علوم الأرض والجيولوجيا

نبذة تعريفية عن أصل “النفط” ومراحل توّلده

1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الخامس

ترجمة أ.د عبد الله الغنيم واخرون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

النفط أصل النفط مراحل تولد النفط علوم الأرض والجيولوجيا

النفط خليط معقد من الهيدروكربونات (الهيدروجين والكربون) يحتوي على كميات قليلة من مركبات الأكسجين والنيتروجين والكبريت وكذلك مقادير ضئيلة من الأملاح المعدنية.

وكلمة «نفط» كلمة عربية وردت في أشعار العرب، تعني الزيت المعدني الطبيعي، وهي مرادفة لكلمة «البترول» والنفط واسع الانتشار في القشرة الأرضية حيث يوجد في صورة غازية أو سائلة أو كمواد صلبة.

والنفط السائل في درجات الحرارة العادية يعرف بالزيت الخام، وهو يتمتع بملمس ومظهر زيتي ولا يمتزج بالماء بل يطفو عليه ولكنه يذوب في المذيبات العضوية.

 

تحظى معرفة كيفية تكون الزيت الخام في الطبيعة بأهمية كبيرة في البحث عنه، إذ أنه من الطبيعي أن يبحث الجيولوجي عن النفط بالطريقة وفي المكان الذي يتناسب مع تصوراته عن نشأة النفط. وقد تعددت النظريات عن أصل النفط من الأصل اللاعضوي إلى الأصل العضوي.

وتتمتع نظريات المنشأ اللاعضوي للنفط حالياً بأهمية تاريخية فقط، حيث إنه في الآنة الأخيرة تجمعت أدلة كثيرة تشير إلى الأصل العضوي للنفط، بحيث أصبح يعتقد في صحتها الغالبية العظمى من المهتمين بصناعة النفط على وجه العموم.

 

وهناك عدد من نظريات الأصل اللاعضوي للنفط ومنها «النظرية الكربيدية»، و «نظرية الأصل الكوني»  و «الأصل البركاني» وغيرها.

وعلى العموم فإنه في الوقت الحالي يعتقد أغلب الجيولوجيين أن تجمع النفط يحدث على ثلاث مراحل: تولد الزيت، ثم الهجرة الأولية (حركة الزيت من صخر المصدر إلى صخر الخزان)، وأخيراً الهجرة الثانوية (إعادة توزيع الزيت في صخر الخزان ليكون بركة نفط).

 

وعلى أساس أفضل البيانات المتاحة حالياً فإنه من الممكن وصف هذه المراحل كما يلي:

أولاً – تولد الزيت:

وطبقاً لنظرية الأصل العضوي للنفط يتولد الزيت في الأحواض الترسيبية، وهذه الأحواض عبارة عن منخفضات قارية ضحلة غطتها مياه البحر بصورة متقطعة، أو هي أحواض بعيدة عن الشاطئ على الأرفف القارية، تبلغ مساحتها مئات الكيلومترات المربعة، وتحتوي على رسوبيات من ثلاثة أنواع:

1– حبيبات صخرية تتراوح في حجمها من الرمال إلى وحل الطين (clay muds)، تم نحتها من التلال والجبال وتم حملها ونقلها إلى الأحواض عن طريق مجاري المياه (Streams).

2- رواسب بيوكيميائية وكيميائية مثل الحجر الجيري والجبس والانهيدريت والظرآن.

3- مواد عضوية من النباتات والحيوانات البحرية أو التي حملت إليه بواسطة الأنهار. وبعض هذه الأنواع من الرسوبيات يترسب حالياً في أحواض ترسيبية مثل الخليج العربي وخليج المكسيك.

 

والنوع الأخير من الرسوبيات – المواد العضوية – هو مصدر النفط. ومن الدلائل على ذلك أن النفط يحتوي على كميات قليلة من مواد عديدة يمكن أن تأتي فقط من الكائنات الحية.

من أمثلتها البورفيرينات المنتسبة إلى مادتي الهيمين (hemin) والكلوروفيل والمركبات النشطة ضوئياً (المركبات التي تدير مستوى شعاع الضوء المستقطب)، والمركبات المتعلقة بالفيتول والكوليستيرول والكاروتين والتربينيويدات، إلى جانب عديد من النواتج المختلفة للنبات.

ويعتقد حالياً أن الزيت قد تولد من المادة العضوية بطريقتين , الأولى : تأتي بكمية صغيرة مباشرة من الهيدروكربونات التي تنتجها الكائنات الحية البحرية كجزء من خلاياها الحية , وتبلغ نسبتها أقل من 10%.

 

ويستدل على ذلك بوجود بعض الهيدروكربونات المعقدة في النفط ، والتي يمكن مضاهاتها بتلك التي توجد في (الهائمات الحديثة ) والكيلب (Kelp ) والكائنات الحية الأرقى بما في ذلك الأسماك .

فعندما تموت مثل هذه الكائنات الحية في مياه حوض الترسيب تنتقل بقاياها إلى المواد التي تتجمع في الحوض الترسيبي ويكون محتواها من المواد الهيدروكربونية منخفضاً (0.005- 0.1% بالوزن) ، كما أن جزءًا منها يتحطم بالبكتيريا المؤكسدة أو عن طريق إ عادة دورتها من خلال سلسلة الغذاء البحرية.

والكمية الإجمالية من الهيدروكربون الناتجة بهذه الوسيلة كبيرة جداً ( من المحتمل أن تكون أكثر من مليون برميل في السنة ) بحيث أن مقداراً كافياً منها يبقة لكي يشكل هذا الجزء من هذه الهيدروكربونات في تجمعات الزيت في العالم .

 

والطريقة الثانية : هي التي يتكون من خلالها حوالي 90% من الزيت ، وتشمل نشأة الهيدروكربونات من تحلل وتحول المادة العضوية المدفونة ، حيث يعتقد أن أكثر من نصف الجزيئات عالية الوزن (الهيدروكربونات التي تحتوي على ما يقرب من 10 ذرات كربون ) تكون قد تكونت بهذه الوسيلة.

ويمكن تصور حدوث هذه العملية على الوجه التالي : في الأمتار القليلة الأولى من دفن الرسوبيات ، تتحول المادة العضوية إلى هيدروكربونات أكثر تشابهاً مع النفط من خلال التفاعلات البيوكيميائية

ومع ازدياد العمق فإن التقطير البسيط عند درجات حرارة منخفضة يؤدي إلى إزالة الأكسجين والكبريت والنتروجين في آخر الأمر ، لتتكون هيدروكربونات .

 

ومع مرور الزمن تدفن الرواسب إلى أعماق من 500 إلى 700 متر حيث تكون قد تولدت هيدروكربونات كافية تمهد لتكوين حقل زيت اقتصادي تحت ظروف تراكم مواتية .

ويستمر تولد الهيدروكربونات في الزيادة باضطراد مع ازدياد درجات الحرارة التي تحدث عند أعماق أكبر . وتحت عمق 2000 متر فإنه يكون هناك اتجاه لتكوين كميات كبيرة من الهيدروكربونات الخفيفة ، التي تحتوي على ما يصل إلى 10 ذرات من الكربون .

وازدياد العمق يتسبب في أن يكون الصخر المصدر أكثر دموجاً بحيث تقل سهولة هجرة الهيدروكربونات من صخر المصدر إلى الصخر الخازن . وتكون النتيجة أن كميات هائلة من الهيدروكربونات تقبع في صخر المصدر ولا تخرج منه مطلقا .

لقد تم تقدير كمية النفط في الصخور الخازنة على القارات والرفوف القارية في العالم بمقدار 6000×10 9 طن من النفط .

 

وعلى الأقل فإن هناك ما يفوق هذه الكمية بمائة مرة من النفط لا تزال متبقية في طبقات صخور المصدر .

ومع دفن النفط والمادة العضوية إلى أعماق أكبر ، تحت عمق 10000 متر ، فإن كل شيء يتحول بالتدريج إلى المنتجين النهائيين لجميع المواد العضوية ، ألا وهما الميثان والجرافيت .

وتنشأ بعض الهيدروكربونات في كل أنواع الرسوبيات تقريباً ، ولكن الكمية الكبرى تتكون في أكثر البيئات اختزالا. إن افضل صخور المصدر للنفط هي تلك التي تكون دقيقة الحبيبات مثل الطين أو وحل الجير، التي ترسبت في الأحواض الترسيبية تحت ظروف مختزلة.

 

إن الرسوبيات الخشنة الحبيبات مثل الأحجار الرملية النظيفة المرجانية والصخور البطروخية لا تشكل صخوراً مصدرية لنفط، ذلك لأنها ترسبت في مياه ضحلة لمناطق مهوَّاة، حيث تعمل حركة المياه على تنحية المادة العضوي إلى الخارج، ويميل الأكسجين إلى تدمير الهيدروكربونات.

إن بعض الأحواض الترسيبية الموجودة في الزمن الحاضر مثل خليج المكسيك والأحواض الترسيبية خارج كاليفورنيا والخليج العربي وبحر قزوين وغيرها تمثل ظروفاً مشابهة تماماً لتلك التي نشأ تحتها الزيت في الماضي.

ومن هنا فإنه يمكن القول إن انتشار المادة العضوية في الصخور الرسوبية ضروري، إلا أن هذه المادة العضوية يجب أن يتحقق لها الوسط الملائم لحفظها وتطورها من حيث الدفن السريع والوسط المختزل وترسيب سمك مناسب من الصخور فوقها يسمح بتطوير وتحول المادة العضوية إلى نفط تحت تأثير درجات حرارة مناسبة.

 

ثانياً- الهجرة الأولية:

إن الخطوة الثانية في عملية التراكم هي الهجرة الأولية للنفط من الصخر المصدر إلى الصخر الخازن، وتنتج من حركة المياه التي تحمل الزيت أو المادة المكونة له بتركيزات أقل من 100 جزء في الميلون إلى خارج الرسوبيات المدموجة (Compacting sediments).

وعندما يترسب الوحل المصدر فإنه يكون محتوياً على نسبة تتراوح بين 70 إلى 80% من حجمه مياهاً. ويشكل الباقي مواد صلبة غالباً ما تكون ممثلة بمعادن الطين أو جزئيات الجير.

وبازدياد السمك في حوض الترسيب فإن المياه تُعتصر خارج الوحل المصدر بتأثير وزن الرسوبيات التي تعلوه.

 

وبعد الدمج، فإن الطين المصدر يحتوي على حوالي 25% فقط من حجمه مياهاً على عمق 700 متر ويحتوي على 10% فقط عند عمق 2000 متر.

ويتحرك الماء والزيت في اتجاه يتمتع فيه بأقل مقاومة ممكنة (اقل ضغط هيدروستاتيكي) بمعدلات من 2 إلى 10 سم/ سنة.

وفي المراحل المبكرة من الدموج يكون اتجاه حركة السائل أساساً إلى أعلى، ومع تقدم الدموج تكون حركة السوائل في الاتجاهات الجانبية أيضاً، كما أنها تكون في اتجاهات رأسية.

 

وتنشأ الحركة الجانبية أساساً من امتداد جزئيات معادن الطين المفلطحة في أن تمتد أفقياً كلما تضاغطت، وهذا يخفض النفاذية الراسية للطين المتعرض للدموج.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الرمال الممتدة والمستمرة، الموجودة على حواف الأحواض الترسيبية توجه حركة السوائل في الاتجاهات الجانبية وذلك مع ازدياد عمق الدفن.

إن الميكانيكية التي يحمل بها الماء الزيت غامضة حتى الآن، فالزيت لا يمكنه أن يتحرك كقطرات صغيرة جداً أو جزيئات غروية، ذلك لأن كلاهما لا يمكنه اختراق فتحات المسام الدقيقة التي توجد في وحل الطين.

 

ويحتمل أن يتحرك الزيت على هيئة هيدروكربونات ذائبة في الماء، وهي تلك التي تذوب في مجال الوزن الجزيئي المنخفض، وكذل كمادة «بشائر النفط» (وهي مواد غير هيدروكربونية) وهي تذوب في مجال الوزن الجزيئي المرتفع.

إن المواد الأخيرة يمكن أن تتحول إلى هيدروكربونات من خلال تفاعلات تكسيرية (Cracking) بعد دخولها إلى الصخر الخازن. ويعتقد أن الهيدروكربونات الذائبة تنفصل في الصخر الخازن وذلك بسبب التغير في الظروف الفيزيوكيميائية.

وعندما يكون مثل هذا الصخر محصوراً تماماً في الطين الذي يتعرض للدموج، فإن جزيئات الزيت سوف تكون ممسوكة بالضغط الشعري في الطين في حين أن الماء سوف يمر بها.

 

وإذا كان هناك ممر مسامي يمكن أن يتخطى الطين، فإن التيارات الهيدروليكية الناشئة من الماء المتحرك سوف تطرد قطرات الزيت الصغيرة جداً إلى خارج الخزان. ومع تقدم الدموج، حيث تكون غالبية المياه قد خرجت من الطين، فإنه سوف يتحول إلى طفل متراص أو إلى جيريات كثيفة.

إن هذه الصخور تشكل الغطاء الحابس لجزيئات الزيت التي تجمعت في الصخر الخازن. وبالرغم من أن الهيدروكربونات تكون لا تزال تتكون باستمرار من المادة العضوية في الرسوبيات.

فإن عملية الهجرة تستغرق ما يربو على مليون سنة أو يزيد لكي يتكون تجمع للزيت ذو قيمة اقتصادية. وهكذا فإن الإنسان يستخرج الزيت من الأرض بمعدل أسرع بكثير من معدل تجمعه.

 

ثالثاً- الهجرة الثانوية:

تمثل الهجرة الثانوية آخر مرحلة من مراحل تجمع الزيت، حيث تتحرك قطرات الزيت الدقيقة خلال الصخر الخازن لكي تكون بركة النفط.

وفي بعض الحالات تتضمن الهجرة الثانوية خطوة أخرى وذلك عندما يحدث خلالها تحركات القشرة الأرضية تؤدي إلى إزاحة موضع البركة ضمن حدود الصخر الخازن.

ويتأثر موضع بركة النفط المتراكمة بعديد من العوامل التي تكون أحياناً متعارضة.

 

فالطفو مثلاً يتسبب في أن يبحث الزيت عن الجزء الأعلى نفاذية في الخزان، وتوجه القوة الشعرية الزيت، في المقام الأول، إلى داخل الجزء الذي يتمتع بأكبر حجم من الحبيبات ثم بالتتابع إلى أجزاء ذات حجم أصغر وذلك مع امتلاء الصخر الخازن، ويكون من تأثير عوائق النفاذية في الخزان أن يتفرع الزيت إلى توزيعات عشوائية إلى حد ما.

وغالباً ما تكون تجمعات الزيت في الصخور الجيرية غير منتظمة ذلك لأن جزءاً من الفراغات الأصلية تكون قد شغلتها معادن ترسبت من محاليل المياه بعد نشأة الصخر.

وفي أجسام الرمال السميكة تؤدي إلى العوائق الممثلة بطبقات رقيقة من الطفل الكثيف إلى فصل الزيت في هذه الرمال السميكة إلى مستويات مختلفة.

 

وعندما تحدث حركات تكتونية في القشرة الأرضية فإن برك الزيت تنحرف أحياناً بعيداً عن المكان الذي تجمعت فيه أصلاً، ما أن الصدوع أحياناً ما تقطع خلال الخزانات مدمرة بذلك جزءاً من البركة أو تتسبب في نقلها إلى أعماق مختلفة. إن عمليات الرفع والتحات تقرب البرك إلى سطح الأرض حيث تتبخر الهيدروكربونات الخفيفة.

كما أن حدوث تشققات في صخر الغطاء يسمح للزيت بالهجرة الراسية إلى أعماق أقل بكثيرة من مما كانت عليه. وقد يتحرك النفط أيضاً عند حدوث فرق في الضغط، وكذلك عند حدوث تشققات أو وجود ممرات تتمتع بنفاذية جيدة تسمح بإعادة هجرة النفط.

 

وأخيراً، فإن تركيب وخصائص الزيت المتولد يتحدد بجميع مراحل نشأته وهجرته، ويعتقد أن البنيات العضوية التي نشأ الزيت منها، وزيادة ظهور الهيدروكربونات الخفيفة مع زيادة العمق وانتقائية مرحلة الهجرة في حمل جزء فقط من الهيدروكربونات من الصخر المصدر، هذا إلى جانب تحول الزيت داخل الصخر الخازن بتأثير المياه الأرضية والحركات التكتونية – كل هذه العوامل يعتقد أنها جميعاً تلعب دوراً هاماً في تحديد تركيب النفط.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى