محاولات الدكتور “مينو” لاكتشاف جديد حول مرض الأنيميا الخبيث

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

الدكتور مينو مرض الأنيميا الخبيث الطب

لم يكن عالمنا في الواقع هو مبدع هذا التساؤل، أو الفرض، ولكنه كان محل اهتمامه على أية حال، وراح مينو يجرب واضعاً ما افترضه موضع الاختبار.

فكان لا يني عن وخز أذرع المرضى بالأنيميا الخبيثة لاستخراج دم من عروقهم وفحص محتوياته مجهرياً فيرى الكريات الحمر أقراصاً صغيرة على شريحته، ولاحظ وفحص وتحرى واستقصى ووضع احتمالات…

ولكن بعض الخبثاء في بوسطن سخروا من ذلك الطبيب الذي يدقق في دراسة مرض فرغ الطب من تقدير أعراضه.

وهنا ظهر رايت عالم بارع نافذ البصر والبصيرة في الأمراض المختلفة، ولكن كان به عيب كبير وهو قلة الصبر والغضب السريع لأتفه الأسباب، واتصل به مينو وجنى من وراء ذلك خيراً.

فلقد فاز رغم ألفاظ اللعن والسباب التي يتلقاها منه، بملاحظاتٍ جديرةٍ بالاعتبار، فاز منه بقوله إن الكريات التي تظهر عندما تتحسن حالة المصاب بالأنيميا الخبيثة ثم تزول بزوال التحسن- إنما هي كريات حديثة وأن نخاع العظام حافل بهذه الكريات، ولكن لسببٍ ما لا تستطيع أن تنمو وتصبح كريات حمر تامة النمو، فلما سأله مينو لماذا لا يستطيع النخاع أن يفعل ذلك؟ أجابه رايت: لماذا؟ ليتنا نعلم لماذا!. هل كان مينو حقاً مخطئاً؟.

لم يقنط مينو ومضى في محاورته لرايت الذي كان يرد عليه حانقاً، ولكن في رده كلمات كانت بمثابة شذور الذهب بالنسبة لمينو، وخاصة عندما قال: إن نخاع العظام الذي لا يستطيع أن يولد كريات حمر تامة النمو يكون أشبه بنمو سرطاني أو خبيث، تأصل هذا القول في فكر مينو: الأنيميا الخبيثة إن هي إلا نمو خبيث في نخاع العظام.

كان مينو طبيباً ودوداً، اشتهر بصداقته لمرضاه وبدقته فيما يصفه لهم من أساليب الغذاء ووسائل العلاج.

كان قوي الذاكرة يعي ما يبوح به مرضاه عن أفراحهم وأتراحهم، فيشاركهم فيها جميعاً ولا ينسى أن يسألهم عنها عندما يلقاهم. ولو أنه مضى في سبيل ممارسته الطب فحسب لصار من أغنى أطباء بوسطن. ولكنه حال فراغه ما يلبث أن يعود إلى بحثه القديم في الأنيميا الخبيثة.

وكان المصابون بها يجيئون متوسلين، بيد أنه لم يستطع – ولا غيره – أن يفعل لهم شيئا إذ كان الموت نهايتهم جميعاً.

ألم يخطئ مينو إذن يوم رفض أن يسلم بما أشار إليه أبقراط العصر الحديث السير أوسلر، من أن بعض الأمراض مستعصٍ لا يرجى برؤه؟