العلوم الإنسانية والإجتماعية

مصادر “الحِكم” ومدى أهميتها في حياة الإنسان

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مصادر الحِكم أهمية الحِكم العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

الحِكمُ جمعُ حِكمةٍ، وهي تَعني – لُغويا – التعلمَ والتفقهَ (مع العملِ بما تعلمُ) وكلُّ كلامٍ وافق الحقَّ فهو حِكمةٌ، ولهذا يقولُ النبيُّ محمدُ، صلى الله عليه وسلم، «الحِكمةُ ضالَّةُ المُؤمنِ».

أما في المصطلح الأدبي، فالحكمةُ : "قولٌ بليغٌ مأثورٌ، يعبرُ عن تجربةٍ أو خبرةٍ إنسانيةٍ في عبارةٍ موجزةٍ أو جُملةٍ قصيرةٍ، مكتفيةٍ بِذاتِها ".

ومن هُنا تأتي صِلَتُها الوثيقةُ بالأمثالِ، بل إنَ بعضَ الحِكَمٍ – حينَ يُقَّدَرُ لها الذيوعُ والانتشارُ – تُصبِحُ مثلاً سائراً.

 

ولما كانت الحكم المأثورة هي عصارة الفكر الإنسانيّ التي يستخلصُها الحُكماءُ من تجاربِهم الواقعيةِ أو رؤيَتِهم التأمليةِ أو نظريتِهم الفلسفيةِ في الحياةِ.

فإنَّ قائلَها عادة يكونُ من الأنبياءِ والرُّسُلِ والحُكماءِ والفلاسفةِ والمُفكرِين والأدباء والشعراءِ وأمثالِهم منْ ذوي الفكْرِ الثّاقبِ والنظرةِ الشُّموليةِ والقدرة  على التجريدِ وبلاغةِ التعبير.

وتتجلى أهميةُ الحِكم في حياةِ الأمم والأفرادِ إذا عرفنا أنّ حِكَمِ الشُعوب لا تَقِفُ عندَ رَصدِ التجربةِ الإنسانية للحياةِ فحسب، بل أيضا في نقلِ هذهِ التجربةِ بينَ الأجيالِ، وتوجيهِ أنماطِ السلوك القويم بينَهُم.

 

كما أنَّها تُسهِمُ في تحديدِ القِيَم الأيجابيةِ البنّاءةِ، (كالقيمِ الدينية والتربويةٍ والأخلاقيةِ والجماليةِ..إلخ) التي يؤمنُ بها المجتمعُ، وتدعو إلى التمسكِ بالمُثُلِ العُليا، (كالخيرِ والجمال) التي ينبعي أن تذيعَ بينَ أفرادِ الشعبِ.

وتنتشرُ بينَ أبنائهِ. ولذلك يحرصُ المربون على تلقينِ النَّشء هذه الحكم، للتحلي بمكارمِ الاخلاق والتمسكِ بالمُثُل العُليا.

وقدعني عُلماء الأمثال العرب قديماً بجمع الحكمِ والأمثال في كُتبٍ قائمةٍ بذاتِها، أشهرُها كتابُ "مجمعُ الامثال" للميداني (توفي عام 1124م).

 

ومنْ أشهرِ الحُكماء قبلَ الإسلامِ لُقمانُ الحكيم قال تعالى(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) لقمان 12.

وكذلك أكثم بن صيفي، حكيمُ العربِ المشهروِ في الجاهلية، وَمنْ أشهرِ حِكَمِهِ" إنَّكَ لا تجني من الشوك العِنبَ".

أما بعدَ الإسلامِ فأكثرُ الذينَ اشتهروا بقولِ الحِكم، بعد النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، هو الإمامُ عليَّ كرَّمَ الله وجهَهُ.

 

ومِنْ حِكَمِهِ المشهورة: "إثنان لا يشبعان، طالبُ علْمٍ وطالبُ مالٍ". والحكمُ تصاغُ في معظمها نثراً، على نحو ما نرى في الأمثلة التالية:

– رأسُ الحكمةِ مخافةُ اللهِ.

– يَدُ اللهِ معَ الجماعةِ.

– العَدْلُ أساسُ المُلكِ.

– القناعةُ  كنزٌ لا يَفْنى.

– خيرُ الأمورِ الوَسَط.     

 

وتتعددُّ مصادرُ الحِكمةِ وروافدُها في التُراثِ العربيَّ، فهناك الحِكمُ القرآنيةُ الخالدةُ، من مثل قولِهِ تعالى: 

قال تعالى(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه 114.

قال تعالى(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران 103، وقال تعالى(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ) المائدة 2.

 

وهُناك الحكمُ النبوية التي وردت على لسان الرسول، صلى الله عليه وسلّم، ومنها على سبيل المثالِ

«الساكتُ عن الحقَّ شيطانٌ أخرسٌ» و«لا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرَّتيْن». و«إنَّ اللهَ يُحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكُم عَملاً أن يُتْقِنَهُ».

وهناك الحِكم الشعرية التي يُبدعُها الشعراءُ في قصائدهم، فيحفظُها الناسُ، وتجري على ألسِنتهم جيلاً بعدَ جيلٍ..

 

ومنَ المعروفِ أنَّ شِعرَ الحكمةِ يُمثِّلُ غرضاً أوموضوعاً شعرياً أثيراً لدى الشعراء العرب قديماً وحديثاً على السواء.

ومِنْ أشهر شُعراءِ الحكمة في العصر الجاهليَّ زهيرُ بن أبي سُلمى (تُوفي عام 627م)، ومن حِكَمِهِ:

ومنْ يكُ ذا فضلٍ فيبخلُ بِفَضلِهِ                  

                                          على قومِهِ يُستَغنَ عنُ ويُذْمَمِ

ومهما يكنُ عند امرئ من خليقةٍ                

                                         وإنْ خالَها تخفى على الناسٍ تُعلمِ

 

وتتردّد الحكمُ الشعريةُ على ألسنة الشعراءِ العربِ طيلة العصور الإسلامية. ويشتهرُ كثيرُ من الشعراء بقولِ الحكمة.

ولعلَّ أكثرَهُم شهرةً هو المتنبي (تُوفي عام 965م) ومن حكمِهِ الخالدةِ:

على قدّرِ أهلِ العزمٍ تأتي العزائمُ        

                                       وتأتي على قدرِ الكرامُ المكارمُ

من يَهُن يسهُلُ الهوانُ عليهٍ   

                                         ما لِجُرحِ بميَّتٍ إيلامُ

ذو العقلِ يشقى في النّعيم بعقله      

                                      وأخو الجهالة في الشقاوةِ ينعمُ

ما كلُ ما يتمنّى المرء يدركُهُ    

                                     تجري الرياحُ بما لا تشتهي السّفن

 

ومن أشهرِ شعراءِ الحكمة في العصر الحديثِ، أميرُ الشعراء أحمد شوقي (توفي عام 1932م)، ومن حكمِه الخالدة :

وإنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بَقيتْ   

                                             فإنْ ذَهَبتْ أخلاقُهُم ذهبوا

صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعهُ    

                                            فقوَّم النفسَ بالأخلاقِ تَستَقِمُ

قفْ دونَ رأيكَ في الحياةِ مُجاهداً       

                                             إنَّ الحياةَ عقيدةٌ وجِهادُ

وَطني لوْ شُغِلتُ بالخُلدِ عنْهُ  

                                            نازعَتْني إليه في الخُلدِ نفسي

 

وثمةُ حكمُ شعرية نسيَ الناسُ قائلَها، ولكنَّها ظَلَّت تترددُّ على ألسِنَتِهم عبرَ العُصورِ، مثلُ قولِ القائل:

العلمُ يرفعُ بيتاً لا عمادَ له                  

                                       والجهلُ يهدمُ بيتَ العزَّ والشَّرفِ

وصدقَ رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلّم، إذْ يقول: «إنَّ منَ الشَّعْرِ لحِكْمةُ»

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى