديد).
2- انتشار الوباء Epidemic (اندلاعات لاحقة وانتشار إلى مناطق أخرى).
3- التوطن وعدم السيطرة Epidemic and not controllable (استمرار انتشار العامل المعدي في غياب استراتيجيات السيطرة).
4- توطن مع السيطرة Endmeic and controllable (استمرار انتشار العامل المعدي بوجود استراتيجيات السيطرة).
5- إزالتها Eliminated و
6- استئصالها Eradicated
وتمر البلدان بشكل دائم في هذه المراحل في أوقات مختلفة، مما قد يصعب التمييز بين هذه المراحل عالمياً.
رغم أن مناقشتنا تركز بالدرجة الأولى على الأمراض في مراحلها النهائية فإن جهود استئصال مرض يظهر حديثاً تعطينا فرصاً قيمة لمنعه من أن يصبح مستوطناً. فعلى سبيل المثل نجح موظفو الصحة العامة بالكشف عن ظهور متلازمة تنفسية حادة (SARS) وحجروا على المصابين رغم التأخر في الإعلام عن ظهور المرض في مقاطعة غران دونغ في الصين.
وحدثت إصابات سارس SARS في ثلاثين دولة حول العالم وأخذ هذا المرض يرسي سلاسل انتشار له في ستة دول (WHO 2003b). ونتيجة لأنشطة التنسيق عبر العالم لم يستطع مرض SARS المحافظة على سلاسل انتشاره واختفى. وقد أدى الاستثمار المكثف في وقف انتشاره إلى شل سلاسل انتشاره شلاً كاملاً.
وعلى كل حال فإن هذا لا يلبي تعريف استئصال الأمراض البشرية الراسخة (انظر Cochi and Dowdle في هذا الكتاب)، لأن SARS لم يصبح راسخاً وقد يتواجد مخزون غير بشري غير مؤكد منه مما قد يؤدي إلى إعادة ظهوره في لحظة أو مكان ما.
ومع ذلك نؤكد على أهمية تقييم القدرة على إيقاف ظهور مرض ما مثل SARS من أن يصبح راسخاً وبذلك يحتاج إلى الاستئصال.
في حالة سارس SARS عانت المناطق المصابة من خسارات اقتصادية بارزة (GAO 2004). ومن الملاحظ أنه لا توجد دراسات حالياً تحدد الأكلاف اللازمة والمنافع الناجمة، من قبل منظمة الصحة العالمية والمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض ومنعها (CDC)، وسلطات الصحة العامة الأخرى والأنظمة الصحية الأخرى التي استطاعت جهودها الجماعية من إيقاف سارس SARS قبل أن يصبح راسخاً أو مستوطناً.
وقد أعلن تحليل اقتصادي عن استخدام الحجر لإيقاف اندلاع المرض في تورنتو توفيراً في النفقات (Gupta et al. 2005). ونتوقع أن تظهر تحليلات نتائج مشابهة في بلدان أخرى، رغم المتطلبات من المساعدة الدولية لدعم الجهود في بعض البلدان التي قد تستدعي تحويل المصادر المالية والعلمية والصحية.
وفي جهودنا الأولية لتقدير الأكلاف والفوائد في إصابات ماضية لم نستطع أن نجد وثائقاً لهذه الأكلاف اللازمة من قبل المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض ومنعها CDC أو منظمة الصحة العالمية WHO التي حولت المصادر المالية على شكل مؤن ضرورية للسيطرة على العدوى وللصرف على فرق الاختصاصيين.
واستناداً إلى الأكلاف اللازمة في المناطق المصابة وخطر تحولها إلى استيطان مرضي في أقطار عديدة (أي الانتشار الواسع لمرض ظاهر في أجزاء كبيرة من العالم). فإننا نطرح فكرة أن التحليل الاقتصادي للجهود المطبقة في استئصال سارس SARS سوف تبين على الأغلب أن الجهود كانت تمثل توظيفاً في الكلفة وإنقاذ الحياة. فعلى سبيل المثل فإن امتداد الوقع على الاقتصاد الذي عانته تورونتو إلى مناطق مدن أميركية رئيسية يعطينا مؤشراً بأن منع ظهور سارس SARS في الولايات المتحدة قد أدى إلى توفيرات مالية بارزة.
وقد جاءت مساهمات المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض ومنعها CDC في الجهود إلى حد كبير من إعادة توزيع المصادر المالية القائمة، رغم أن التوزيع الحقيقي للمصادر المالية يتضمن فرص حقيقية للأكلاف المرتبطة باستخدام المصادر المالية لـسارس SARS عوضاً عن أهدافها الأصلية. وبهذا الصدد نحن نقترح أن هناك حاجة للتأكد من وجود مصادر مالية عالمية كافية لاستئصال أية أمراض تظهر في المستقبل وبصورة سريعة قبل أن تصبح مستوطنة.
وعلينا أن نتوقع ظهور أمراض قد تحدث في المستقبل، ونستحسن أهمية الاستعداد في قدرتنا على السيطرة والإزالة والاستئصال لأية أمراض قد تظهر. كما أننا نؤكد أيضاً بهذا الصدد على أن يكون نطاق الاستجابة لظهور مرض ما بشكل أسرع عموماً (Thompson et al. 2006).
وهكذا فإن على السلطات الصحية في العالم أن تسعى لإيجاد الحوافز الصحيحة لتسارع إلى الكشف المبكر والإعلام والتنسيق والعمل بما يتعلق بإدارة الأمراض الطارئة.
بما أن معظم الأمراض الهامة التي تصيب البشر قد ظهرت منذ زمن بعيد (Shulman 2004)، فإنها تقع ضمن مراحلها المتوسطة (أي معدية، مستوطنة، مزالة) والتي هي موضع تركيزنا في هذا الكتاب (انظر Cochi and Dowdle في هذا الكتاب).
ومع أن كثيراً من الدول المتقدمة قد نجحت في إيقاف انتشار بعض الأمراض، إلا أن نفس الأمراض ما زالت مستوطنة في بلدان أخرى. وتتطلب الأنواع المختلفة من العوامل المعدية أنواعاً مختلفة من التدخلات، مع ملاحظة أن بعض أنواع التدخلات تتواجد فقط لمجموعة متفرعة من العوامل المعدية (أي أن اللقاحات أو المعالجة الطبية تتواجد حالياً فقط لبعض الأمراض وليست لأخرى).
وقد أدى تطوير واستعمال المضادات الحيوية والترياق والتداوي بمضادات الفيروسات على نطاق واسع إلى مكافحة العدوى بشكل كبير وقلل من نتائجها الضارة على الصحة، ولكنه أوجد أيضاً حالات تؤدي إلى وجود عضويات مقاومة، مما أوجد مشاكل جديدة.
يمثل تطوير اللقاحات إحدى أهم الوسائل لمنع كثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية التي يُقضى عليها باللقاح. ومع أن إدخال العدوى قصداً إلى أجسام البشر لحمايتهم من المرض بدأ منذ قرون طويلة على شكل تحذير فإن مفهوم التلقيح يستمد من تطوير استعمال اللقاح المصنوع من جدري البقر لحماية الناس من الجدري (Jenner 1801، Fenner et al. 1988).
وكانت نبوءة إدوارد جينر (Edward Jenner) في 1801 بأن "القضاء على الجدري – وهو أخطر الأمراض على الجنس البشري – ستكون النتيجة النهائية لهذا [المرض]هو التلقيح" (Jenner 1801:8) إلا أنها لم تصبح حقيقة إلا بعد 180 سنة تقريباً عندما تأكد استئصال الجدري في العالم في 1979 (Fenner et al. 1988)
وفي 1988 التزمت جمعية الصحة العالمية "لإزالة انتشار التهاب سنجابية الدماغ الفطري البري" (World Health Assembly 1988) الذي أدى إلى إطلاق مبادرة استئصال شلل الأطفال في العالم Global Polio Eradication Initiative (GPEI).
وبعد تطوير وإدخال اللقاحات المضادة لفيروس شلل الأطفال في أواسط الخمسينات من القرن العشرين وبداية الستينات فإن الدول زادت من استعمالها في جهودها لمكافحة الأمراض. وقد سجلت تشيكوسلوفاكيا وكوبا انتهاء انتشار فيروس شلل الأطفال البري الفطري في سنة 1960 و 1962 على التوالي (Slonim et al. 1995، Màs Lago 1999).
وتراجع عبء مرض شلل الأطفال في الولايات المتحدة سريعاً في الستينات والسبعينات من القرن العشرين ونجحت الولايات المتحدة في وقف الانتشار الفطري لكل هذه الأنواع الثلاثة من فيروس شلل الأطفال البري في 1979 (Thompson and Duintjer Tebbens 2006؛ Alexander et al. 2004).
وفي 1985 اتخذت منظمة الصحة في عموم أميركا (PAHO) قراراً بوقف انتشار فيروس شلل الأطفال البري الفطري في الأميركيتين مع دخول 1990، الذي حققته في 1991 (Tambini et al. 2006). وقد حققت مبادرة استئصال شلل الأطفال GPEI استئصال النوع /2/ من فيروس شلل الأطفال البري بمدة قصيرة قبل عام 2000 (WHO 2001c) رغم أن مبادرة الاستئصال الإجمالية تسعى إلى استئصال الأنواع الثلاثة من فيروسات شلل الأطفال البرية ( أعني استئصال شلل الأطفال).
يتطلب تقييم إمكانية الإزالة أو الاستئصال النظر في الكثير من العوامل. فالدول أو المناطق في العالم تحتاج إلى امتلاك الوسائل اللازمة للكشف عن المرض استناداً إلى تصنيف محدد وأعراض مرضية ممكن تعيينها و / أو فحوص مخبرية والوسائل اللازمة في موقف انتشار المرض.
فبالنسبة للأمراض التي تنتشر من شخص إلى شخص (أي، بدون ناقل أو أي مخزون بيئي آخر) فإن هذا قد يعني عزل الأفراد المصابين (أو المحتمل إصابتهم) كما هو الحال في سارس SARS. أما الأمراض التي تشتمل على النواقل أو الوسط البيئي فقد تتطلب أنشطة في السيطرة أو وقف الانتشار من هذه المصادر.
وهذا ما يحصل الآن في حالة العدوى من طفيليات التنينة (دودة غيني، التي تتطلب عزل البشر الذين يحملون الدودة من المصادر المائية، أما بالنسبة للأمراض التي يمكن منعها بالتلقيح فإن وقف انتشارها يحصل عندما يحقق السكان مستوى عالٍ من المناعة يكفي لذلك، (أقصد المناعة الجماعية للسكان)، التي توقف انتشار العدوى.
أما إمكانية وقف الانتشار فتتوقف على قدرة اللقاح في إعطاء حماية جزئية على الأقل من العدوى، والوصول إلى الكميات الكافية من اللقاح المطلوبة وجهاز توصيل لقاح فعال، وعدم وجود مخزونات غير بشرية والحفاظ على مستويات من المناعة عند السكان ضد انتشار العدوى بما يكفي لوقف الانتشار عند كامل أفراد البلد أو الاقليم.
في حين أن الأمراض التي نستطيع أن نتمكن من إيقافها باستخدامنا تدخلات مثل غير التلقيح، بما فيها المنتجات الصيدلانية فإن إمكانية النجاح تتوقف على الكميات الكافية من التدخلات والاستخدام الفعال في جميع أنحاء البلد أو الاقليم. وبشكل عام فإن النجاح يتوقف على عمل النظام الصحي أو البرنامج الهادف الذي يستطيع التنسيق وإدارة المصادر المالية الوطنية والاقليمية والاستمرار في المراقبة الواعية للأمراض وكذلك أية جهود لازمة لتجنب استقدامها. أما متابعة النجاح فتتطلب منع أية عدوى مستجلبة من إنشاء سلسلة جديدة لها في الانتشار بالتجاوب سريعاً وبشكل فعال حال حصولها.
تشتمل متطلبات الاستئصال العالمي على القدرة على استئصال المرض من كل الدول في آن واحد والتزام عالمي بتنسيق الجهود، وستتطلب مبادرات الاستئصال عموماً إقامة جهاز مراقبة أمراض عالمي والحفاظ عليه مما يستوجب استثمار مصادر أموال كبيرة، كما قد يتطلب مشاركة وانتقال تلك التكنولوجيات والمصادر الأخرى في العالم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]