علم الفلك

مقاريب على قمم الجبال

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

مقاريب على قمم الجبال

المنظاران التاليان على قائمتنا كلاهما من صناعة أمريكية، أولهما المقراب العاكس هوكر (Hooker) البالغ قطره 2.5 متر (100 بوصة) (استُكمل عام 1917) في جبل ويلسون والثاني هو العاكس هيل (Hale) البالغ قطره 5 متر (200 بوصة) في جبل بالومار عام 1948. ولم يكن كل منظار منهما أكبر منظار في العالم وحسب ولكنه كان أيضا مُنفردا بنوعه، ووُضع كلاهما على ارتفاع عال بعيدا جدا عن تأثير أكثر الطبقات كثافة في الغلاف الجوي للأرض.

كان المهندس الرئيسي للمقاريب العاكسة في كاليفورنيا هو جورج إليري هيل (George Ellery Hale)، العالم الفلكي الأمريكي الذي اكتسب سمعة عظيمة بسبب دراسته للشمس. فهو لم يكن يخطط المناظير الكبيرة فقط ، ولكنه كان أيضا يتمتع بموهبة إقناع المليونيرات الودودين بتمويل بنائها- الأمر الذي لم تقل صعوبته منذ قرن عما هي عليه اليوم. والعقل المدبر للمنظار الكاسر ييركس(Yerkes) البالغ قطره 101 سنتيمتر (40 بوصة) هو هيل، ولكنه أدرك أن المستقبل الحقيقي يكمن في المقاريب العاكسة، وذلك لأن صنع عدسة ضخمة أصعب بكثير من صنع مرآة ضخمة إذ يجب دعمها من حول أطرافها، ولو زاد حجمها لدرجة أنها أصبحت ثقيلة جدا لانحَنَت من تأثير وزنها عليها مما يجعلها عديمة الفائدة. ولذلك قام هيل بتغيير مخططاته، وأحضر أول مليونير وهو جون د. هوكر (John D. Hooker) لتمويل مقراب عاكس قطره 125 سنتيمتر (50 بوصة) ونصبه عام 1907 على جبل ويلسون. عَمِل المقراب بشكل جيد، ولكن هيل لم يكن راضيا عنه، وبعد مرور عشر سنوات أصبح هوكر جاهزا للاستعمال وأظهر مباشرة أن قدرته على تجميع الضوء تفوق كل المناظير السابقة.

كان إدوين هابل أبرز الفلكيين الشباب الواعدين في أمريكا، إذ كان يستخدم منظار هوكر وتناول مشكلة الحلزونات: هل هي مجرات مستقلة، أم هي مجرد من معالم مجرتنا درب التبانة؟ لم يكن هناك سوى طريقة واحدة للعثور على الإجابة. تستمر معظم النجوم في التألق عاما تلو عام، وقرنا تلو قرن، والبعض منها لا يفعل ذلك ولكنها تسطع ثم تبهت عبر فترات قصيرة، من ضمنها القيفاويات (التي سميت على النجم النموذجي دلتا قيفاوس في أقصى شمال السماء) والتي تتراوح دوراتها من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع وهي منتظمة كدقات الساعة. كان من المعروف حينها أن دورة التغير مرتبطة بالتألق الحقيقي للنجم، وأنه كلما طالت المدة كلما زادت قوة النجم، فلو قمت بقياس مدة الدورة لعرفت مباشرة قدر تألق النجم مما يزودنا بدليل على مسافته.

تَعرَّف هابل على قيفاويات موجودة في بعض الحلزونات عبر مقراب هوكر، ومن ضمنها M31 في المرأة المسلسلة. وقد وُجد أنها قوية جدا لدرجة تَدُل على أنها تقع على مسافات بعيدة جدا بالتأكيد، بعيدا خارج مجموعة درب التبانة، واتضح أن مجرتنا هي واحدة من عدة مجرات. قَدَّر هابل مسافة مجرة المرأة المسلسلة بأنها 750,000 سنة ضوئية وأن معظم المجرات الأخرى أبعد بكثير. كان مقراب هوكر هو الوحيد الذي بإمكانه إظهار القيفاويات التي تقع خارج درب التبانة. ومضى هابل قدما مع مساعده ميلتون هيوماسون (Milton Humason) ليُبين أنه بعيدا عن المجرات الموجودة في مجموعتنا المحلية، فإن جميع المجرات الأخرى تتراجع بعيدا عنا- وكلما ابتعدت عنا كلما كان تراجعها أسرع: وهذا يعني أن الكون بأكمله يتمدد.

كان نداء هابل المتكرر من أجل ’ضوء أكثر!’ وكان آخر مشروع له هو التخطيط لمقراب عاكس قطره 5 متر (200 بوصة) مما سيدفع بأفق المشاهدة إلى الأبعد. ولكنه للأسف لم يعش ليتمكن من رؤية المقراب بعد إكماله في عام 1948، ولو كان قد رآه لافتخر بالنتيجة. ظل المنظار البالغ قطره 5 متر الذي سمي على شرف هال رائدا لعدة عقود. من ضمن الاكتشافات الأولية باستخدام هذا المقراب، من قِبل الفلكي الألماني والتر باد (Walter Baade)، أن القيفاويات المتغيرة المستخدمة ’كشموع قياسية’ يبلغ تألقها ضعفي ما كان يُعتقد أولا، مما يعني أنه لا بد من مضاعفة مسافاتها وأن الكون المنظور هو أكبر بضعفين مما توقعه هابل.

بحلول منتصف القرن العشرين، تمكنت المناظير مثل عاكسي جبل ويلسون و بالومار من تصوير أجسام تقع على بعد آلاف الملايين من السنوات الضوئية، ومع هذا، كانت محدودة فيما يتعلق بنقطة واحدة مهمة- وهذا ينقلنا إلى ما يمكننا تسميته ’فلك الأجسام غير المرئية’.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى