الفنون والآداب

نبذة تعريفية عن أنواع وأشكال “القِصة”

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

أنواع القِصة أشكال القِصة القِصة الفنون والآداب المخطوطات والكتب النادرة

عَرَفَتْ البشرِيَّةُ القِصَصَ والحِكاياتِ منذُ فجرِ التَّاريخِ، وذلِكَ لحاجةِ الإنْسانِ للتَّعبيرِ اللُّغَوِيِّ عن أحوالِهِ وتجارِبِهِ.

وكانَتْ الحكاياتُ الخرافِيَّةُ النَّمَطَ الأَوَّلَ للقِصَصِ الّذي عَرَفَهُ النَّاسُ وتداولوهُ بالرِّوايَةِ شَفَوِياً.

وكانَتْ القِصَصُ هي المَحَطُّ الّذي يستريحُ فيهِ المجتمعُ الإنْسانِيُّ ويتخفَّفُ عِندَهُ من أَعْبائِهِ ومَسْؤولِيَّاتِهِ، فيُلْقِي في سياقِها هُمومَهُ وأَشْواقَهُ، وتجارِبَ الآباءِ، وآمالَ المُسْتَقْبَلِ. لِذَا عَرَفْنا نَوْعَين منَ القصَصِ: الخيالِيَّ والحقيقِيَّ.

 

أمَّا القَصَصُ الخيالِيُّ فلا يكونُ لشَخْصيَّاتِهِ وجودٌ حقيقِيُّ، إنَّما يَرْسِمُها الكاتِبُ منَ خيالِهِ. وهذه هي سِمَةُ القَصِّ الفَنِّيِّ السّائِدِ بأَشْكالِهِ التعبيرِيَّةِ المُتَعَدِّدَةِ.

فمنه قَصَصٌ رومانْسِيٌّ يصوِّرُ بطولاتِ الفُرسانِ ويقفُ عِنْدَ العَلاقاتِ الإنْسانِيَّةِ المتميِّزَةِ بالخُلُقِ السّامِي والمُثُلِ النَّبيلَةِ.

ومنه قَصَصٌ اجْتماعِيٌّ يَرْصُدُ فيه الكاتِبُ قَضايا المجتمعِ. ومنه أيضاً قَصَصُ الخيالِ العِلْمِيِّ الّذي يرسمُ عالَماً خيالِياً بِحتاً بشخصياتٍ وكائناتٍ وأدواتٍ لا تَمُتُّ إلَى الواقِعِ بِصِلَةٍ. وكثيرٌ مِنَ المُخْتَرعاتِ كانَ قَصَصَ خيالٍ عِلْمِيٍّ ثُمَّ وَجَدَ طريقَهُ إلَى نُورِ الواقِعِ.

 

أمَّا النَّوْعُ الآخرُ من أَنْواعِ القَصَصِ النَّثْرِيِّ فهو ما يحكي قِصَصاً شُخوصُها واقِعِيَّةٌ، ومسرحُ أَحْداثِها معلومٌ مكانِياً، وزَمَنُها مُحَدَّدٌ تاريخِياً.

ويُمَثِّلُ هذا النَّوْعَ القِصَصِ التاريخِيَّةُ والسِّيَرُ الذَّاتِيَّةُ، مثل القِصَصِ الّتي تَرْوِي وقائِعَ العَرَبِ وحُربَهُمْ قبلَ الإسْلامِ وبَعْدَه. ومِنْها القِصَصُ الّتي تحكِي تاريخَ الدُّوَلِ وسِيَرَ مُلوكِها وحُكَّامِها. وتكونُ هذه القِصَصُ مَصْدَراً من مصادِرِ كِتابَةِ التَّاريخ، وفي تُراثِنا العَرَبِيِّ المُدَوَّنِ كثيرٌ مِنْ تِلْكَ الحِكاياتِ التَّارِيخِيَّةِ.

 

وقَدْ اهتَمَّ المُؤرِّخونَ بالكِتابَةِ عن الشَّخْصياتِ الدِّينيَّةِ والسِّياسِيَّةِ والعلْمِيَّةِ، وأخْبارِ الشُّعَراءِ والوُزَراءِ، فأصبحَ لدَيْنا تراثٌ ضَخْمٌ مُتراكِمٌ من كُتُبِ الطَّبَقاتِ لرُواةِ الحديثِ، وقُرَّاءِ القُرْآنِ.

ومنِ أشْهَرِ الكُتُبِ الّتي اهْتَمَّتْ بتاريخ الأُدَباء والشُعَراءِ كتابُ «مُعْجَم الأُدَباءِ» الّذي أَلَّفَهُ ياقوتُ الحَمَوِيُّ.

أمَّا أشْهَر شخصِيَّةِ أفْرِدَتْ لحياتِها دِراساتٌ مُسْتَقِلَةٌ فهو نَبِيُّنا محمَّدٌ، صلَّى الله عليه وسلَّم، وأقْدَمُ سيرَةٍ كُتْبَتْ عَنْه كَتَبَها ابنُ إسْحاقَ، وشَرَحها وأَتَمَّها ابنُ هِشام.

وبَيْنَ القِصَصِ الخيالِيَّةِ والتَّارِيخِيَّةِ الواقِعِيَّةِ تَوَلَّدَ نَوْعٌ آخرُ يَسْتَخْدِمُ التَّاريخَ ويستفيدُ منه في رَسْمِ إطارِ القِصَّةِ الّتي تَتَحَرَّكُ فيها شِخصِيَّاتٌ يُنْسِجها خيالُ المُؤَلِّفِ.

 

وغاياتُ القِصَّةِ ثًنائِيَّةُ الهَدَفِ: تحقيقُ المُتْعَةِ، والفائِدَةُ. فالمتعةُ يوفِّرُها بِناؤُها الفنِّيُّ، وتَسَلْسُلُ أحداثِها، والدِّقَّةُ في رَسْمِ شَخْصيَّاتِها، وجمالُ أُسلوبِها والإبداعُ فيهِ، وحُسْنُ تَوْظيفِ الزَّمانِ والمَكانِ، وقُدرَةُ الكاتِبِ الإبداعِيَّةِ في شَدِّ القارِئِ والوُصولِ إليه.

أمَّا الفائِدَةُ فالقِصَّةُ تطرَحُ حلولاً لِمُشْكلاتٍ تَمَسُّ واقِعُ القارِئِ، وتَكْشِفُ بالتَّحليلاتِ الّتي تَنْطِقُ بها الشَّخْصيَّاتُ عن جوانِبَ دقيقةٍ يَهْتَمُّ لها القارئُ ويَعْجِزُ عَنْ تفسيرِها، وتُعَبِّر عن مَوْقِفِ الكاتِبِ ورُؤْيَتِه للعالَمِ مِنْ حَوْلِه، وتُنَمِّي مَلَكاتِ الخَيالِ والإبداعِ.

والقِصَّةُ، كَشَكْلٍ فَنِّيٍّ، تتفاوَتُ من حيثُ الطّولُ والقِصَرُ، وامتدادُ الحَدَثِ، وكثافَةُ الشَّخصيَّاتِ، وحِدَّةُ عُنْصُرِ التَّشويقِ. فهناكَ «القِصَّةُ»، ومِنْها القِصَّةُ القَصيرَةُ، ثمَّ «الأُقْصوصَةُ» الّتي تَخْتَزِلُ أَحداثاً في مَوْقِفٍ، وتَعْرِضُ عُقْدَةَ الحَدَثِ في تكثيفٍ فَنِّيٍّ لا يقدِرُ عَلَيْه إلاَّ مُبِدْعٌ مُتَمَكِّنٌ.

 

أمَّا إذا اسْتَغرَقَ الحَدَثُ فتراتٍ زَمَنِيَّةً وحِقَباً مُتوالِيَةً، وتَعَدَّدَتْ شُخوصُه، وتَعَقَّدَتْ عَلاقاتُها وتَشَابَكَتْ فتُسَمَّى «رِوايَةً»، وفيها يَتَطَوَّرُ الحَدَثُ ويَتَشَعَّبُ.

كما تمتازُ الرِّوايَةُ بثراءٍ وتَنَوُّع في المَواقِعِ والأماكِنِ، مَعَ ما يَتَطَلَّبُهُ العَمَلُ الفَنِّيُّ منْ مُقَوِّماتٍ يَشُدُّ بعضُها بعضاً، كَدِقَّةِ الوَصِفِ، والاهْتِمامِ بالتَّفْصيلاتِ، والقُدْرَةِ اللَّغَويَّةِ علَى تَنَوُّعِ الأُسْلوبِ من سَرْدٍ إلَى حوارٍ يَتَداخَلُ مع بِناءِ الشَّخْصِيَّةِ ولا يكونُ مُنْفَصِلاً عَنْها.

أَمَّا عن فَنِّ القِصَّةِ في تُراثِنا العَرَبِيِّ فالّذي وَصَلَنا عن العَرَبِ في بِدايَةِ عُصورِ الأَدَبِ أخبارٌ ورِواياتٌ تَحْكِي أَيَّامَهُم ووَقائِعَهُم وحروبَهم، كما وَصَلَنا شيءٌ من الحكاياتِ الخُرافِيَّةِ؛ وكُلُّها كانَتْ تُرْوَى مُشافَهَةً.

 

أمَّا في مَرْحَلَةِ التَّدْوينِ الكِتابِيِّ فأَقْدَمُ القِصَصِ كانَتْ في القَصَصِ الدِّينيِّ الّذي وَرَدَ في القُرْآنِ الكريمِ، وكانَ هَدَفُهُ العِظَةَ والرُّشْدَ والعِبْرَةَ، ثمَّ نَشَأَ القَصَصُ الدِّينيِّ في عَصْرِ الخُلفاءِ الرَّاشدينِ، وأَشْهَرُ كُتَّابِهِ تَمِيمٌ الدَّارَمِيُّ، ومِنْه قَصَصُ خَاصٌّ بالأَنْبياءِ.

وعِنْدَما ازْدَهَرَتْ الثَّقافَةُ والتَّرْجَمَةُ في العَصْرِ العَبَّاسِيِّ، وكَثُرَ النَّقْل عن حضاراتِ الشُّعوبِ الّتي دَخَلَتْ الإسْلامَ، مثل الهنودِ والفُرْسِ، ظَهَرَتْ القِصَّةُ المُوَلَّدَةُ مثل «كَليلةُ ودِمْنَة» الّتي كَتَبَها ابن المقفع.

 

وتنوعت أشكال القصة حينئذ، وتَفَاوَتَتْ قِيَمُها الفَنِّيةُ، فَمِنْها ما جاءِ مُتَماسِكاً في موضوعٍ واحِدٍ كقِصَصِ البخلاء للجاحظ، ومِنْها ما جاءَ مُتَنَوِّعاً كرِواياتِ أَبي الفَرَج الأَصْفَهانِيِّ في كِتابِ الأَغانِي وهناكَ المَقاماتُ، وهي أشكالٌ قَصَصِيَّةٌ تِهْدِفُ إلَى غاياتٍ تعليمِيَّةٍ لُغَوِيَّةٍ، أَشْهَرُها مَقاماتُ الحَريرِيِّ ومقاماتُ الهَمَدَاني.

أمَّا القَصَصُ الشَّعْبِيُّ فَمِنْه الخُرافِيَّ ومِنْهُ ما يَهْتَمُ بِعوالِمَ غَيْبِيَّةٍ كعالمِ السِّحْرِ والجِنِّ، ومنهُ ما يَحْكِي الأَمْثالِ الشَّعْبِيَّةِ، ومِنْه ما يَرْوِي البُطولاتِ وقِصَصَ الخالدينَ. ويَتَمَيَّزُ القَصَصُ الشَّعْبِيُّ بأنَّه يُرْوَى مُشافَهَةً.

 

وقَدْ تَتَلاقَى تِلْكَ المُقَوِّماتُ الفَنِّيةُ جميعُها في سياقٍ قَصَصيٍّ واحِدٍ؛ فمِنْ ذَلِكَ ألْفُ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ المَشْهورَةُ الّتي أَثَّرَتْ في الآدابِ الإنْسانِيَّةِ عَرَبِيَّةً وأَجْنَبِيَّةً فأغْنَتْها بالمَوْضوعاتِ والأَساليبِ والتَّراكيبِ الفَنِّيَّةِ.

وفي العَصْرِ الحديثِ تَطَوَّرَتْ التقْنِياتُ الفَنِّيَّةُ في كتابَةِ القِصَّةِ العَرَبيَّةِ الحديثَةِ نظراً لاتِّصالِ العَرَبِ العَرَبِ بالثَّقافاتِ الأَجْنَبِيَّةِ، والنَّقْلَةِ الواسِعَةِ في وسائِلِ الاتَّصالِ والتَّزويدِ المَعْرِفِيِّ، وازْدِهارِ الصَّحافةِ ووَسائِلِ الإعْلامِ الأُخْرَى المقروءةِ والمسموعَةِ والمَرئِيَّةِ. 

 

مِمَّا جَعَلَ القِصَّةَ العَرَبِيَّةَ الحديثَةَ مادَّةً مطلوبَةً، وأَدَاةً من أدواتِ الإعْلامِ المُعاصِرِ، فلَمْ تَعُدْ المُقَدِّمَةُ والعقدة والحَلُّ قَيْداً علَى مَنْهَجِ التَّأليفِ القَصَصِيِّ بَلْ زادَتْ عَناصِرُ التَّشويقِ وتَمَيَّزَتْ خُصوصِيَّةُ الكاتِبِ بالقُدْرَةِ علَى شَدِّ القارِئِ وجَذْبِه في أَثْناءِ القِراءَةِ، والعَمَلِ علَى تَحقيقِ المُتْعَةِ والشُّعورِ بالرِّضَى من تَفاعُلِ عناصِرِ الصِّراعِ الدِّرامِيِّ.

وقَدْ زادَ اليَوِمَ طَلَبُ الغَرْبِ علَى تَرْجَمَةِ كثيرٍ مِنَ القَصَصِ العَرَبِيِّ لِكُتَّابٍ مُعاصِرينَ، ومِنْهم مَنْ حَصَل علَى جائِزَةِ نُوبِل في الآدابِ كنجيبِ مَحْفوظٍ. وفي كلِّ قُطْرٍ عَرَبِيٍّ قَصَّاصونَ مُتَمَيِّزونَ لَهُمْ مَكانَتُهُمْ الفَنِّيَّةُ والأَدَبِيَّةُ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى