محاولات العلماء المتعددة لقياس سرعة الضوء ومبدأ “مايكلسون” في قياسها
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
محاولات العلماء المتعددة لقياس سرعة الضوء مبدا مايكلسون لقياس سرعة الضوء الفيزياء
تخرَّج البرت في الأكاديمية البحرية في عام 1873 ، وبعد أن خدم عامين عُيِّن ضابطاً بحرياً في أسطول الولايات المتحدة ، ثم استُدعي إلى الأكاديمية البحرية ليدرس علمي الفيزيقا والكيمياء. وفي الأكاديمية فتنه هاجسٌ ملحٌ : كيف يمكن قياس سرعة الضوء؟ وظل هذا الافتتان يلازمه ويلاحقه !.
هيّأ معداته اللازمة بنحو عشرة دولارات، باستعماله التطبيق الفني لمرآة فوكو (شكل رقم 185) الدوّارة وبعض العدسات المتوافرة في معمل الفيزيقا .
وقد تمكن، بهذه الأشياء البسيطة، من قياس سرعة الضوء في مسافة خمسمائة قدم بدقة بالغة . ونشر أول بحوثه بعنوان "في قياس سرعة الضوء" بالجريدة الأمريكية للعلوم في عام 1878.
والحق أن محاولات العلماء قياس سرعة الضوء عبر السنين كانت متوالية. عندما فكر الفيزيقيون في قياس سرعة الضوء ظهر في البدء خلاف: البعض يعتقد أن سرعة الضوء لا نهائية ومن ثم لا يمكن قياسها مثل ديكارت Descartes (1596-1650) ، بينما كان البعض الآخر مثل جاليليو يعتقد أنها سرعة محدودة القيمة ومن ثم يمكن قياسها.
وقد حاول جاليليو قياس سرعة الضوء بتجربة بسيطة. أوقف أحد مساعديه على قمة جبل يبعد عنه بنحو 4,5 من الكيلومترات وجعله يحمل مصباحاً مغطىً وحمل هو الآخر مصباحاً له غطاء. ولكن هذه الطريقة لم تصلح لقياس سرعة الضوء.
إذ كان جاليليو يرفع غطاء مصباحه في اللحظة نفسها التي يرى فيها ضوء المصباح الذي يحمله مساعده ، وذلك لأن سرعة الضوء كانت أكبر بكثير من سرعة رد الفعل عنده أو عند مساعده، لذا اختلفت سرعة الضوء المقاسة بهذه الكيفية من تجربة إلى أخرى.
وإذا افترضنا أن السرعة التي يرفع بها غطاء المصباح الثاني عند رؤية ضوء المصباح الأول تصل إلى نحو ثانية واحدة ، فإن هذا الزمن جد القصير كان كافياً لأن يدور شعاع الضوء حول الأرض عدة مرات!.
وقد استُخدم فيما بعد التلسكوب الذي ابتكره جاليليو في قياس سرعة الضوء بطريقة فلكية تُعرف بـ "طريقة رومر" Romer Method ، وهي الطريقة التي استخدمها العالم الدانماركي رومر عام 1675.
وتتلخص هذه الطريقة ( شكل رقم 186) في رصد أقمار المشتري من موضعين متقابلين للأرض في مدارها حول الشمس .
وقد تبيَّن أن وقت خسوف قمر المشتري وراء كوكب المشتري يزداد كلما تحرَّكت الأرض من (أ) إلى (ب) ، حتى إذا وصلت الأرض إلى الموضع (ب)، كان الفرق في وقت الخسوف نحو 1000 ثانية عن وقت الخسوف المقاس من الأرض وهي في الموضع (أ) . وقد اعتبر رومر أن هذا الزمن (1000 ثانية) هو الزمن الذي يستغرقه الضوء في قطع المسافة من (أ) إلى (ب).
وعند حساب سرعة الضوء من هذه التجربة جاءت أقل قليلا من قيمتها الحقيقية، لأن قطر مدار الأرض حول الشمس كان يقدَّر بنحو 172 مليون ميل، أما إذا حسبنا سرعة الضوء على أساس القيمة الصحيحة لقطر مدار الأرض وهي 186 مليون ميل، لتوصلنا إلى السرعة الحقيقية للضوء وهي 186000 ميل في الثانية أي نحو 300000 كيلو متر في الثانية .
وبعد ذلك قام علماءٌ آخرون بتجارب عديدة في محاولاتهم قياس الضوء ، منهم العالم البريطاني جيمس برادلي James Bradly عام 1728، الذي قام برصد نجم بعيد عن موقعين للأرض في مدارها حول الشمس .
ومنهم كذلك العالم الفرنسي فيزو الذي أكمل النقص في تجربة جاليليو السابقة، حيث استخدم عجلة مسنَنَّة ورصد من خلال أسنانها ضوء مصباح منعكس من مرآة على بعد خمسة أميال منه .
وتوصِّل من هذه التجربة عام 1849 إلى أن سرعة الضوء هي 194,600 ميل في الثانية ، وهي تزيد على السرعة الحقيقية للضوء بنحو 5% تقريباً.
وأخيراً، وفي عام 1926، جاء عالمنا مايكلسون ليجري أشهر تجاربه لقياس سرعة الضوء. وكانت قياساته مبنية على مبدأ مرآة فوكو الدوَّارة ، ويمكننا شرح هذا المبدأ فيما يلي : (أنظر شكل رقم 187).
تُصنع عجلة ذات اثني عشر ضلعاً متساوياً يقام على كل ضلع منها مرآة . ثم تُدار العجلة بسرعة معيَّنة ولتكن 350 دورة في الثانية، فتكون كل مرآة قد انتقلت من مكانها إلى مكان المرآة الأخرى في جزء من 4200 جزء من الثانية .
ثم توضع هذه العجلة فوق جبل وتنصب على جبل آخر مقابل له مرآة عاكسة . ولنقل أن البعد بين الجبلين 22 ميلاً وهو يقاس بطرق دقيقة يعملها مهندسو المساحة. فعندما يبعث بشعاع ضوئي من الجبل الأول في اتجاه الثاني الذي عليه المرآة العاكسة، وتكون العجلة دائرة بسرعتها المعلومة، فإن شعاع الضوء يذهب إلى الجبل الثاني فيقع على المرآة الثانية فوقه ومن ثم ينعكس عن سطحها ثانيةً إلى المرآة الدّائرة فوق الجبل الأول فيصيب المرآة رقم (2) فيها .
ويكون شعاع الضوء قط قطع المسافة بين الجبلين ذهاباً وإياباً في الوقت الذي استغرقه انتقال المرآة رقم (1) من مكانها وحلول المرآة رقم (2) محلها أي في جزء من 4200 جزء من الثانية. والنتيجة الحاصلة من ضرب 44 ميلاً × 4200= 183800 ميل ، هي سرعة الضوء.
هذه هي الطريقة، وجوهرها ضبط قياس المسافة بين المرآة الدائرة والمرآة الثانية على الجبل المقابل وضبط سرعة المرآة الدائرة.
وقد بلغت سرعة الضوء مقيسةً بهذه الطريقة 186,359 ميلاً في الثانية وهي تقترب تماماً من القيمة المعترف بها اليوم . (أنظر شكل رقم 188) .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]